نجحت جبهة النصرة في إنجاز اندماج يضمّ سبعة فصائل تحت اسم «الهيئة الاسلامية السورية» وتعيد النصرة تنظيم تحالفاتها مع أكبر فصائل الشمال للمواجهة المقبلة في إدلب. المقصود بالتحرك الأكبر في هذا الاندماج هي جبهة أحرار الشام، التي يجب تقسيمها حاليًا إلى جناحين عسكرية وسياسية، فبصفة عامة الجبهة مدعومة من قِبَل تركيا، لكن بعد خسارة معركة حلب وتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في سوريا، تبلور الانقسام داخل الجبهة لينتج عنه جناح سياسية موالية لأنقرة والحلول السلمية، وجناح عسكرية تبتعد عن الموقف التركي. ودعا 17 ممن يسمون بالمفتين الشرعيين بينهم مصريون أبو فتح الفرغلي وأبو اليقظان، وسعوديون أمثال عبد الله المحسني، وغيرهم من وجوه القاعدة في الساحة السورية، إلى وجوب الاندماج مع «فتح الشام» جبهة النصرة سابقًا، الأمر الذي من شأنه تغليب الجناح القاعدية في أحرار الشام، ويؤكد تولي أبو عمار العمر الإخواني قيادة الكيان القاعدي السوري الجديد أن الدافع العام قد تبدل من أيديولوجي شخصي إلى الأيديولوجية العامة التي يتبناها تنظيم القاعدة، وبالتالي تغلب الدافع العسكري على السياسي. وفي ظل تعزيز الاتجاه العسكري فإنه لا مكان للجناح السياسية في الجبهة الذي يمثلها لبيب النحاس وأبو عزام الأنصاري، أبرز أعضاء مجلس الشورى، الأمر الذي يشير إلى تصدع جدران الجبهة الداخلية لأحرار الشام، فالجناح السياسية لم تجد من يؤيدها من الجناح العسكرية للجبهة، التي يمثلها أبو جابر الشيخ الذي انشق عن الحركة مع 16 فصيلًا، وأنجز الاندماج مع النصرة بعد مصالحة كانت برعاية زعيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، بينه وبين أبو عمار العمر. ويبدو أن النصرة بهذه الاندماجات تسابق الزمن لتنظيم تحالفاتها للإعداد للمواجهة المقبلة في إدلب، معقل المسلحين، التي تأوي حاليًا قرابة ال50 ألف مقاتل، لكن تلك المرة من دون غطاء دولي أو إقليمي في حال استبعاد الدور التركي، الأمر الذي قد يضعف الغطاء السعودي والقطري إلى حد كبير، فالحدود التركية التي كانت معبرًا لنقل السلاح للفصائل الإرهابية قد أغلقت تقريبًا، وستكون في انتظار تلك الفصائل المسلحة في إدلب مواجهة صعبة في وجه الجيش السوري وحلفائه بالمنطقة. تبعات الهزيمة المدوية للمعارضة السورية في حلب مازالت تتوالى، ويبدو أنها ساهمت كثيرًا في حسم خيارات الجناح العسكرية في أحرار الشام، خاصة بعد أن تخلت أنقرة عنها، وساومت موسكو على معبر لمسلحي الفصائل التي تدعمها نحو درع الفرات وتركتها تواجه مصيرها، بالإضافة لشراكة روسية تركية في معركة الباب، حيث شنت طائرات روسية مجموعة من الهجمات على منطقة الباب. حالة الغربلة في الفصائل السورية من حيث الانشقاقات والاندماجات ستتوالى تبعًا، فبعد توقيع وقف الأعمال القتالية في أنقرة، ستكون هناك أطراف مؤيدة لتحركات أنقرة باتجاه الاستانة، وستكون هناك أطراف معارضة سترفض تلك التحركات بل وستحاول التملص منها، فالفصائل المقاتلة لا تنضوي جميعها تحت الراية التركية، فللرياض والدوحة حلفاؤهم في المعارضة، ويبدو أن النصرة تمهد الطريق للفصائل التي تود سلك منحى مغاير لأنقرة، فالنصرة تنتظر توسيع تحالفاتها فيما يسمى بالجيش الجهادي الجديد، لتستعجل إمكانية عزلها وتشكيل حلف عسكري ضدها تقوده أنقرة بالتفاهم مع موسكو يجمع صقور الشام، الجبهة الشامية، جيش المجاهدين، جيش الإسلام؛ لضمهم مستقبلًا للعملية السياسية، وهو الأمر الذي تسعى النصرة لتداركه وإدماج تلك الفصائل فيها، بالإضافة لنور الدين الزنكي واستقمت كما أمرت، ولا يبقى هاجس النصرة في أنقرة وحسب، فداعش غريم النصرة التقليدي قد يسعى لضم تلك الفصائل إليه أيضًا. ويرى مراقبون أن الاندماج مع النصرة محفوف بمجموعة من المشكلات، فالنصرة مصنفة إرهابية، وانضمام أي فصيل لها سيعرضه لهذا الوسم الإرهابي، كما أن الانضمام إليها ستصاحبه مجموعة من الانشقاقات كالتي حصلت مع أحرار الشام، حيث اشتعل الصراع بين جناحها السياسية والعسكرية. وتبقى عمليات الاندماج الأخيرة، التي حدث في النصرة، مؤشرًا واضحًا على تعزيز مكانة التيار القاعدي في أحرار الشام والنصرة، التيار الذي لا يرى إلَّا الحل العسكري ورفض القتال أو التفاوض تحت الغطاء التركي. الذئاب المنفردة بعيدًا عن تطورات الجماعات الإرهابية واندماجها في كيانات موحدة في الداخل السوري، فإن ظاهرة الذئاب المنفردة بدأت تتزايد في أنحاء العالم كتكتيك جديد من قِبَل الجماعات الإرهابية التي تربطها علاقات بعيدة أو قريبة مع التنظيميين الإرهابيين داعش والنصرة. فالعملية الإرهابية التي حدث بالأمس في أنقرة وأودت بحياة 39 قتيلًا بإسطنبول، مازال البحث مستمرًّا فيها عن «القاتل»، وسبقتها عملية اغتيال السفير الروسي بأنقرة، لكن لم يتمكن الفاعل من الفرار، وتم تصفيته في موقع الجريمة، وفي برلين لا يختلف الحال عن أنقرة، فالإرهابي الذي دهس أشخاصًا في ألمانيا مازال هاربًا حتى الآن. المخاوف الأمنية من أسلوب الذئاب المنفردة لا يقتصر على سهولة انتشارها وتنوعها، لكن هناك صعوبة في تعقب منفذيها، فلا جماعات كبيرة يرتبط فيها، ولا اتصالات هاتفية مع أطراف معينة يمكن تعقبها، وتزداد خطورتها في ظل تصعيد الأساليب الإرهابية المستخدمة بها، فحسب الصنداي تايمز فإن داعش يعد لشن هجوم كيماوي في بريطانيا، وهو أمر قد يشكل خطورة حقيقية في ظل تواجد 800 مقاتل بريطاني في صفوف داعش بسوريا، عاد منهم بالفعل 200 مقاتل إلى بريطانيا، ويذكر أن داعش طورت جهودها في بعض الأنشطة الكيماوية، بالإضافة لبعض المجهودات المتواضعة في مجال الطائرات بدون طيار.