على الرغم من تأكيد قوات "البنيان المرصوص" التابعة لحكومة الوفاق الليبي بأنها مستمرة في معاركها مع تنظيم داعش الإرهابي في سرت، وأنها على مقربة من تحقيق الانتصار في تلك المدينة، فإن كافة المؤشرات والدلائل تؤكد صعوبة حسم المعركة بسبب العديد من التحديات التي أطالت أمد الحرب، حتى ليعتقد كثيرون أنها صارت حرب شوارع لا أحد بمقدوره السيطرة عليها. يبقى تنظيم داعش في ليبيا متمسكًا بمناطقه في سرت، وإن وقع تحت حصار القوات الحكومية، لكنه يحول دون تحرير المدينة بشكل كلي، حيث لا تزال جيوب متطرفة تابعة للتنظيم الإرهابي تعيق استعادة المدينة التي كانت معقله في ليبيا بصورة كلية. حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، والتي تشكلت برعاية أممية، أطلقت عملية "البنيان المرصوص" لاستعادة المدينة في 12 مايو الماضي، ورغم تمكن القوات التابعة للحكومة من طرد مسلحي "داعش" من أغلب أحياء المدينة، إلا أن المعركة في سرت لا تزال متواصلة. ويقول مراقبون إن التحديات بدت ظاهرة في استعادة المدينة من التنظيم المتطرف، فبعد انطلاق حملة استعادة سرت قبل 6 أشهر كانت القوات على ثقة بأنها قادرة على حسم المعركة في إطار زمني ضيق، ثم ما لبثت أن غرقت القوات الحكومية في حرب استنزاف مؤلمة في مواجهة متطرفين يستميتون لإطالة أمدها، وتحاصر القوات الحكومية منذ حوالى أسبوعين عناصر تنظيم داعش في منطقة سكنية صغيرة، وعلى الرغم من ذلك، فإنها تتقدم ببطء شديد بسبب المقاومة الشرسة من قبل المتطرفين والخشية من خسارة مقاتلين ووجود مدنيين عالقين في هذه المنطقة. ويتبع عناصر "داعش" في سرت، مسقط رأس معمر القذافي، مبدأ القتال حتى الموت، إذ يعمدون إلى تفجير أنفسهم قبل القبض عليهم ونادرا ما يقعون أحياء في قبضة القوات الحكومية، ويرى "داعش" أن خسارته في سرت ستشكل ضربة موجعة له في وقت يواجه فيه حملتين عسكريتين كبيرتين في كل من العراق وسوريا، فاعتمد التنظيم الإرهابي على مدينة سرت التي وفرت، في ظل الفوضى الأمنية التي تشهدها ليبيا منذ إسقاط نظام القذافي في 2011؛ ملاذا آمنا للتنظيم بعيدا عن أعين العالم، ليجعل منها محطة استقطاب رئيسية لمئات المقاتلين بهدف تدريبهم على شن هجمات في دول أخرى. وفي الشوارع الرئيسة؛ انتشرت أعلام التنظيم الإرهابي، وجابت سياراته الشوارع، ومنع عناصره خروج النساء من منازلهن إلا برفقة رجل. يقول رضا عيسى، المتحدث باسم قوات البنيان المرصوص: "المعركة ليست سهلة أبدا، فنحن نقاتل فكرا متطرفا متسلحا ينشد الموت. أدركنا منذ البداية صعوبة وشراسة المعركة، وأن هذا العدو لا يمكن القضاء عليه إلا بقتل كامل أفراده. وهذا ما سنفعله". في الوقت نفسه كانت لإذاعة فرنسا الدولية رؤية أخرى فيما يخص صعوبة حسم المعركة، إذ أكدت أن هناك أسبابا أخرى أبعدت الحسم في هذه المعركة، الأمر الذي لا يمكن الكتائب التابعة لحكومة الوفاق من تحرير مدينة سرت بشكل كلي رغم أن المدينة الليبية صغيرة مقارنة بمعقلي "داعش" في العراق وسوريا، الموصل والرقة، وقالت إن الأسباب تتعلق بأن معركة تحرير سرت "معركة إعلامية" بالأساس، تهدف من خلالها الكتائب الإسلامية المشاركة في عملية "البنيان المرصوص" إلى تقديم نفسها بوجه آخر. وأشارت الإذاعة الفرنسية إلى أن من بين المشاركين في العملية "متطرفون مسحلون" في الأساس تلقوا تدريبات في تورا بورا بأفغانستان، وبأنهم جزء من تنظيم القاعدة، وتابعت قائلة إن الميليشيات المشاركة في قوات البنيان المرصوص هي نفسها من نشرت الفوضى في طرابلس ودفعت الحكومة والبرلمان للانتقال إلى شرق ليبيا. وزادت إذاعة فرنسا الدولية على ذلك بالقول إن هذه الميلشيات ترفض الاندماج في جيش ليبي موحد، كما أنها تطالب باستفادة مدينة مصراتة، التي تنحدر منها هذه الكتائب، من تعويضات جراء ما قالت إنها تضحيات قدمتها، وخلصت الإذاعة الفرنسية إلى أن استمرار معركة سرت قد يفسر بكونه راجعا إلى حسابات سياسية وليس إلى اعتبارات عسكرية. قوات البنيان المرصوص كان لها رأي آخر، إذ أكد المتحدث باسمها رضا عيسى، تأخير حسم المعركة إلى أسبابٍ عدة، أهمها أنها "عبارة عن حرب شوارع شرسة جدا يستميت "داعش" لإطالتها في أمتارها الأخيرة"، وأقر المتحدث بأن "الحرب طالت"، واستدرك: "لكنها في النهاية معركة وليست مباراة كرة قدم حتى نضع لها إطارا زمنيا محدَّدا". الأهم، بحسب قوله، هو "الحفاظ على حياة مقاتلينا وعلى المدنيين الذين يتخذهم داعش دروعا بشرية، ولو تطلب ذلك التقدم ببطء"، حيث حصدت الحملة، أكثر من 650 مقاتلا حكوميا وأصيب أكثر من 3 آلاف بجروح، فيما بلغ عدد قتلى "داعش" بين 1800 و2000 قتيل، بحسب عيسى.