تواصل الجزائر سياسة التقشف التي تبنتها منذ انخفاض أسعار البترول خلال السنوات القليلة الأخيرة، حيث وقع الرئيس الجزائري على موازنة عام 2017 مع زيادة في الضرائب والرسوم وتجميد أجور العمال. موازنة 2017 صادق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الأربعاء على موازنة 2017، التي تتضمن إجراءات تقشف كثيرة لمواجهة انخفاض أسعار النفط، كزيادة في الضرائب ورفع الرسوم على العقارات والوقود والتبغ. كما قررت الحكومة تجميد التوظيف في القطاع العام وعدم زيادة الأجور خلال السنوات الثلاث المقبلة. وتضمنت الموازنة زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 17% إلى 19% وكذلك الرسوم على العقارات والوقود والتبغ واستحداث رسم على الأجهزة الكهربائية التي تستهلك الكثير من الطاقة. يذكر أن الحكومة تحاشت فرض ضرائب إضافية أو رفع أسعار الوقود خلال السنوات التي أعقبت حركة الاحتجاجات في العالم العربي، لكنها لجأت إلى ذلك في العامين 2016 و2017. وفي الموازنة الجديدة قررت الحكومة تجميد التوظيف في القطاع العام وعدم زيادة الأجور خلال الثلاث سنوات المقبلة 2017 و2018 و2019 على التوالي. وتضمنت الموازنة إيرادات بنحو 51 مليار دولار، ما يمثل زيادة تناهز 13% مقارنة بسنة 2016، في حين بلغت النفقات 62 مليارا منها 14 مليارا لدعم أسعار المواد الاستهلاكية والسكن والصحة. وتظل موازنة الدفاع الأكبر حجما، وخصص لها 10 مليارات دولار، تليها التربية والتعليم العالي بنحو 9.5 مليارات لكل منها، ثم الصحة والداخلية ب3.5 مليارات لكل منها. آلية جديدة أنجزت الموازنة الجزائرية الجديدة على أساس سعر 50 دولارا لبرميل النفط باعتبار أن تصدير المحروقات يشكل 95% من مداخيل البلاد، وكانت الجزائر تعتمد سعرا مرجعيا للبرميل ب37 دولارا حتى عندما فاق سعره 100 دولار لتقوم بتحويل الفارق إلى صندوق ضبط الإيرادات (بلغ حجمه 51 مليار دولار عام 2015) الذي يمول العجز في الموازنة. وهذا يعني أن الهامش الذي كانت تتحرك فيه الجزائر في السابق لتمويل عجز الميزانية قد تلاشى، الأمر الذي يدل على ضعف الاقتصاد في الوقت الراهن. وهو الأمر الذي أشار إليه رئيس الوزراء الجزائري، عبد المالك سلال، حيث قال إن احتياطي الجزائر من النقد الأجنبي يبلغ نحو 114 مليار دولار مع نهاية العام 2016، بعدما كان 190 مليارا نهاية العام 2013، وذلك بسبب "الصدمة النفطية"، ما يعني أن احتياطات النقد الأجنبي الجزائري فقدت 76 مليار دولار في 3 سنوات. وأكد سلال في مقابلة مع التلفزيون الجزائري بثت الليلة الماضية أن "وقع الصدمة النفطية كان شديدا جدا على الجزائر خلال السنوات الثلاث الأخيرة". لكنه مع ذلك رأى أن "الجزائر متحكمة جيدا في احتياطات الصرف"، وأنها "ستغير النمط الاقتصادي تدريجيا"، مؤكدا أن "الوضع ليس كما تروج له بعض الأطراف". نظرة متفائلة وفي نظرة اقتصادية متفائلة قال سلال، أن "إنتاج المحروقات ارتفع ب9%، ومداخيل النفط هذا العام ستكون في حدود 27.5 مليار دولار"، مشيرا إلى أن متوسط سعر برميل النفط الجزائري بلغ 43 دولارا في 2016. وأضاف "في العام المقبل سنصل إلى 35 مليار دولار كمداخيل، وفي 2019 سنصل إلى 45 مليار دولار كحد أدنى". وقال سلال إن الجزائر كان بمقدورها إنهاء العام 2016 باحتياطات أكبر من النقد الأجنبي، لولا التغير الكبير في سعر صرف الدولار الأميركي الذي سجل ارتفاعا كبيرا. وكشف سلال أن الجزائر خلقت نحو 734 ألف مؤسسة مصغرة خصوصا لفئة الشباب خلال الخمس سنوات الأخيرة، موضحا أن هذا القطاع سيعرف المزيد من التسهيلات مستقبلا. كما أكد سلال أن الجزائر ستبقي على نظام دعم الأسعار بقيمة 18 مليار دولار عام 2017. وتدعم الحكومة منتجات مثل الألبان والخبز والسكر، وطمأن المواطنين بأن الحكومة لن تتخلى عن سياسة الدعم. وعلى الرغم من النظرة المتفائلة للرئيس الوزراء الجزائري، فإن هناك مؤشرات لا تصل إلى حد التفاؤل، حيث حلت الجزائر في ذيل ترتيب الدول المغاربية من حيث مناخ الأعمال والاستثمار لسنة 2016، حسب تصنيف جديد لمجلة "فوربس" الأمريكية، ووضعت المجلة الجزائر ضمن أسوأ الدول في مجال مناخ الأعمال لسنة 2016، بسبب ترتيبها المتدني 131، ضمن قائمة تضم 139 دولة، متخلفة بذلك عن كل من تونس "87" وموريتانيا "125" والمغرب الذي احتل الصدارة في المنطقة المغاربية بفضل مركزه ال51 عالميا، ورغم هذه المرتبة المتأخرة فإن الجزائر تقدمت ب6 مراكز عن تصنيف سنة 2015 عندما كانت 137 عالميا، وحسب التقرير، فإن جهود الحكومة الجزائرية لم تثمر بعد في تنويع اقتصاد الجزائري من خلال تطوير الصناعات غير النفطية لتقليص نسبة البطالة أو وضع حد لأزمة المساكن. وكان مجموعة من الخبراء قد حذروا من انهيار الاقتصاد الجزائري مع منتصف عام 2017 إذا استمرت الحكومة في عدم البحث عن الحلول الناجعة والكفيلة للنهوض مما اعتبروه "المعضلة الحقيقية" التي ستؤدي بالجزائر إلى الاستدانة مجددا من صندوق النقد الدولي. الجدير بالذكر أن قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بالاستدانة من البنك الإفريقي للتنمية لأول مرة منذ سنوات التسعينات، خلف موجة سخط عارمة لدى الجزائريين، حيث لجأت لأول مرة منذ تسعينيات القرن الماضي الحكومة للتمويلات الخارجية بعد الركود الاقتصادي الذي ضرب البلاد منذ انخفاض أثمنة المحروقات.