تشكل لبنان ساحة مواجهة سياسية بين الرياض وطهران، وبطبيعة الحال لا يمكن لهذا البلد الصغير إخفاء المناوشات السياسية التي تجري على أرضه، وكما هو معروف، تنقسم الفرق السياسية إلى فريقين سياسيين هما تحالف "8 آذار" والذي يعرف بقربه من دمشق وطهران، وأبرز المنضوين تحته حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل، و"14 آذار" والذي يتصف بقربه من الرياض، وأبرز المنضوين تحته تيار المستقبل والقوات اللبنانية والكتائب اللبنانية. عكست التهنئة السريعة لاختيار ميشال عون، رئيسًا للبنان في 31 أكتوبر الماضي، من قبل الجانبين السوري والإيراني، وتأخر السعودية، شكلًا من أشكال عدم الرضا الكامل من المملكة على اختيار عون لهذا المنصب، فتحالف 14 آذار الموالي للسعودية كان يرفض ترشيح عون للمنصب الرئاسي، وهو الأمر الذي جعل لبنان في حالة من الفراغ السياسي لمدة تزيد عن السنتين والنصف. زيارة أخيرة قام بها مسؤولون سوريون وإيرانيون لتهنئة عون لا يمكن عزلها عن سياق الأحداث اللبنانية، فبالأمس استقبل عون، موفد الرئيس السوري بشار الأسد، وزير شؤون رئاسة الجمهورية منصور عزام، الذي نقل إليه رسالة شفهية من نظيره السوري، وكان اللقاء بحضور السفير السوري في بيروت، علي عبد الكريم، كما استقبل عون وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف. عزام كان أول ضيف من خارج لبنان استقبله الرئيس عون، في قصر بعبدا منذ أدائه اليمين الدستورية في البرلمان، وكانت النقطة المهمة، والتي أعادت ترسيم الحدود السياسية بين بيروتودمشق، هي ما جاء على لسان عزام بعد لقائه لعون، حيث قال إن "الرئيس عون أكد لنا عمق العلاقات السورية اللبنانية ومتانتها بين الشعبين الشقيقين، وعمق العلاقات الأخوية التي تربطه بالسيد الرئيس بشار الأسد"، الأمر الذي ينبئ بوجود تبدل في السياسة اللبنانية تجاه دمشق، وهذا ما لم يكن موجودا في عهد الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان، والذي اتبع سياسة غامضة تجاه سوريا تحت عنوان "النأي بالنفس". فغض الطرف الذي مارسه سليمان عن الأنباء التي تفيد بتورط جهات لبنانية بدعم الفصائل السورية بالمال والسلاح، كعقاب صقر بتكليف من سعد الحريري، قبل أن يكون رئيسًا للوزراء حاليًا، قابلته انتقادات ضمنية من سليمان لتدخل حزب الله في القتال الدائر في سوريا، كما أن مؤشر الزيارات الرسمية بين بيروتودمشق على مدار السنتين الأخيرتين في عهد سليمان، تدهور بشكل ملحوظ، حيث كانت آخر زيارة رسمية إلى لبنان لمسؤول سوري كانت للرئيس بشار الأسد، عندما حضر مع الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز في 30 سبتمبر 2010. بعد 7 ساعات من زيارة الوفد الحكومي السوري، قام وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بزيارة عون في قصره الرئاسي، وشدد ظريف، عقب لقائه بعون، على أن هناك عدوين أساسيين يتربصان بإيران ولبنان هما الكيان الصهيوني والتكفيريون. تأكيد الجانب الإيراني على هذه النقطة، يرسم بعدًا سياسيًا خفت الحديث عنه أيام ميشال سليمان، فآخر خطاب رئاسي لبناني صريح ضد إسرائيل، كان في زمن الرئيس الأسبق، إميل لحود، وفي المقابل، لا تتبنى أحزاب تحالف 14 آذار، ولا الدول الداعمة لها كالسعودية خطابا مقاوما حقيقيا، فأحمد فتفت، وزير الداخلية السابق بالوكالة والمحسوب على تيار المستقبل، قدم الشاي للجنود الإسرائيليين في ثكنة "مرجعون" أثناء حرب تموز 2006، وعلاقات سمير جعجع، رئيس القوات اللبنانية، التاريخية بإسرائيل، غير خافية، أما السعودية فتقارب ساستها وعسكرييها الأخير مع الكيان الصهيوني تضج بها الصحف وآلاف المواقع الإلكترونية. عون، كان داعمًا لحزب الله في حرب تموز، وعندما كان هناك وجود سوري في لبنان كان عون يتبنى سياسة معادية لسوريا، وبمجرد انسحاب الجيش السوري من لبنان، أعاد عون المياه إلى مجاريها، الأمر الذي يشير إلى أنه يرتب أفكاره ومبادئه وفق أجندة سياسية خاصة به، لكنه في نفس الوقت يضع الخطر الإسرائيلي على رأس أولوياته، وهو ما انعكس على تصريحات الصحف الإسرائيلية التي أبدت قلقها من وصوله لسدة الحكم في لبنان. ويرى مراقبون أن الزيارة السورية والإيرانية، تمهدان لتغيرات على مستوى الساحة السياسية اللبنانية والسورية، الأمر الذي سيسمح لحزب الله بالقيام بتحركات أكثر مرونة في الملف السوري، فرئيس الجمهورية اللبناني، ورئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، ليس لديهما مانع من حيث المبدأ في أن يتدخل حزب الله لمقاتلة تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين على الأراضي السورية، خشية أن تنتقل الحرب إلى لبنان، الأمر الذي سيؤمن غطاء سياسيا وقانونيا لحزب الله في سوريا بعد أن كان لبنان يتبنى في السابق سياسة النأي بالنفس.