كثر الحديث في الجزائر، في الفترة الأخيرة، عن مرحلة ما بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة،79 عامًا، وازدادت الدعوات التي تطالب الجيش بالتدخل للإطاحة به بعد تدهور حالته الصحيه، وهو ما استدعى القوات المسحلة للرد بمقال في مجلة "الجيش" استنكر فيه مطالب التدخل ووصفها بأنها "محاولات يائسة لضرب وحدة الجيش وأن القائمين عليها يصطادون في الماء العكر". جاء استنكار الجيش الجزائري بعد أيام من عودة بوتفليقة، إلى البلاد، بعد رحلة علاجية بفرنسا استمرت لمدة أسبوع، للعلاج من جلطة دماغية أصيب بها في 2013. وذكر المقال الذي حمل عنوان "الجيش الوطني الشعبي.. وفاء للمهام الدستورية" أنه "بالأمس القريب تعالت أصوات تدفعها مصالح ضيقة وحسابات شخصية تطالب الجيش علنا بالإخلال بالدستور والقانون ليتسنى لها تحقيق ما عجزت عن تحقيقه بالطرق الدستورية والقانونية والديمقراطية". وأوضح: "بعد فشل هذه الأطراف في تحقيق محاولاتها اليائسة، فقد اهتدت هذه الأطراف التي تميل دائما إلى الاصطياد في المياه العكرة إلى التعبير عن تخيلاتها وتمنياتها وأوهامها بخلق ونسج قصص خيالية تمس بمصداقية ووحدة الجيش الوطني الشعبي وانضباطه والتزامه بأداء مهامه الدستورية". وعلى الرغم من أن مقال الجيش الجزائري لم يوضح هوية هذه الأطراف وطبيعة مطالبها للجيش؛ فإن المعلوم أن عددا من الأحزاب والشخصيات المعارضة أطلقت عامي 2013 و2014 دعوات للجيش للتدخل من أجل عزل بوتفليقة بعد تعرضه لجلطة دماغية، ألجأته إلى الاستعانة بكرسي متحرك، وبات يمارس مهامه في شكل قرارات ورسائل ولقاءات مع كبار المسؤولين دون الظهور في نشاط ميداني يتطلب جهدًا بدنيًا. صحف محلية جزائرية علقت على ما جاء في مجلة الجيش بقولها إن المؤسسة العسكرية كانت ترد في المقال على قراءات إعلامية وسياسية جزائرية وفرنسية ظهرت بعد استقالة الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم عمار سعداني، المقرب من قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، منذ أسابيع، في خطوة اعتبرها مراقبون "إقالة" من قبل الرئاسة الجزائرية، وضربة وجهها رئيس البلاد للأخير، الأمر الذي فسره البعض بوجود صراع على الحكم بين الرئاسة والجيش. جاء ظهور هذه التحليلات الجزائرية بالتزامن مع تقرير نشرته مجلة موند أفريك الفرنسية، أثار جدلًا واسعًا، تحدث عن المنافسة الشرسة من أجل السيطرة على السلطة في الجزائر؛ بين أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الوطني، وسعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري، وقالت المجلة في تقريرها إنه على مدى ربع قرن، كان سعيد بوتفليقة والجنرال قايد صالح، متحالفين في مواجهة رئيس المخابرات الجزائرية السابق، الجنرال محمد مدين، الذي يعرف أيضا باسم الجنرال "توفيق"، ولكن بعد عزل الأخير بدأ الصراع ينتقل إلى الحليفين. وتحول هذا التقارب والتحالف القديم بين صالح، وسعيد بوتفليقة، إلى معركة شرسة، وفي الوقت الراهن، دخل سعيد بوتفليقة في منافسة مباشرة مع قايد صالح، من أجل فرض خياراته على الدولة، مستفيدا من حالة الضعف والمرض التي أصابت رأس الدولة، خاصة بعد عزل الجنرال توفيق، وتوقعت المجلة الفرنسية أن الجزائر ستشهد حربا كبيرة بين التحالفات الكبرى التي تشكل قوة الدولة الجزائرية، وذلك بسبب مسألة خلافة الرئيس، في حال تدهورت صحته أو توفي، مؤكدة أن كل الثغرات في هذه السلطة الهشة ستظهر في الأيام القادمة. وبدأت الخلافات تظهر على السطح عندما عين تحالف بوتفليقة بشير طرطاق، مديرا جديدا لدائرة الاستعلام والأمن (المخابرات) خلفا للجنرال توفيق، وهو التعيين الذي لم يلق استحسان الجنرال صالح، فوضع العديد من العقبات في طريق طرطاق، مما أدى إلى ظهور الصراع مرة أخرى إلى المشهد الإعلامي، وأوضحت المجلة أنه خلال الصيف الماضي، حاول سعيد بوتفليقة، تدبير محاولة انقلاب ضد الجنرال صالح، لكن رئيس أركان الجيش الوطني الجزائري استطاع إحباطها عن طريق تنصيب بن علي بن علي، قائدا جديدا للحرس الجمهوري ومسؤولا عن أمن الرئيس بوتفليقة. ويبدو ان المنافسة على السلطة الجزائرية بين كل من سعيد بوتفليقة، والجنرال صالح، جعلت المواجهة بين سلاح المال ورجال الأعمال الذين يقودهم سعيد بوتفليفة، والسيف والسلاح الذي يسيطر عليه صالح، وبعد التوصل السابق إلى تسوية بين مراكز القوى في الجزائر بعد الثورة الصامتة التي شهدتها الساحة السياسية في صيف سنة 2015، والتي تم في أعقابها تفكيك دائرة الاستعلام والأمن الداخلي، يبدو أن الجزائر أمام مواجهة راهنة، على الرغم من رفض الجيش عزل بوتفليقة.