مع استمرار حملات مرشحي الانتخابات البرلمانية الكويتية المقرر إجراؤها في 26 نوفمبر، أنهت المعارضة بمختلف أطيافها الإسلامية والليبرالية والقومية مقاطعتها للانتخابات بعدما أضر هذا الخيار بها كثيرا وجعلها تتذيل المشهد السياسي في البلاد؛ على أمل العودة إلى مقدمة المشهد مرة أخرى. وتقاطع المعارضة الكويتية الانتخابات التشريعية منذ ما يقارب أربع سنوات؛ على خلفية رفضها لقانون الصوت الواحد الذي أصدره أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر بموجب مرسوم في عام 2012 وصادقت عليه المحكمة الدستورية لاحقا. قانون الصوت الواحد كان ينص على بقاء الدوائر الانتخابية كما هي، لكنه عدل آلية التصويت ليصبح لكل ناخب صوت واحد، على خلاف ما كان في السابق؛ حيث يمكن أن تنتخب أربعة أصوات في عملية واحدة، فآلية الصوت الواحد نزعت من المعارضة الكويتية أهم ورقة، وهي ورقة التحالفات والأصوات المتبادلة التي كانت دائمًا ما تؤمن لها غالبية مريحة في الانتخابات. ورغم التزام الكويت بنفس القانون الذي ترفضة المعارضة، إلا أنها أنهت مقاطعتها للانتخابات وأعلنت أنها تأمل في تحقيق الأغلبية خلال انتخابات مجلس أمة 2016، لكن محللون يشككون في إمكانية تحقيق المعارضة هدفها في ظل الانقسامات الكبيرة التي تعصف بمكوناتها، وازدادت عمقا خلال الفترة الأخيرة، مع تصاعد حملة التخوين المتبادلة، خاصة بعدما تباينت آراء المعارضة تجاه الإجراءات الأميرية التقشفية التي تدعو البلاد إلى مزيد من تقليل النفقات بعد تهاوي أسعار النفط، فبينما أيد بعض المعارضين هذه الإجراءات، عارضها آخرون، الأمر الذي دفع إلى وجود خصومة بين البرلمان والحكومة، دعا على إثرها أمير الكويت إلى حل البرلمان في 16 أكتوبر الماضي. ما شكل المعارضة الكويتية؟ دائمًا ما يكثر في الشارع السياسي الكويتي تعبيرات (النائب الحكومي ) أو (الصحيفة الحكومية)، وهو ما يعكس حالة من عدم الرضا لمن يتبعون النهج الحكومي أيا كان نوعه، يقابلها تفضيل واسع للأصوات المعارضة. وفي برلمانيات العالم إذا كانت الاستجوابات أداة دستورية للنائب من أجل مساءلة الحكومة وهي مسألة عادية وطبيعية، فإن للاستجواب في مجلس الأمة الكويتي نكهة خاصة، حيث يحظى باهتمام إعلامي كبير، ما يعطي تيار المعارضة في الكويت طابعًا مختلفًا عن التيارات الأخري بصرف النظرعن توجهه سواء كان إسلاميا أو ليبراليا. وتاريخ المعارضة في الكويت نشأ مع استقلالها ولازم وجودها كدولة مستقلة منذ 1962، فقد شهد المجلس التأسيسي ولادتها وإن ظلت متفرقة أو يمكن تصنيفها بالمعارضة العشوائية السياسية، ومن أهم نجاحات المعارضة التصويت على منع الاختلاط بالجامعات الخاصة بموافقة 29 ومعارضة حكومية بلغت 25، والتصويت على مشروع قانون دعم العمالة وعلاوة لخمسة أولاد، حيث وافق عليه المجلس بأغلبية 33 صوتا ومعارضة 23، كما التصويت على تجنيس ألفي شخص سنويا بموافقة 31 صوتا واعتراض ثمانية، والتصويت على السقف المفتوح لعلاوة الأولاد. وضع المعارضة في الوقت الراهن بعد إجراءات التقشف الأميرية الأخيرة، بدا وجود معارضة لها في البرلمان وخارجه؛ حيث انتقد العديد من الكويتيين رفع أسعار المنتجات النفطية (من 40 إلى 80 %)، وطالب بعض النواب الحكومة بالتعويض للمواطنين الكويتيين. وتضمّ الكويت 1.3 مليون، إضافة إلى ثلاثة ملايين مقيم أجنبي، وسجلت الكويت عجزا في ميزانيتها بقيمة 4.6 مليارات دينار كويتي (13.7 مليار يورو) في السنة المالية الأخيرة التي انتهت في ال31 من مارس، بعد 16 عاما من الفائض في الميزانية بفضل ارتفاع أسعار النفط. وترى الحكومة أنه لا مناص من تمرير خططها التقشفية، خاصة أن خبراء اقتصاديين يجمعون على أن عودة استقرار السوق النفطية ما يزال أمرا بعيد المنال، وفي ضوء ذلك تأمل الحكومة أن يكون البرلمان المقبل سندا لها في هذا التوجه الاضطراري، وإن كان المراقبون لا يشاطرونها هذه التطلعات والآمال، حيث يتوقع أن ترفض المعارضة الكويتية إجراءات التقشف الحكومية. ويخوض أكثر من 30 مرشحا معارضا الانتخابات التشريعية التي لم يعد يفصل عنها سوى أسابيع قليلة لتجديد البرلمان المكون من 50 نائبا، وعاد نواب سابقون وقيادات لمجموعات سياسية وأعيان آخرون إلى التجمعات الانتخابية، وقال المرشح الإسلامي والنائب السابق محمد الدلال لفرانس برس، إن مشاركة المعارضة بعد المقاطعة التي نجمت عن تحوير القانون الانتخابي ضد مصلحة المعارضين، أصبحت ضرورية من أجل الإصلاحات في الكويت ومواجهة الفساد وتعزيز الديمقراطية. وأضاف الدلال: بعد مرور أربع سنوات (على المقاطعة) انحدرت الأوضاع السياسية وازدادت وتيرة الفساد وفشلت الحكومة والبرلمان في معالجة القضايا الاقتصادية والأمنية المهمة، موضحًا أن المعارضة اكتشفت أن المقاطعة لم تكن الخيار الصحيح ووجدت أن غيابها تسبب في عزلتها عن الشعب، ويعتقد أن المقاطعة أضعفت المعارضة بشكل كبير.