بينما تتعدد الحوارات والاجتماعات بشأن الأزمة الليبية في عدد من الدول العربية والغربية، من تونس للجزائر، مرورًا بالمغرب ومصر، وصولًا إلى لندنوروما؛ بهدف حلحلة الوضع وتقريب وجهات النظر والتوافق بين الفرقاء الليبيين حول مخرجات الأزمة المتفاقمة منذ ما يقارب الستة أعوام، يخرج أغلبها بل وجميعها دون جدوى أو جديد يذكر، في ظل تماسك جميع الأطراف برؤيتها حول الطرق المؤدية لهذا الحل، في اختلاف يسير بليبيا إلى طريق مجهول، في ظل الفوضى العارمة التي ضربت البلاد، والتي وسعت رقعة التطرف والميلشيات في جميع أنحاء الدولة. واستضافت القاهرة خلال الأيام الأخيرة الماضية عدة لقاءات لعدد من الشخصيات السياسية الليبية؛ في محاولة لتقريب وجهات النظر، في إطار المساعي المصرية لدعم الحلول السياسية على الساحة الليبية، مؤكدة عبر وزارة الخارجية أن الأيام القادمة ستشهد لقاءات مكثفة أخرى مع زعماء القبائل الليبية بالقاهرة، لاستكمال أعمال التنسيق؛ لعودة الاستقرار إلى ليبيا، وحشد الإجماع الليبي، والتوافق على القضايا الجوهرية، ومخاطبة المجتمع الدولي لدعم هذه الخطوات التوافقية. ويعتبر هذا الاجتماع الليبي الثاني خلال شهر برئاسة رئيس أركان الجيش المصري، الفريق محمود حجازي، لبحث الأزمة الليبية، حيث أصدر المجتمعون بيانًا أكدوا فيه على "ضرورة تكثيف الجهود الرامية إلى تحقيق التوافق السياسي والسلمي في ليبيا، وبما يحقق سلامة ووحدة أراضيها"، معربين عن"رؤيتهم لما يدور على الأراضي الليبية من صراعات مدمرة تستدعي تكاتف الجهود الوطنية المخلصة لإيقافها فورًا، ونشر ثقافة الحوار، وصولًا إلى توافق وطني يعيد بناء هيكلة الدولة الليبية، بإدارة مصالح المواطنين والدفاع عن استقلال الوطن ووحدته وسلامة أراضيه"، كما أكدوا دعمهم لما جاء في بيان اجتماع القاهرة الأول، الذي انعقد يومي 12 و13 ديسمبر الجاري، والذي شاركت فيه شخصيات ليبية، أبرزها نائب رئيس مجلس النواب في طبرق (شرق) محمد شعيب، وعدد من سفراء ليبيا، وشيوخ قبائل وسياسيون مستقلون. وتقول جهات في المنطقة الغربية لليبيا، والتي تحتضن الإسلاميين المناصرين لجماعة الإخوان، بأن اجتماع القاهرة لم يضم سوى طرف واحد في الأزمة الليبية، ولم يشمل أطرافًا مؤثرة في المنطقة الغربية، وخاصة المجلس العسكري لمدينة مصراتة وممثلين عن التيار الإسلامي، بينما أكدت أوساط ليبية حضرت الاجتماع أن اللقاءات شهدت المعارضين والمؤيدين للاتفاق السياسي ب«الصخيرات». وبينما يرى المتابعون أن الاجتماعات الليبية بالقاهرة حددت المشاكل والأطر الصحيحة لحلها، وذلك بوضع توصيات لتنفيذها في العملية السياسية كتعديل بنود الاتفاق السياسي لإبعاد الجيش الليبي عن الاتفاقيات السياسية، ترفض حكومة الوفاق برئاسة فائز سراج هذا الأمر، مستدلين بالاتفاق السياسي الذي يقر في أحد نصوصه على تعيين وزير الدفاع الليبي من قبل المجلس الرئاسي، وهو ما يعني احتمالية الاستغناء عن قائد الجيش الليبي خليفة حفتر في الفترة المقبلة، وهو الأمر الذي يرفضه البرلمان. وبعيدًا عن اجتماعات القاهرة تبدي دول مجاورة وغربية أخرى وساطاتها لحل الأزمة الليبية، حيث نظمت العديد من الاجتماعات الدولية في نوفمبر؛ لمحاولة التوصل إلى حلول، ولكنها لم تسفر عن أي تقدم حقيقي، حيث يبقى المجتمع الدولي منقسمًا بشان الأزمة الليبية، فبينما تدعم أمريكاوإيطاليا وبريطانيا وتركيا وقطر طرابلس في الغرب، تدعم روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة، وفرنسا بنغازي في شرق البلاد. وفي 31 أكتوبر الماضي كان هناك لقاء في لندن بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ووزير الشؤون الخارجية البريطاني بوريس جونسون، ومندوبين من إيطاليا وفرنسا والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى محافظ البنك المركزي الليبي الصادق الكبير، ومدير المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، ورئيس الهيئة الليبية للاستثمار علي محمد، وناقشوا الحاجة إلى دمج الميليشيات في القوات الأمنية المؤسسية (الشرطة والجيش والحرس الرئاسي)، كما ناقشوا الحاجة الملحة لاستئناف إنتاج النفط، بهدف ضخ مليون برميل يوميًّا. وبعد أسبوع استضافت حكومة مالطا اجتماعًا برعاية بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL)، سعى إلى الخروج من المأزق السياسي، وتحدث وزير الخارجية المالطي عن الحاجة للحفاظ على ليبيا موحدة، كما ظهرت ليبيا مرة أخرى في اجتماع دولي في 15 نوفمبر، في مؤتمر للتعاون بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في بروكسل، هذه المرة ركز القادة على جنوب ليبيا، والذي يعاني من تجزئة شديدة بسبب الانقسامات القبلية، ثم بعد أسبوعين عُقد اجتماع آخر في روما، وعلى الرغم من كثرة الاجتماعات الدولية، لم تكن هناك أي اختراقات تشير إلى حل الأزمة في المستقبل بحسب المراقبين. حيث يرون أن كثرة الاجتماعات لن تفيد الأزمة، ومن الأجدر أن توحد هذه الدول الراعية للحوارات الليبية مواقفها، وترعى حوارًا بشكل جماعي بعيدًا عن التجاذبات السياسية هنا وهناك، مؤكدين أن كثرة الوسطاء الداعين للحوار الليبي-الليبي ربما تؤثر على الأزمة أكثر، وذلك على خلفية أن كلًّا منهم يعمل على حدة من أجل إيجاد سبل لتقريب المواقف بين الفرقاء الليبيين.