نعي الدكتور مصطفي كمال، رئيس جامعة بدر، وكلية السينما والفنون التعبيرية بالجامعة الفنان الكبير "يوسف شعبان"، الذي رحل عن عالمنا، "الأحد" الماضي، متأثراً بإصابته بفيروس كورونا المستجد عن عمر (90) عامًا بعد رحلة كبيرة من العطاء الفني في فنون السينما والمسرح، وتاريخ حافل من المشاركات الفنية التي ترك خلالها بصمة مميزة في الأدوار التي شارك فيها. أشار الدكتور أيمن الشيوي، عميد كلية السينما والفنون التعبيرية في جامعة بدر في القاهرة، إلي أنه برحيل الفنان القدير يوسف شعبان، فقدت مصر والوطن العربي واحداً من كبار الفنانين الذين عاشوا الفن كتجربة صدق ومسئولية، سواء علي مستوي الرأي أو علي مستوي الاختيارات الفنية والجمالية التي اتسم أغلبها بالجرأة من ناحية والتأثير الاجتماعي والوطني من ناحية أخري. أضاف عميد كلية السينما والفنون التعبيرية، أن الفنان "يوسف شعبان"، فنان من أولئك الذين آمنوا بدور الفن وأثروا التجربة الإنسانية والاجتماعية بمسيرة حافلة بالأعمال الفنية، قدم خلالها العديد من الأعمال المسرحية لمسرح القطاع العام مع كبار المؤلفين والمخرجين منها "دماء علي ستار الكعبة" تأليف فاروق الجويدة وإخراج هاني مطاوع، "رجل في القلعة" تأليف أبو العلا السلاموني، وإخراج سعد أردش، وكانت آخرها مسرحية "باب الفتوح" من تأليف محمود دياب، وإخراج فهمي الخولي.. مضيفاً أنه قدم أعمالاً مسرحية للقطاع الخاص ومنها "مطار الحب".. وفي السينما قدم ما يقرب من (110) أفلام سينمائية أهمها "زقاق المدق، ميرامار، بياعة الجرايد، كشف المستور، في بيتنا رجل، وحمام الملاطيلي". في ذات السياق، قالت الدكتورة ليليت فهمي، مدرس الدراما بكلية السينما والفنون التعبيرية في جامعة بدر، إن الفنان الكبير مثل ما يقرب من (130) عملا درامياً تلفزيونياً أهمها: "رأفت الهجان، المال والبنون، الشهد والدموع، الوتد، عيلة الدوغري، الضوء الشارد، وليالي الحلمية"، بالإضافة للعمل النقابي حيث تولي منصب رئيس النقابة لدورتين متتاليتين حتي عام (2003)، واستطاع خلال تلك الفترة تسديد جميع الديون المتراكمة علي النقابة وأنشأ نادياً للنقابة في القاهرة. أكدت مدرس الدراما بكلية السينما والفنون التعبيرية، أن الفنان يوسف شعبان، رحل عن عمر يناهز التسعين عاما ليكون رحيله بمثابة نزف آخر لجيل من الفنانين الوطنيين الذين عاصروا مصر في مراحل مختلفة وأثناء تحولات اجتماعية وفنية عديدة، تضمنت انتصارات وانتكاسات متلاحقة استطاع خلالها الفن أن ينجو بنفسه وبالمجتمع.. مشيراً إلي أن يوسف شعبان لعب دورا مهماً من خلال أعماله الفنية التي توجهت للنقد الاجتماعي.. موضحاً أنه لعب دورا وطنيا في أعماله، كان ضرورياً لتقديم شخصيات لامعة، وعلي رأسها المسلسل التلفزيوني "رأفت الهجان" الذي كان ولا يزال يحقق مشاهدة كبيرة لدي قطاع كبير من الجمهور المصري والعربي. أوضحت الدكتورة ليليت فهمي، أن يوسف شعبان ولد عام (1931) في ظل مصر الملكية، وبذلك شهد التحول من الملكية الي الجمهورية مع ثورة (52)، بما في ذلك ميلاد المشروع القومي الاشتراكي مع الرئيس جمال عبد الناصر، وصولاً الي عهد الرئيس محمد أنور السادات والانفتاح الاقتصادي وانتصار "أكتوبر" المجيد، ثم امتداد مفاوضات السلام مع الرئيس محمد حسني مبارك وصولا ل"ثورة يناير"، ومن بعدها حكم الإخوان المسلمين وثورة "30 يونيو" إلي الآن، بما في هذه الفترات من حروب وانتكاسات وانتصارات ومفاوضات سياسية واقتصادية وتغيرات تكنولوجية أثرت علي الواقع المصري وانعكست علي الفن. لفتت مدرس الدراما بكلية السينما والفنون التعبيرية، إلي أن هذه التحولات جرت في صلب الواقع المصري بشكل عام وفي صلب واقعه الشخصي بشكل خاص فقد ربطته بالعائلة الملكية علاقة نسب، بزواجه من ابنة الأميرة "فوزية" شقيقة الملك "فاروق"، هذا الموقف جعل اختياره لأدواره متجادلاً بشكل دائم مع الواقع، وربما هذا ما يفسر طبيعة الأدوار التي أسندت له والتي جعلته مختلفاً عن نجوم جيله مثل: "عمر الشريف، كمال الشناوي، رشدي أباظة، صلاح ذو الفقار، حسن يوسف، وشكري سرحان"، فرغم مؤهلاته الشكلية التي سمحت له بأن يلعب أدوار"الچان" فتي الأحلام، إلا أنه لعب الدور المضاد، الشرير والوصولي والانتهازي، فعلي سبيل المثال في فيلم "ميرامار" لعب دور الشاب الاشتراكي الوصولي والانتهازي، وغيرها من الأعمال الفنية التي تطلبت جُرأة وذكاء في تقديمها. نوهت الدكتورة ليليت فهمي، إلي أننا سنجد أيضاً أن الأدوار التي قد تبدو نمطية وتقليدية والتي استطاع التعامل معها والتصرف بها بصورة غير تقليدية، كما سنجد في مسلسل "رأفت الهجان"، حيث لعب دور ضابط المخابرات الوطني، مضيفاً أن هذا الدور حقق تأثيراً واسعاً لما قدمه الفنان القدير "يوسف شعبان" لهذه الشخصية من أبعاد أدائية أكسبتها طبيعة بشرية وحررتها من النمطية التي قد تجعلها فوق بشرية وهو ما جعل من هذه الشخصية فرصة لأن تتشابه مع قطاع من المصريين الوطنيين أو حتي أن تكون طموحا يري فيه المصريون أبناءهم في المستقبل. ومن جهتها، قالت مدرس الدراما بكلية السينما والفنون التعبيرية، إن مسلسل "الوتد" والذي لعب فيه الأبن الريفي الأكبر وهنا أيضاً استطاع أن يخرج بالشخصية من المثالية المفرطة فوق الواقعية إلي شخصية بشرية تنبض بالحياة لها عيوبها وضعفها كما لها حسناتها وقوتها.. لافتة إلي أنه استطاع علي الدوام لعب الأدوار النمطية وتحريرها من الأداء النمطي ولعب الأدوار الاستثنائية والجريئة ومنحها بُعدا إنسانيا جعلها رغم صعوبة تقبلها أحياناً علي الجمهور المصري - الذي يربط بين الممثل والشخصية التي يلعبها - قريبة مع ذلك منه، ولعله بذلك عاش مراهناً بكامل وجوده ومغرداً خارج السرب. الجدير بالذكر أن من الكلمات التي تركها لنا الفنان الراحل يوسف شعبان هي: " في كل عمل ببقي زي ما يكون أول عمل بعمله في حياتي.. أنا بعمل الاتنين أدوار الخير والشر والاتنين تصدقوا لأن المسألة صدق مع النفس، صدق الفنان مع نفسه".. . هذا الصدق وهذه البكارة في التعامل مع الفن هما ما مكناه من تقديم هذه التركيبة من الأدوار المتميزة والفريدة المتحررة من النمطية، وذات أبعاد إنسانية مركبة وقريبة من الجمهور وقابلة للتصديق، لتصير فيما بعد علامات مهمة في تاريخ الدراما المصرية.