للمرة الثانية في غضون 6 أشهر، شهد سوق الدواء في مصر حزمة من الإجراءات بخصوص "تسعير الأدوية" مما أدى إلى تفاقم الأزمة التي تداخلت فيها أطراف عديدة، بداية من وزارة الصحة والسكان وشركات توزيع الأدوية، مرورًا بغرفة صناعة الدواء، وصولًا إلى نقابة الصيادلة التي أعلنت جمعيتها العمومية الطارئة، الجمعة الماضية، تعليق العمل بالصيدليات لمدة 6 ساعات على مدى 3 أيام، بدءا من 15 يناير المقبل، ليبقى المواطن ضحية المعركة المشتعلة بين الأطراف الأربعة ويُسدد وحده فواتير تسعيرة الدواء العشوائية. بدأ التصعيد من قبل وزارة الصحة التي اجتمعت بالشركات وغرفة صناعة الدواء أكثر من 14 اجتماعا دون دعوة نقابة الصيادلة أو ممثلين عن المجتمع المدني ولجنة الصحة بمجلس النواب للتشاور بشأن الزيادة الثانية في أسعار الأصناف المحلية والمستوردة لتعويض خسائرهم وتوفير نواقص الأدوية عقب أيام قليلة من قرار البنك المركزي بتعويم العملة المحلية وتحرير سعر صرف الدولار. في المقابل تم تشكيل لجنة مشتركة من وزارة الصحة وغرفة صناعة الدواء ونقابة الصيادلة لتعديل القرار رقم 499 لسنة 2012 المنظم لتسعير الأدوية وتحديد نسبة الصيدلي والموزع، في ظل ما يتضمنه القرار الوزاري من تناقضات، وتسبب صدوره في كثير من الأزمات في قطاع الدواء. القرار 499 في الوقت ذاته، سقطت نقابة الصيادلة من أجندة اجتماعات الوزارة مع ممثلي الشركات والغرفة للاتفاق على التسعيرة الجديدة للدواء وسرعة تنفيذ قرار 499 وتطبيق قرارات تحريك أسعار الأصناف الدوائية المتفق عليها وفقًا للتشغيلات الجديدة الصادرة من المصانع قبل حلول فبراير المقبل، بمعدل 15% من عدد المستحضرات الدوائية الموجودة بالسوق المحلي، و50% للأدوية التي يقل سعرها عن 30 جنيها. وفقا لما سبق، انتفض الصيادلة، ودعوا أعضاء النقابة إلى عقد جمعية عمومية غير عادية لبحث آليات التصعيد ضد "الصحة"، انتهت إلى أعلان إغلاق الصيدليات ل6 ساعات ابتداء من يوم 15 يناير القادم، كخطوة للضغط من أجل تنفيذ مطالبهم بتفعيل القرار رقم 499 لسنة 2012 الخاص بتسعير الأدوية وتحديد هامش ربح الصيادلة برفعه إلى 25% بالنسبة للأدوية المحلية، و18% للمستوردة. انتفاضة الصيادلة وطالبت عمومية الصيادلة الطارئة، بإحالة الدكتورة رشا زيادة، رئيس الادارة المركزية لشؤون الصيدلة للتأديب، ومنحت مجلس النواب مُهلة حتى منتصف فبراير القادم لإصدار قانون ينظم ارتجاع الأدوية منتهية الصلاحية للشركات، وقررت تنظيم وقفة احتجاجية حاشدة أمام مجلس النواب حال عدم صدور القانون. وأعلن الدكتور محيي عبيد، نقيب صيادلة مصر أنه لا تفاوض في هامش ربح الصيدلي، مؤكدًا على تنفيذ فكرة "الكيس الأسود" بالخروج يوم 15 فبراير القادم أمام مجلس النواب في حال عدم تقدم لجنة الصحة بالبرلمان بمشروع قانون لسحب الأدوية منتهية الصلاحية من الأسواق دون شرط أو قيد بالإضافة إلى قانون ينظم تلك المرتجعات "الإكسباير" . الدكتور مجدي مرشد، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، من جانبه، وصف قرار تعليق العمل بالصيدليات بأنه "غير مدروس ويخالف كل قواعد العقل والمنطق"، وقال إن القرار رقم 499 لسنة 2012 لا تزال تجري المفاوضات والتشاورات بشأنه،وأضاف: "أقول للصيادلة رحمة بالمريض اللي مش لاقي الدواء وهذا التصعيد ليس في وقته ولا أفهمه في ظل ما يعانيه المواطن من أزمات الغلاء ونقص الأدوية وغيرها" . وأكد مرشد، ل"البديل"، أن لجنة الصحة اجتمعت مرتين بأعضاء النقابة وغرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات والإدارة المركزية لشؤون الصيادلة للوصول إلى حل وسط يُرضي جميع الأطراف بعيدًا عن سياسات التعبئة والتصعيد. في المقابل أعلن الدكتور ياسر خاطر، عضو مجلس نقابة الصيادلة، أن الجمعية طالبت نقيب الصيادلة بالانسحاب من من اللجنة الاستشارية العليا للصيدلة والدواء بوزارة الصحة اعتراضًا على عدم حضور ممثلين من الصيادلة في الاجتماعات الجارية بين وزارة الصحة والشركات وغرفة صناعة الدواء بشأن "تسعيرة الدواء"، قائلًا: "تمكنت الغرفة بسطوتها من إخضاع الوزير لطلباتها وذلك عبر موافقته للشركات على تحديد الأصناف الدوائية وكذلك قيمة الزيادة وهذا لا يحدث في أي دولة محترمة". وأكد خاطر، ل"البديل" أن النقابة سبق أن تقدمت أكثر من مرة بمشاريع لتطوير منظومة الدواء والنهوض بالصناعة لتوفير ما يزيد على 4 مليارات جنيه سنويًا قيمة ما يتم استيراده من الخارج، ولكن الوزارة أغلقت أذنها عن ذلك وتم عزل الصيادلة عن كافة القرارات والاجتماعات، والتي تخصهم وتمس حياتهم ومصدر رزقهم. عشوائية القرار كما طالب الدكتور محيي عبيد، نقيب الصيادلة، وزارة الصحة بوضع سياسة دوائية تسعيرية صحيحة وليس على قرارات عشوائية كتلك التي فاقمت الأزمة وزادت قوائم نواقص الأدوية من 700 صنف إلى ما يقرب من 1400 دواء غير متوفر بالسوق المحلي. وأضاف: نسبة الخصم ثابتة للصيدلي منذ أكثر من 20 عامًا، ويبلغ متوسطها 13% في ظل ارتفاع الأسعار واختفاء الأدوية من السوق المحلي، مبررًا قرار إغلاق الصيدليات منتصف الشهر القادم لإعطاء مُهلة زمنية للحكومة والشركات بالالتزام بتوفير الدواء الناقص، نظرًا لامتناع وتوقف شركات التوزيع عن توريده للصيدليات وتخزينهم له حتى تُطبق الزيادة الجديدة في غضون شهر . كارثة تحرير سعر صرف الدولار في المقابل أوضح الدكتور محيي حافظ، رئيس شعبة الأدوية بغرف صناعات الدواء باتحاد الصناعات، أن قرارات "عمومية الصيادلة" بالتصعيد كانت مفاجئة للجميع ولا يوجد أدنى مبرر لها في ظل تمثيل النقابة وحضورها منذ فترات قريبة كافة الاجتماعات المنعقدة مع وزير الصحة والغرفة والشركات، وقال: "ليا حق أزعل كنقابة لو أنهم لن يأخذوا حظهم من زيادات الدواء، حيث ينطبق عليهم القرار رقم 499 الذي ينص على أنه في حالة تحريك أسعار الدواء يتحرك معها هامش ربح الصيادلة من 20 – 25%". الإشكالية هنا، بحسب حافظ، تكمن في أن الزيادة الجديدة لن تشمل الأدوية المزمنة الأساسية التي لا يستغني عنها المواطن كالمضادات الحيوية وغيرها حتى لا تُثقل كاهل المريض أو شركات الأدوية، وتلك هي نقطة الخلاف الدائمة بين الصيادلة والشركات. الدولة لم تدعم الدواء منذ 30 عام وذكر حافظ ل"البديل" أن الجميع تجاهل كارثة الدولار وتحرير سعر صرفه مقابل العملة المحلية، وهي القضية الرئيسية وأصل الأزمة، وقال: "إحنا مستعدين ما نزودش جنيه واحد على أسعار الدواء ولكن بشرط هات لي الدولار ب 8.88 جنيه كما استلمنا به، بس للأسف التسعير ثابت من 30 سنة والدولة لم تدعم الدواء، وبالتالي ليه الصناعة تتحمل الفاتورة؟"، مشيرا إلى ارتفاع سعر الدولار 4 مرات خلال الشهور الستة الماضية، فضلًا عن الضغط الممارس دومًا ضدهم من خلال إقرار قانون القيمة المضافة وفرض زيادة 13% على المنتج الدوائي وكذلك زيادة أسعار المياه والكهرباء والغاز وغيرها من مستلزمات صناعة الدواء . وأعلن رئيس شعبة الدواء باتحاد الصناعات أن أكثر من 100 مصنع أدوية تحقق خسائر بالمليارات منذ 5 سنوات و20 مصنعا أخرى وصلت لنقطة "اللامكسب واللاخسارة"، موضحًا أن الشركات التي حققت أرباحًا خلال الشهور الماضية لن تستمر أكثر من 6 أشهر.