حياة حافلة تلك التي قضاها المناضل الثوري الجزائري، «عباس لغرور» (1926/1957).. ولد في 23 يوليو 1926، في خنشلة ولاية الأوراس النمامشة.. والده فلاح يملك أراضي تمتد لبضع كيلومترات بالمدينة.. التحق بمدرسة فرنسية.. حصل منها على الشهادة الابتدائية.. ساعدته فترة التعليم في المدينة على الاهتمام بأحوال الجزائر، وما كانت تتعرض له، حينها.. كان حجاج الأماكن المقدسة يمرون على منزل والده بالبادية، للراحة، وكان يسمع منه، فزاد وعيه وتوسع إدراكه، وبدت عليه صفات النضال. شارك «عباس لغرور»، في أنشطة سياسية للحركة الوطنية التى راحت تطالب بحقوق للجزائريين، مساوية لما يتمتع به الاحتلال الفرنسي.. تجاهلت فرنسا تلك المطالب، فطورت الحركة الوطنية مطالبها إلى الدعوة للاستقلال عام 1936.. نشأت أحزاب، وجمعيات تحاول الحفاظ على الشخصية الجزائرية، لاسيما الهوية الوطنية، فكان عباس مرتبطًا بشباب، وشابات ينتمون إلى هذه الجمعيات، وبالتالي كان تكوينه السياسي، آنذاك، في هذا الوسط. انضم «عباس لغرور»، إلى منظمة سرية- عسكرية.. حضر مؤتمرات عدة للأحزاب الرسمية، حينها، كضيف، وليس عضوًا.. في الوقت نفسه كانت هناك مجموعة في أوراس النمامشة يرأسها، مصطفى بن بولعيد، تجند الشعب، وتحشد الثوار لمحاربة المحتل الفرنسي.. بعد تأسيس اللجنة الثورية للاتحاد، والعمل أدى «عباس لغرور»، دورًا هامًّا في منطقة خنشلة.. جند العديد من المناضلين في البادية، وفي المدينة كوّن مجموعة (تنتمى إلى كل مناطق الجزائر، وشباب ليبي) من الحاصلين على الابتدائية، حيث لا توجد مدارس أو كليات.. هذه المجموعة كانت النواة لثورة التحرير، لاحقًا. نجح «عباس لغرور»، في سرية تامة، أن يحول تلك المجموعة التى تسلحت بالعلم والسلاح إلى الشعلة التى أطلقت الثورة التحريرية من منطقة الأوراس، وهو الحدث الذي تصدر الصحف الفرنسية نفسها، بالرغم من أنه نجح في التمويه على نشاطه ضد الاحتلال الفرنسي، لكن أمام مشاركة «عباس لغرور»، في التحضير لفعاليات، واحتجاجات ضد الاحتلال تم إلقاء القبض عليه من قبل قوات الاحتلال، وتعرض لتعذيب وحشي طوال أيام، خرج منها بمرض صدري، تم علاجه لاحقًا، قبل مواصلة نشاطه النضالي- الوطني، لاسيما التحضير للثورة في منطقة الأوراس. كشفت الثورة المسلحة التى انخرط فيها المناضل الجزائري، «عباس لغرور»، عن حنكته، وشجاعته وقدرة على القيادة والمناورة، وإلحاق الهزائم المتتالية بقوات الاحتلال.. تبدى ذلك في معارك: الجرف، الزاوية، تفسور ششار، البياضة، كنتيس مراح البارود، قبل مغادرة الجزائر إلى تونس في أكتوبر عام 1956، في مهمة وطنية، لكن القدر قال كلمته عندما اغتيل «عباس لغرور»، عام 1957 بتونس، في ظروف لا تزال غامضة، دفعتنا في «الأسبوع»، لمحاورة شقيقه د.«صالح لغرور»، بالتزامن مع الذكرى ال59 لعيد الاستقلال الجزائري، الذي فضل في البداية الترحيب بنا، وقال إنه يجرى أول حديث مع صحيفة عربية «الأسبوع»، وأنه كان درس في مصر المرحلتين الإعدادية والثانوية. يتذكر د.«صالح لغرور» (أستاذ الرياضيات، الباحث المتخصص في تاريخ الثورة الجزائرية)، كيف كان وقع التحاق شقيقه «عباس لغرور»، بصفوف ثورة التحرير الجزائرية على الاحتلال الفرنسي.. وعلى العائلة قائلاً: كان رد فعل الاحتلال الفرنسي قاسيًا جدًّا.. تم نفي والدنا وتهجيره من أرضه برفقة رجال العائلة، وعائلات شباب المجاهدين.. حينها، تركت المدرسة، بعد أن تم اعتقال رجال العائلة، وتم ترك النساء والأطفال الذين كنت واحدًا منهم.. تعرض رجال العائلة للسجن والتعذيب، الذي نتج عنه وفاة والدنا، بعد تعرضه للرفس من عساكر الاحتلال، مما تسبب في كسر أضلعه، وإصابته بنزيف انتهى بوفاته. يضيف د.«صالح لغرور»، في شموخ: أمضى باقي رجال العائلة فترات طويلة في المعتقلات طوال سنوات الاحتلال.. تم الإفراج عن معظمهم بعد الاستقلال.. كان هذا معظم حال عائلات الشعب الجزائري، خاصة مَن يسكنون الجبال.. تعرضت للاعتقال، والتعذيب في أجواء مأساوية في البرد الشديد شتاءً، والحرارة المرتفعة، صيفًا.. المؤرخون الفرنسيون أنفسهم، قالوا إن حوالي 3.3 ملايين جزائري دخلوا المعتقلات الفرنسية. راح د.«صالح لغرور»، يتذكر المهام التي ل«عباس لغرور»، وتدرجه الثوري، فقال: كانت لديه مهام كثيرة خاصة أن المجموعة من المجاهدين الأوائل كانت تمتاز بالانضباط والكفاءة، وعليه فقد تولت تأهيل المجموعات اللاحقة، خاصة مع الطبيعة الجغرافية للجزائر (أكبر بلد إفريقي من حيث المساحة)، وبالتالي كانت هناك صعوبة في وسائل الاتصال إلى جانب ظهور قادة جدد بحاجة إلى تنظيم عسكري خاصة وأن هذا ليس سهلاً في حروب العصابات. أسهم «عباس لغرور»، (بحسب شقيقه)، في تنظيم هذه الجهود، والعمل على جمع الشمل، داخل الولاية.. إحدى مهامه التي ربما أدت إلى استشهاده بعد سفره إلى تونس لحضور اجتماع بين قادة الثورة، وقادة أوراس النمامشة للإصلاح بين مجموعات الثورية، لكنه تعرض لمؤامرة تسببت في استشهاده.. نعم، تعرض «عباس لغرور»، لخيانة أو صراع على السلطة، لأنه عندما عقد مؤتمر، الصومام، وقعت خلافات بين قادة الثورة.. شقيقي كان ينتمي أكثر إلى المشرق العربي بحكم علاقة أوراس النمامشة بالمشرق العربي. يكمل د.«صالح لغرور»: بدأ الصراع بين أحمد بن بلة وأحد قادة الثورة.. هذه الصراعات بين الطرفين أدت إلى تحييد المنطقة الأولى لأنها كانت تابعة ل"بن بلة" وأحمد محساس.. تم اعتقال «عباس لغرور»، في تونس بعد معركة على الحدود التونسية- الجزائرية.. هو من بادر، حينها، بتسليم نفسه لأنه كان منضبط، ويؤمن بالقوانين.. اتهم باغتيال الشيحاني بشير.. استجوبه مجاهد ووزير سابق، على قيد الحياة، الآن. يقول د.«صالح لغرور»: بمن استجوبه، لاحقًا.. أكد لي إعجابه بشخصية وصراحة، «عباس لغرور»، بعد أن سجل كل إجاباته، آنذاك، وأن محاكمته بسبب اغتياله الشيحاني بشير كانت ذريعة فقط لتصفية عباس لغرور، باعتباره أحد رموز الثورة، وتأثيره في المجاهدين، فضلاً عن كونه يشكل خطرًا على قوات الاحتلال، ومن ثم كان لا بد من القضاء عليه.. تم سجنه من طرف الثورة العليا، لكن حتى الآن لا نملك وثيقة رسمية تؤكد محاكمته. يؤكد د.«صالح لغرور»، أن الأسباب الحقيقية لتغييب «عباس لغرور»، تتمثل في رفضه (مع مجموعة من المجاهدين بعض قرارات مؤتمر، الصومام، التي غيرت أحد بنود بيان أول نوفمبر، وهو البند الأساسي الذي يؤكد أن الجزائر بعد الاستقلال ستكون دولة ديمقراطية شعبية في إطار القيم الوطنية، وبعد استشهاد لغرور أعيد تصحيح هذا البند في القاهرة (27 أغسطس 1957)، وبالتأكيد تدخل الجيش الفرنسي في تونس، وخلق فوضى بين الثوار، والمجاهدين وكانت سببًا رئيسيًّا في استشهاد "عباس لغرور". يتوقف د.«صالح لغرور»، عند قرار وضع الأرشيف الفرنسي، وانعكاسه على معرفة تاريخ الثورة الجزائرية، ودور هذه الخطوة في الوقوف على ظروف استشهاد مشاهير من قادة الأوراس، لاسيما مصطفى بن بولعيد، و«عباس لغرور».. يقول: تحصلنا على معلومات هامة، لكن يجب التعامل معها بحذر لأنها مفخخة.. بعضها غير دقيق، لأنها أحيانًا كانت تأتي من عملاء فرنسا، فالبعض صحيح، والآخر ليس كذلك. وحول الكتب التى ألفها، وتتناول سيرة الراحل «عباس لغرور»، والثورة الجزائرية، خاصة في أوراس النمامشة، يقول «صالح لغرور»: ألفت كتاب مسيرة الشهيد عباس لغرور باللغة الفرنسية، وتمت ترجمته إلى العربية، وكتاب آخر به معلومات حول المنطقة الأولى، أوراس النمامشة، وعقب نشرهما تلقيت تعليقات إيجابية سواء عن المحتوى أو المصداقية، وإن شاء الله ستكون متوفرة قريبًا في القاهرة. حرص د.« صالح لغرور» خلال الاحتفاء بالذكرى ال59 لعيد الاستقلال الجزائري، على توجيه رسالة، قال فيها: أولاً، أحذر من تشويش صفحات التواصل الاجتماعي للهوية الجزائرية.. يجب أن ننتبه.. الجزائر ما زالت في مرحلة بناء دولة لم تستقر، لا بد من الحفاظ على عمر دولتنا (59 عامًا).. هي مولود جديد بحاجة إلى عناية.. ثانيًا، بخصوص الجائزة الدولية باسم «عباس لغرور»، هي مفاجأة سارة.. عمل رائع.. أشكر الشاعر القدير كريم دزيري (مؤسس دار أوراس للنشر والتوزيع بالقاهرة)، الذي يلعب دورًا مستقبليًّا في توطيد العلاقات بين الشعبين الجزائري والمصري، وأعتقد أن هذه الجائزة، أحد أوجه مد الجسور.