شهدت الفترة الماضية صراعا بين وزارة الصحة وشركات الأدوية، بشأن زيادة ثانية لأسعار الدواء، خاصة بعد قرار تحرير سعر الجنيه في مقابل العملات الأجنبية. كان الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة، صرح بعدم وجود أي نية لدى الوزارة برفع أسعار الأدوية خلال الفترة المقبلة، على إثر قرار البنك المركزي بتعويم الجنيه، ما أثار حفيظة وغضب بعض شركات الأدوية، التي نظمت اجتماعًا مع غرفة صناعة الأدوية، وخرجت بعدة توصيات، أهمها ضرورة تحريك سعر الدواء مجددا، بحجة أن عددا كبيرا من الشركات المنتجة مهددة بالإغلاق؛ لعدم تمكنهم من استيراد المواد الخام من الخارج, بسبب زيادة سعر الدولار. وطالبت غرفة صناعة الدواء بضرورة تحريك سعر الأدوية حتى لا تتوقف الشركات عن ممارسة نشاطها خلال الشهرين المقبلين، بحجة الخسارة التي تقع عليها جراء زيادة سعر الدولار، حيث صرح الدكتور أحمد العزبي، رئيس غرفة صناعة الدواء، باستحالة استيراد الدواء بالسعر الجديد بعد تعويم الجنيه، مطالبا وزارة الصحة بحل أزمة الدواء. الشركات تسعى لزيادة 30% من الأصناف الدوائية سنويًا ورغم تأكيدات عماد الدين على عدم رفع أسعار الأدوية مرة أخرى بعد الزيادة التي أقرها مجلس الوزراء في مايو الماضي، إلا أن سوق الدواء سوف يشهد ارتفاعا جديدا في أسعار بعض الأصناف الدوائية، خلال الأيام القليلة المقبلة؛ حيث وافقت وزارة الصحة على رفع أسعار الأدوية بحد أدنى 5 منتجات لكل شركة وبحد أقصى 10 % من جميع المنتجات بنسبة 50% من الأسعار، إلا أن النسبة لم تنل رضا شركات الأدوية، التي طالب بعضها بأن يكون التحريك ل20% من المنتجات. واقترح الدكتور جمال الليثي، عضو غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، زيادة 30% من الأصناف الدوائية بنسبة 50% كل عام أو تقسيم الزيادة لتكون 15% كل 6 أشهر حتى لا يشعر المواطن بأي إرهاق جراء الزيادة وضمان توفير الأدوية الناقصة بسبب ارتفاع الدولار، بحسب تعبيره. ولفتت مصادر بوزارة الصحة إلى تخوفات من اتخاذ بعض شركات قرارات ضد مصلحة المريض؛ بوقف استيراد بعض الأدوية الحيوية أو تصفية أعمالها بمصر، مؤكدة أن دراسة زيادة الأسعار مرة أخرى، تعتبر استجابة لضغوط الشركات. صيادلة: شركات الأدوية تستطيع «لي ذراع» وزارة الصحة وأكد عدد من الصيادلة أن الفترة المقبلة سوف تشهد زيادة جنونية في أسعار الدواء بسبب ضغط الشركات الخاصة على وزارة الصحة لرفع سعر الأدوية بسبب ارتفاع سعر الدولار، وهو ما يؤكده هيثم راضي، صيدلي، لافتا إلى ضغوط تمارس على وزارة الصحة من قبل شركات الأدوية. وأضاف راضي ل«البديل»: «للأسف، البعض يرى أن الزيادة في صالح المرضى لأنها سوف تفتح المجال لاستيراد الأصناف الناقصة من الأسواق، على غير الحقيقة؛ فشركات الأدوية نجحت في تحقيق هدفها بتعطيش السوق وإخفاء الأصناف الدوائية الحيوية حتى تضغط على الوزارة، رغم توافرها بمخازن عدد كبير من الصيدليات، لكنها في انتظار زيادة أسعار الدواء حتى تبيعها بعد الزيادة». وقال محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، إن شركات الأدوية الخاصة التي يمتلكها عدد من رجال الأعمال لا تخضع للجهاز المركزي للمحاسبات، إلى جانب ضعف الجهات الرقابية عليها، ما يجعل لها قوة تستطيع لي ذراع الحكومة باستيراد الأدوية من الخارج، مضيفًا أن حل الأزمة يكمن في رجوع استيراد الأدوية إلى الشركة المصرية لتجارة الأدوية، كما كان من قبل حتى تخضع أي عملية استيراد للجهات الرقابية بصورة جادة. وأوضح رامي أحمد، صيدلي: «للأسف، وزارة الصحة استجابت لمطالب شركات الأدوية التي تهدف إلى الربح في المقام الأول, خاصة أن قوة شركات الأدوية تتمثل في كونها مملوكة لعدد من رجال الأعمال يهيمنون على السوق؛ بسبب عدم وجود دور حقيقي للشركات القومية»، مضيفا أن بعض الصيدليات لها سلاسل كبرى وفروع بجميع المحافظات، بالمخالفة للقانون، والحكومة تخشى محاسبتها وتطبيق القانون عليها؛ لأنها مملوكة لأصحاب شركات الأدوية يتولون استيراد الأدوية وتوزيعها على الصيدليات والمستشفيات، سواء الحكومية أو الخاصة. نواب: نسبة ال20% لن تشفي غليل شركات الأدوية وشدد عدد من أعضاء لجنة الصحة بمجلس النواب على ضرورة أن تكون قرارات زيادة الدواء في صالح المواطن أولا، حيث قال هيثم الحريري، عضو اللجنة: «لدينا أزمة كبرى في الأدوية، والحكومة المسؤول الأول عنها؛ لأننا نستورد جميع المواد الخام». وأضاف الحريري ل«البديل»: «حتى إذا لبت وزارة الصحة مطالب شركات الدواء وإقرار زيادة 20% من الأدوية سنويا، فالنسبة لن تشفي أيضًا غليل صناع الأدوية، ولن تكون ملائمة لهم، بعد تحرير سعر الجنيه»، متابعا: «لكي تمنع وزارة الصحة احتكار الشركات، يجب أن تصرف الأدوية باسمها العلمي وليس باسمها التجاري؛ حتى لا يصبح ترويجا لشركة بعينها». كما طالب الحريري بضرورة تغيير طريقة تسجيل الدواء؛ لأن بعض الشركات تحتكر أكثر من 5 أصناف دوائية بنفس المادة الفعالة، ما يعني أن علاج مرض معين، لن يتم إلا عن طريق أدوية هذه الشركة، مضيفا أن زيادة أسعار الدواء أمر لابد منه، لكن يجب دراستها أولًا، ولا تشمل جميع الأصناف الدوائية، خاصة أن هناك بعض الأدوية تحقق ربح بنسبة 1000%، وليست بحاجة إلى زيادة. ويرى الدكتور مجدي مرشد، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، أنه على وزارة الصحة رفع بعض الأصناف الدوائية وتخفيض بعضها حتى يشعر المواطن بتحقيق نوع من العدالة، وإلا سيتحول الأمر إلى زيادة الأسعار فقط، مختتما: «للأسف، هذه الفترة، لا يمكن تكثيف الرقابة على شركات الأدوية حتى لا تتخذ قرارات بسحب نشاطها وتجميد استيراد الأدوية، ومنها تتفاقم الأزمة بصورة أكبر ما عليه الآن».