قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن الحوار بين أتباع الأديان والثقافات أصبح أمرًا ملحًّا وضروريًّا لأمتنا الإسلامية، التي أريد لها من قيادات ومفكري ومنظري الجماعات الإرهابية ولفترة كبيرة أن تحيا حالة الانغلاق والعداء والصدام مع كل ثقافة أو دين أو فكر أو رأي مخالف، كما أريد للأمم والشعوب أيضًا من بعض مفكري الغرب أن تحيا في أوهام الصراع والنزاع وصدام الحضارات. جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها أثناء فعاليات المؤتمر الدولي العام الحادي والثلاثين للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية، الذي انطلقت فعالياته اليوم ويستمر علي مدار يومين تحت عنوان: "حوار الأديان والثقافات". وأضاف مفتي الجمهورية أن شعوب العالم عانت كثيرًا بسبب النزاعات والحروب السياسية، كما أثبتت لنا أزمة انتشار وباء كوفيد 19 المعروف بالكورونا كم نحن بحاجة ماسة إلي التعاون من أجل نشر ثقافة الحوار والتعايش والتعاون والحب والسلام التي هي من أهم سبل البر والتقوي التي دعانا الله تعالي إليها في كتابه الكريم بقوله: {وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان}. وأشار المفتي إلي أن الخطاب القرآني الخالد يدعو البشرية كلها إلي الترابط والتعاون والتعايش والحوار، مع التنبيه علي أننا جميعًا علي تعدد ألسنتنا وألواننا وأعراقنا وأفكارنا وعقائدنا ننحدر من أصل واحد، هو آدم عليه السلام، قال الله تعالي: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}، فالله تعالي خلقنا مختلفين وجعل غاية هذا الاختلاف هو التعارف وليس التنازع ولا الاحتراب. وأوضح مفتي الجمهورية أن التعارف هو تفاعل بين طرفين أو أطراف متعددين، وهو يعني أن يطلع كل منا بعمق شديد علي ما عند الآخر حتي يثمر ذلك تصورًا صحيحًا موافقًا للواقع، لأن أغلب النزاعات والحروب تنشأ عادة من تصورات خاطئة عن عقائد وأفكار الآخرين، أو من تفسير الدين وفهمه من خلال تصرفات بعض الأفراد الذين حادوا عن طريق الحق، ومن ثم يجب علينا أن نتعامل مع هذه القضية بدقة وعمق وحذر، حتي لا نحمل الأديان والثقافات وزر هذه التصرفات البغيضة التي لا يمليها عقل ولا دين بأي حال من الأحوال. وتابع المفتي قائلًا: "إنه من المقرر الثابت أن الدعوة إلي التعارف والحوار مبدأ دعا إليه القرآن الكريم، وأيضًا طبقه رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما هاجر إلي المدينةالمنورة، وكانت المدينة مجتمعًا يعج بالثقافات والأديان والعقائد والقبائل المختلفة، والمبدأ الإسلامي القرآني هو أن الاعتقاد قائم علي الاختيار وعلي الحرية المطلقة في هذا الاختيار فلا إكراه في الدين، ومن ثم فقد وضع رسول الله صلي الله عليه وسلم بالاتفاق مع جميع الأطياف الموجودة في المدينة وثيقة المدينة التاريخية التي رسخت دستوريًّا مبادئ التعاون والتعايش السلمي والاعتراف بالآخر واعتبار المدينة وطنًا واحدًا يسع جميع هذه الأطياف وتتساوي فيه الحقوق والواجبات، وتحترم فيه الخصوصية الدينية والانتماء العرقي، كما روي عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمشْطِ وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُونَ بِالْعَافِيَةِ، وَالْمَرْءُ كَثِيرٌ بِأَخِيهِ، وَلَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَي لَكَ مِنَ الْحَقِّ مِثْلَ مَا تَرَي لَهُ» رواه أبو الشيخ الأصبهاني والخطابي في العزلة." وأضاف أنه إذا نظرنا إلي تاريخ البشرية بإمعان وإلي حركة التطور والعمران الإنساني، ونظرنا كذلك إلي التطور العلمي والتنامي الحضاري، نجد أن ذلك كله كان نتاجًا جيدًا للتعارف الفكري والتبادل المعرفي بين أبناء الشعوب والثقافات المختلفة، وهو ما دعا إليه القرآن الكريم، فالمعرفة بطبيعتها تحتاج إلي عقول متواصلة ومتعاونة حتي تثمر تلك الثمرة التي تعود بالنفع العام علي البشرية. ولقد رأينا في واقعنا المعاصر كيف استطاعت دول العالم عن طريق التعاون والتبادل المعرفي والعلمي أن تقلل بشكل كبير من الآثار الناجمة عن اجتياح فيروس كورونا، وهذه النتيجة التي عادت بالنفع والخير علي البشرية كلها هي نتيجة حتمية بإذن الله تعالي لكل جهد مبذول في سبيل التعاون ونشر البر والخير، ولا يكون ذلك إلا بالحوار بين أبناء الأديان والثقافات والحضارات المختلفة. ولفت مفتي الجمهورية إلي أن دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم كان لهما اهتمام كبير بهذا الملف، وبذلتا فيه العديد من الجهود من الإصدارات والبحوث العلمية، وعقدتا العديد من المؤتمرات العالمية المعروفة، والدورات التدريبية، مضيفًا: "قمنا بالعديد من الرحلات المتواصلة التي لا تنقطع إلي دول العالم، ونحن علي تواصل مستمر مع جميع الهيئات الدينية والثقافية والبرلمانية والدبلوماسية علي مستوي العالم، من أجل ترسيخ مبادئ الحوار المشترك بين جميع الأديان والثقافات والحضارات". وعلي المستوي المحلي قال فضيلة المفتي: إن التعاون بين دار الإفتاء ووزارة الأوقاف لا ينقطع أبدًا، والتواصل المستمر وتبادل الخبرات والأفكار وتوحيد الجهود من أجل القضاء علي العنف ونشر ثقافة المحبة قائم لا ينقطع أبدًا بين دار الإفتاء ووزارة الأوقاف من أجل مصلحة الوطن ونشر ثقافة السلام في العالم كله. وأشار مفتي الجمهورية إلي أن قضية الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، أمر في غاية الأهمية، فالعالم الآن في أمسِّ الحاجة إلي نشر ثقافة الحوار والتعايش، ونبذ كل ما يدعو إلي الصدام أو العنف، من أجل دفع حركة البشرية إلي طريق الخير والحق، ومن أجل دعم كل الجهود الرامية إلي نشر ثقافة السلام والمحبة بين كافة شعوب العالم. نسأل الله تعالي أن يوفقنا إلي تحقيق هذه الغاية السامية التي اجتمعنا لأجلها.