في ترجمة حديثة لإحدي الوثائق البريطانية حول ترسيم الحدود بين إثيوبيا وكل من السودان وكينيا والصومال بداية القرن الماضي، قال السفير البريطاني المشرف علي إدارة التفاوض مع الحكومة الإثيوبية في ذالك الوقت: إنني لم أر في تاريخي السياسي والدبلوماسي أسوأ من النظام الإثيوبي كذبًا وخداعًا، فهم يجيدون المراوغة والكذب كما لم يجدهما أحد من قبل وكلما اقتربنا من الوصول إلي اتفاق معهم استبدلوا فريق التفاوض بآخر يطلب منا أن نبدأ من أول السطر وكأن شيئا لم يحدث من قبل وهكذا نفاوض ويتراجعون ولا نصل لشيء أبدا معهم. إثيوبيا إذا طبقا للتاريخ والوثائق هي دولة الخداع الأولي في إفريقيا، وإذا كانت قد أتعبت المستعمر البريطاني في عز عنفوانه فإننا لا نستغرب اليوم ما تقوم به من أعمال شيطانية مع مصر والسودان. وفي فصل جديد من تلك الألعاب الخبيثة استدعت أديس أباباتركيا إلي المنطقة بحجة الوساطة مع السودان في الأزمة الحدودية التي افتعلتها وعلي الرغم من أن تركيا ليست قريبة جغرافيا ولا تاريخيا ولا ثقافيا من بلاد الحبشة إلا أنها تعمدت إحضارها إلي المنطقة وذلك بقصد الآتي: أولا: جلب تركيا كي تكون في مواجهة مصر بالدرجة الأولي وليس بهدف الوساطة مع السودان. ثانيا: إفشال الوساطة بألعاب أخري وتحميل السودان ومصر مسئولية الفشل وخلق درجات أعلي في العداء مع تركيا. ثالثا: شغل مصر بتركيا والانفراد بالسودان ظنا منها أنها لقمة سهلة تستطيع دهسها منفردة دون دعم مصري رابعا: يذهب بعض المراقبين إلي أبعد من ذلك وهو خلق تقارب إثيوبي تركي لبدء تعاون عسكري يتضمن الحصول علي طائرات بدون طيار وهو النوع المتقدم الذي تنتجه تركيا. إذا تتحرك إثيوبيا في مخطط شديد الخطورة بقصد تحويل المنطقة إلي كرة لهب متفجرة بفعل صراع إقليمي ودولي يمكن أن ينشئ حربا طويلة الأمد في منطقه القرن الإفريقي والبحر الأحمر. وبالتوازي مع هذا المخطط الخطير حركت إثيوبيا الاتحاد الإفريقي لكي يعلن في نفس التوقيت أن مصر أودعت لديه خريطة جديدة لها تتضمن وجود مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد ضمن حدودها الجنوبية وهذا يعني بدوره ضرب إسفين في العلاقة بين الشعبين الشقيقين المصري والسوداني تستهدف بلاد الحبشة إثارة الشعب السوداني ضد مصر دفاعا عن حلايب وشلاتين وهو ما يشتت الجيش والشعب السوداني بين حدوده مع مصر وأراضيه التي تحتلها إثيوبيا وعندها يصبح السودان عاريا تماما أمام التنمر الإثيوبي علي أراضيه وثرواته ويبدو أن التحركات الإثيوبية الأخيرة جاءت بعد رفض مواقفها العدائية ضد شعبها في إقليم تيجراي من ناحية وضد الشعبين المصري والسوداني بالتعنت والمراوغة في ملف سد النهضة من ناحية ثانية. وكان جليا هذا الموقف الأمريكي المعلن من الإدارة الجديدة بضرورة سرعة تحركها لإنهاء الأزمة مع مصر والسودان. وفي هذا الإطار أيضا جاءت تحركات الدكتور أحمد القطان وزير الدولة السعودي للشئون الخارجية والذي دعا لاجتماع يضم الدول المطلة علي البحر الأحمر لبحث الأخطار التي تهددها وقد جاء ذلك في زيارته في نهاية الأسبوع الماضي للخرطوم وهو تحرك دبلوماسي يتبع القواعد الدبلوماسية والدولية في حل النزاعات داخل دول الإقليم دون استحضار دول أخري لا تنتمي إلي المنطقة. ويبقي أن الصراع مع الدولة الإثيوبية يحتاج إلي يقظة كاملة خاصة أنها تحاول اللعب أيضا علي استعداء بقية دول الاتحاد الإفريقي ضد مصر والسودان بزعم أنهما لا يوافقان علي الوساطة الإفريقية خاصة مع علمنا بتأثير إثيوبيا القديم والجديد علي تلك الدول.