"عيد بورسعيد مات بموت عبد الناصر".. هذه العبارة يرددها أهالي بورسعيد، خاصة كبار السن، حتى أصبحت عقيدة راسخة في أذهانهم، حيث كان الرئيس الراحل يحضر في ذلك اليوم؛ لمشاركة أهالي بورسعيد فرحتهم بالانتصار على العداون الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على المدينة عام 1956. لم يكن مجرد انتصار عادي على عدوان خارجي، بل كان رمزًا لعزيمة الشعوب في مواجهة أعتى القوات والأسلحة في ذلك الوقت، واكتسبت بورسعيد سمعتها العالمية كمدينة مقاومة، وظل جمال عبد الناصر يتعامل معها كمنارة للوطنية والمقاومة. اليوم، وبعد 60 عامًا، رحل غالبية أبطال المقاومة الشعبية عن دنيانا في صمت، وكانت أقصى طموحاتهم أن يتذكرهم الإعلام، ولكنه أدار ظهره لهم. ورغم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قرر حضور الاحتفال بالذكرى ال 60 لعيد النصر، كما يطلقون عليه، وافتتاح عدد من المشروعات، إلا أن ذلك لم يغير شيئًا من إحساس أهالي بورسعيد بخيبة الأمل. العيد القومي لبورسعيد في يوم 23 ديسمبر عام 1956رحل آخر جندي بريطاني عن المدينة، عقب صمودها في مواجهة العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر؛ ردًّا على تأميم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لقناة السويس، وهو ما أهلها لحمل لقب "المدينة الباسلة"، حيث استطاع شعبها أن يصمد أمام جيوش أكبر دول، واستطاع بصلابته أن يؤكد دور الإنسان المصري العظيم ضد العدوان ورفض الاستسلام والهزيمة. السيسي يحتفل بافتتاح مشروعات بالمدينة قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي افتتاح عدد من المشروعات بمدن القناة احتفالًا بالذكرى ال 60 لانتصارات بورسعيد، على رأسها الكوبري العائم الواصل بين بورسعيد وبورفؤاد، وذلك بحسب تصريحات الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس. ورغم استعدادات المحافظة منذ أيام لتلك الزيارة، إلا أن الفرحة غابت عنها، وتحدث أهلها عن فقدانهم قيمة العيد القومي، بعد أن تناساها المسؤولون ووسائل الإعلام طوال السنوات الماضية. مؤامرة العدوان الثلاثي اتفقت إنجلترا وفرنسا على شن هجوم على مصر يوم 29 أكتوبر عام 1956، فبدأت إسرائيل بالهجوم على سيناء، وتصدت لها القوات المصرية، وبدأت الطائرات الإنجليزية والفرنسية الإغارة على المطارات المصرية، وتعرضت بورسعيد لأعنف الغارات من كل الأسلحة من طائرات وسفن الحربية، وبدأ الأسطول يدخل الميناء؛ ليفرغ الدبابات والمدافع الثقيلة والسيارات، وتمكنت قوات المظلات البحرية من السيطرة على مطار الجميل، ومن ثم بدأت تتقدم على الساحل، حتى التقت مع الدبابات. ولجأت القوات المعتدية إلى خدعة لا إنسانية، حيث رفعت الأعلام المصرية والروسية والجزائرية على الدبابات، فقابلتها جموع الشعب بالفرح والترحاب، وفجأة اكتسحت هذه الدبابات جموع المدنيين، وأطلقت عليهم النيران، وسارت عليهم بالجنازير، فسقط العديد من الشهداء؛ ليرد عليها أبطال المقاومة بعنف، وحاولت القوات البريطانية جمع السلاح من المواطنين، وجمعت أجهزة الراديو من المنازل والمحلات؛ حتى لا يسمع الناس نشرات الأخبار. بطولات منسية استطاعت مجموعة من أبطال المقاومة خطف الضابط الإنجليزي مورهاوس، والذي اتضح أنه قريب ملكة إنجلترا؛ مما كان له كبير الأثر في هز الروح المعنوية للمعتدين. وفي يوم 14 ديسمبر تمكن البطل سيد عسران من قتل وليامز، قائد المخابرات الإنجليزية في مصر. وفي يوم 15 ديسمبر تمكن ضباط الصاعقة من تدمير عدة دبابات بريطانية، وتوالت العمليات الفدائية؛ ليصاب جنود العدو بالذعر، وينسحبوا إلى شريط صغير في منطقة القناة يوازي الميناء، وفصلوا هذه المنطقة بحاجز قوي من الأسلاك الشائكة. وفي يوم 18 ديسمبر دخلت قوات البوليس المصري إلى المدينة، ويوم 20 ديسمبر تسلمت القوات الدولية مبنى هيئة قناة السويس، والذي اتخذته قوات العدو مركزًا للقيادة. ولم تقتصر البطولات والعمليات الفدائية على الرجال، بل شاركت النساء والأطفال فى المقاومة، مثل الفدائية "فاطمة الأخرس" الشهيرة ب "أم علي"، وزينب الكفراوي، والحاجة أمينة.. حيث قمن بنقل الأسلحة والذخائر والرسائل التي يأتي بها الصيادون إلى رجال المقاومة في بورسعيد، وفيها كلمة السر والتكليفات في عربة أطفال، وكان لهن دور كبير في عمليات التموية والتغطية على كل عملية، فضلًا عن قيامهن بنقل المعلومات والتحركات الخاصة بالقوات المحتلة. لم تؤثر عمليات التعذيب الوحشية في روح المقاومة والتي كان أبرزها اقتلاع عين البطل محمد مهران؛ لأنه رفض الإفصاح عن أماكن اختباء المقامة وأعدادهم وتسليحهم وطريقة الحصول عليه. الانسحاب بدأت آثار الفشل تظهر على دول المؤامرة، وعاش الجنود الإنجليز والفرنسيون في رعب، وباءت عمليات البحث عن الفدائيين والأسلحة بالفشل. وفي 4 ديسمبر تم الإعلان عن قبول إنجلترا وفرنسا الانسحاب من بورسعيد دون قيد أو شرط، ومع ذلك واصل المعتدون عدوانهم على أهل المدينة، ورد عليهم أبطال المقاومة الشعبية، وفي يوم 22 ديسمبر تسلمت القوات الدولية مدينة بورفؤاد، وفي يوم 23 ديسمبر انسحب الإنجليز والفرنسيون من بورسعيد مهزومين، وفي اليوم التالي 24 ديسمبر قام أبطال المقاومة بنسف تمثال ديليسبس رمز الاستعمار البغيض.