توجت محاولات الفاطميين لفتح مصر بالنجاح على يد الخلفية الرابع للدولة الفاطمية المعز لدين الله الفاطمي، الذي استطاع أن يكوّن جيشًا كبيرًا أسند قيادته لجوهر الصقلي الذي زحف به إلى مصر في العام 969. أول الخلفاء الفاطميين بمصر امتدت رقعت الدولة الفاطمية في عهد المعز لدين الله الفاطمي من شاطيء المحيط الأطلسي حتى البحر الأحمر، فرفعت أعلامها في عهده رفعت على مراكش والجزائر وتونس وليبيا ومصر وفلسطين وسورية والحجاز واليمن والندبة وصقلية، لتفوق باتساع رقعتها الدولة العباسية، وسبقتها في مضمار الرقي وانتزعت منها زعامة العالم الإسلامي. كتم المعز خبر وفاة أبيه المنصور، حتى تمكن من أخذ البيعة لنفسه، ثم قام ببعض التدابير في دولته، مكنته من فتح مصر بعد ذلك، منها تعيين جوهر الصقلي قائدًا عامًّا للجيوش، وعين جعفر بن فلاح نائبًا لجوهر، وأرسل مزيدًا من الدعاة إلى مصر للتمهيد لجوهر وجنوده، وإعداد المصريين لتقبل الفتح، وقد أصدر قبل ذلك عفوًا عن زعماء الخوارج، اتباع أبي يزيد، وأعاد إليهم الاعتبار، فاستطاع أن يخمد الفتن الداخلية حتى يفرغ لفتح مصر، التي كانت تعاني من أزمات اقتصادية طاحنة، وسط عجز الخلافة العباسية في بسط نفوذها عليها بعد أن أصبحت أسيرة لنفوذ البويهيين، ووفاة كافور الإخشيد، الذي كان يمثل عقبة للفاطميين في الاستيلاء فتح مصر، وعجز من خلف كافور في عن مكافحة الغلاء الذي سببه نقص ماء النيل، فاضطربت الأحوال، وضاق الناس بالحكم، ويقال إن بعض المصريين كتبوا للمعز يزينون له فتح مصر. العمران في عهده أمر الخليفة المعز لدين الله قائده جوهر ببناء عاصمة جديدة للفاطميين بمصر، فوضع جوهر حجر أساسها في شعبان سنة 358ه/969م، وهي مدينة القاهرة في الشمال الشرقي للفسطاط، وجعل لكل قبيلة أو فرقة من فرق الجيش مكانًا خاصًّا بها، ولما أنشأ جوهر الصقلي القاهرة سماها ب«المنصورية» نسبة للخليفة الفاطمي المنصور، والد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وظلت تحمل اسم المنصورية إلى أن جاء المعز فغير اسمها إلى القاهرة المعزية، كما أمر ببناء جامعًا يكون منطلقا لدعوتهم وملتقى لنشر مذهبهم وتعاليمهم، فبنى جوهر الجامع الأزهر. وصوله القاهرة في عام 362ه/972م، عندما تهيأت الظروف لاستقبال المعز في القاهرة، خرج من المنصورية، عاصمته في المغرب، وحمل معه كل ذخائره وأمواله حتى توابيت آبائه، واستخلف على المغرب أسرة بربرية محلية «بني زيري»، وكان هذا يعني أن الفاطميين قد عزموا على الاستقرار في القاهرة، وأن فتحهم لها لم يكن لكسب أراض جديدة لدولتهم، ولكن لتكون مستقرًّا لهم ومركزًا يهددون به الخلافة العباسية. أقام المعز في القصر الذي بناه جوهر، وفي اليوم الثاني خرج لاستقبال مهنئيه، فأصبحت القاهرة منذ ذلك الحين مقرًّا للخلافة الفاطمية، وانقطعت تبعيتها للخلافة العباسية السنية. قضى المعز لدين الله القسم الأكبر من خلافته في المغرب، ولم يبق في مصر إلَّا نحو 3 سنوات، لكنها شهدت العديد من الإنجازات، فقد نجح في نقل مركز دولته إلى القاهرة، وأقام حكومة قوية أحدثت انقلابًا في المظاهر الدينية والثقافية والاجتماعية بمصر، ولا تزال بعض آثاره تطل علينا حتى الآن، وجعل من مصر قلبًا للعالم الإسلامي ومركزًا لنشر دعوته والتطلع إلى التوسع وبسط النفوذ.