لقد كان الاسلام منذ فجر النبوة واشراقها عقيدة وعبادة وخلقا ,نسيجا واحدا يتفاضل الناس فيما بينهم بالتقوى والاحسان وحسن الخلق ويتنافسون فى العمل الصالح والزهد والتواضع لله عز وجل. لكننا الآن أصبحنا شيعا وفرقا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون ينظرون لأنفسهم بعين الرضا ولغيرهم بعين القدح والذم ويرون كل من لا يتابعهم أنهم هلكى من أصحاب النار.أصبح لدينا الآن مسلم صوفى ومسلم سلفى ومسلم جهادى ومسلم تكفيرى ومسلم شيعى ومسلم ليبرالى ومسلم شيوعى ومسلم علمانى ومسلم اشتراكى ومسلم مدنى ,كل منهم لم يكفه كونه مسلما ليسابق للخيرات بل رأى كل فريق أن منهجه هو الذى سيوصله للصواب والصالحات .ولو سألت أيا منهم لماذا اخترت هذا الفريق أو ذاك سترى العجب العجاب. اذا سألت صوفيا لماذا هو صوفى برغم بعض المآخذ والبدع التى يتخذها أصحاب الصوفية سيؤكد لك أن الصوفية الحقة هى تزكية النفس وتطهيرها من أهواء الدنيا وقطع العلائق عن النفس حتى لا تتعلق سوى بالله فتزهد فى الدنيا وترضى عن ربها وتجد فى العبادة بلا انقطاع وسيؤكد لك أن الصوفية بريئة من أفعال غلاة الصوفية ومبتدعيها وأن الصوفية فكرة وليست جماعة أو فرقا يتخذها الناس . فان كان الأمر كذلك فهذا فى الاسلام كعقيدة وعبادة موجود يسمى التقوى والزهد ولا حاجة بنا لأسماء نبتدعها لم يسمنا بها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا حاجة أن نفتح بابا لغلاة أو مبتدعين يخرجون بأصل الفكرة عن الأفعال والأقوال وفى الاسلام كفاية لكل من أراد البر والزهد والورع وكل من طلب طهارة وتزكية نفسه من ذنوب الدنيا وفتنها.سيحدثنا الصوفى عن حب آل البيت وأن محبتهم أمر ربانى وهو أمرلاجدال فيه بين المسلمين لكننا مأمورون بحبهم بقلوبنا والاحسان لهم فى حياتهم أما بعد مماتهم فليس فى شد الرحال لزيارة قبورهم والولائم والموالد أى من شعائر الدين (لا تشد الرحال الا لثلاث المسجد الحرام ومسجدى هذا والمسجد الأقصى )صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما بالنا بمن يقيمون حول قبورهم موالد ويتخذون قبورهم عيدا ويعزفون الألحان وينشدون الأغانى ويأكلون ويشربون ويذبحون وينذرون لمن يظنون فيهم البركة ويسمونهم أولياء الله الصالحين وهم لا يقفون عند حد آل البيت بل يتعدونهم لآحاد من الرجال ظنوا بهم الخير فأقاموا عند قبورهم الولائم والأعياد. ولو عاد المسلمون لأصل العبادة ما كان لأصحاب الغلو والبدع مجال لافساد عبادة وعقيدة الناس. فالزهد وتزكية النفوس هو جوهر عقيدتنا ولا حاجة للتزيد فى العبادة والخروج عن أصلها. واذا سألت الشيعى لماذا أنت شيعى فسيتشدق بحب آل البيت وحب سيدنا على والله ورسوله وعقيدة الاسلام أحق بالحب والاتباع وسيدنا على رضى الله عنه كان رجلا من الرجال يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكلنا نحبه لكننا لا نتخذه نبيا ولا نضفى عليه العصمة ولا نتخه وليا من دون الله ومن يدعى حب آل البيت فما باله يسب أمهات المؤنين ويشتم صحابة رسوله الكريم المبشرون بالجنة وما باله يخاف الامام ويخالف عبادة المسلمين ويبتدع انحرافا فى القرآن ويكذب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته ويبتدع أحاديثا مكذوبة وينسبها لرسول الله وما باله يكذب آيات فى القرآن ويكفر المسلمين على غير التشيع ويهدر دمهم ويعمى عليهم بالتقية والكذب حتى يتسلل الى صلب عقيدتهم ويحولهم للتشيع. واذا سألت السلفى لماذا اخترت السلفية برغم الاختلافات والتباينات بين السلفيين الذين ينقسمون مدارسا وجماعات وتيارات عدة بينها اختلافات شاسعة فسيقول أن السلفية فكروليست تيار أو جماعة وأن السلفية هى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وترك البدع . فان كان الأمر كذلك فهذا فى الاسلام هو الاتباع وطاعة الله ورسوله فما حاجتنا اذا للسلفية ما دام الحكم بيننا هو كتاب الله وسنة نبيه وما دمنا متبعين ولسنا مبيتدعين. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين من بعدى).(ماآتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم هنه فانتهوا).سيحدثنا السلفى عن ضرورة تغيير المنكر وأن منهجه يعيد الناس لأصول العبادة والدين الصحيح .فما بال فريق من السلفية اذا يكفر الناس وفريق آخر يهدر دماءهم ويساوى بينهم وبين الكفار والمشركين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (هلا شققت عن قلبه )لحبه وابن حبه أسامة ابن زيد بن حارثة .والله تعالى يقول فى الحديث القدسى لمن غره عمله واستصغر عمل صاحبه وكثرة ذنوبه ومعاصيه برغم حسن ظنه بالله (من ذا الذى يتألى على ألا اغفر لعبدى أشهدكم أنى قد غفرت لعبدى وأحبطت عملك ). وما بال فريق يهدر دماء الآمنين والأبرياء لأنهم على غير الدين وما بال فريق يغلظ القول ويشتم ويسب من يخالفونه فى الرأى أو حتى من يعصون الله ورسول الله يقول (ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذىء)وهو منهج مع البر والفاجر والمسلم والكافرفليس من ديننا الفحش ولا التفحش و سبحانه وتعالى يقول (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك). فحينها يخبرك أن السلفية الحقة برئية من كل ذلك والحق ان الاسلام هو البرىء من كل بدعة وفتنة تضيق على الناس أمر دينهم وسعة رحمة ربهم. اذا سألنا الليبرالى لماذا اخترت الليبرالية سيقول أنه اختارها بحثا عن الحرية وحقوق الانسان والاشتراكيين سيقولون بحث عن حقوق الفقراء والمهمشين برغم أن الحرية الفردية وحقوق الفقير مصانة فى الشريعة الاسلامية .اذا سألت مسلم لماذا تدعى أنك ليبرالى سيقول أنه يؤمن بالحرية ويحترم خصوصية الفرد وعقيدته وأفكاره أيا كانت كما يؤمن بالديمقراطية والتعددية الفكرية لأفراد المجتمع لذلك هو ليبرالى فخور باتباعه لليبرالية فاذا قلت له فما مشكلتك اذن وما حاجتك لليبرالية وأنت مسلم . لقد كفل دين الاسلام حرية العقيدة والفكر بل ما هو أكثر من ذلك (لا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولى دين). فترك لكل انسان كامل الحرية فى اختيار دينه وعقيدته وممارستها ولم يمنع أو يضيق على أصحاب الديانات الأخرى من ممارسة شعائرهم وعقائدهم داخل دور عبادتهم وبيوتهم ومنع حتى وقت الحرب التعرض لمن يؤدى شعائره ألا يقتلوا طفلا ولا امرأة ولا شيخا ولا يقطعوا شجرا ولا يهدموا صوامع كما كفل الاسلام الأختيار الفردي وحافظ على الشورى بما نسميه الآن الديمقراطية ورأى الأغلبية لكنه فقط رفض ممارسة الرذيلة ووضع حدودا واطارا قانونيا للتعامل مع من يشيعون الفواحش بين الناس ولا أظن ولا أظن أحدا يرفض ذلك أو يستهجنه فالجميع يضعون قوانين تحفظ قيم وسلامة المجتمعات فلا حاجة لك اذن لأتباع مدارس فكرية التناقض فى أفكارها سمة فيها تهدر الكثير من حقوق وكرامة وقيم الأفراد والمجتمعات الضعيفة مقابل من يملك المال والنفوذ والهيمنة السياسية والاقتصادية. واذا سألت مسلم اشتراكى لماذا اخترت الاشتراكية سيخبرك بأنه يؤمن بالمساواة والعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع ويريد حماية حقوق الضعفاء والفقراء والكادحين من تسلط أصحاب المال والسلطة فاجدنى أقول له ان كنت تريد العدالة والمساواة فما حاجتك للاشتراكية اذن وديننا الاسلامى يكفل حقوق الفقراء المحتاجين بل يجعل له حق ثابت وواجب فى أموال الأغنياء بالزكاة ويكفل رعاية المحتاجين والأيتام والمتعلمين والمغتربين والمدنيين والمرضى ويجعل فرضا على الدولة الانفاق عليهم من أموال الشعب بل حتى حقوق ذوى الاحتياجات الخاصة وأصحاب الاعاقات لم ينساها وجعلها فى رقبة الحاكم أن يوفيها من أموال بيت المسلمين الذى نسميه حديثا بأسماء أخرى لكن وظيفته ودوره لا يمكن الاقلال منه أو تقليصه . وفى المقابل فان من يتخوفون من ظلم الاشتراكية وشيوعية الملكية يجدون أمانا فى النظام الاسلامى للدولة الذى يحترم حق الأفراد فى البيع والشراء وممارسة الحرف والمهن وامتلاك العقارات وتجميع الثروات من الكسب الحلال الذى لا شبهة فيه ولا تعدى على حقوق الناس بالممارسات الاحتكارية والرشوة والمحسوبية والربا بحيث يضمن حقوق الفرد والمجتمع ويحميهم من الرأسمالية الجشعة التى تدوس الفقراء والضعفاء ونتعامل فقط مع المصالح دون رحمة أو انسانية كما يحميهم من الشيوعية والاشتراكية التى تحرم الأفراد حقهم فى الملكية الشخصية وكسب المال وتكوين الثروة حتى لا يبقى الجميع فقراء معدمون . لقد لازمت الرأسمالية المجتمعات الليبرالية ولازمت الاشتراكية الدول الشيوعية وعانى هؤلاء جميعا فى حين أن النظام الاسلامى هو النظام الوحيد المتوازن الذى يحفظ حقوق الفرد والمجتمع ولا يسمح لأيها أن تجور على الأخرى وبذلك نجد فيه ميزات كل نظرية منهما دون عيوبها وأخطارها فما حاجتنا لاستيراد نظريات بشرية قابلة للخطأ والصواب ويعتريها الغموض والنقصان. اما اذا سألت مسلم علمانى كيف تختار العلمانية وهى ضد كل الأديان سيقول لك أن هذا كلام فارغ لأن العلمانية فقط تفصل بين الدين والدولة وبين الدين والسياسة القذرة وترفض التمييز الدينى الذى يؤجج الصراعات داخل المجتمعات. واذا سألته ولماذا الفصل بين الدين والسياسة أو الدولة فسيقول لك لأن السياسة لعبة قذرة بينما الدين طاهر مقدس ومنزه عن دناءة الدنيا .وهذه مفارقة عجيبة فالدين جاء لاصلاح الدنيا والدين الغير قادر على اصلاح المجتمع هو كذلك غير قادر على اصلاح الفرد وفى الحقيقة فان الاسلام منهج متكامل يصلح الفرد والمجتمع بشرط تطبيقه الفعلى وليس بالشعارات والخداع .واذا كانت السياسة لعبة قذرة لأنها بلا أخلاق فالدين يهذبها ويجعل لها اطارا من القيم وسياجا من الأخلاقيات ففى السياسة كل شىء متاح لتحقيق المصالح ولو بالكذب والخيانة والخداع . أما الاطار الأخلاقى لنظام الدولة فيمنع الكذب والجشع والخيانة فتتحقق المصالح ولو تخيلنا أن كل فرد برر لنفسه الكذب والخيانة لتحقيق المنفعة والمصلحة لأصبحنا نعيش فى غابة .بينما كان النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين قادة عظماء وناجحين دولتهم قوية مزدهرة بالعدل والحق والصدق والأمانة فلا تعارض بين المصالح والمقاصد وبين الشريعة والدين ما دامت الوسائل شريفة . فنبل المقصد لن يتعارض مع نبل الوسيلة مادام هناك اطار أخلاقى وقيمى يحكم التوجهات والمنافع. فلماذا لا يتخلى كل فريق عن مسميات طائفية ويعود لأصل الشجرة لنتمسك جميعا بشرع الله سلوكا وخلقا وعقيدة تماما كالعبادات والفرائض:(كنتم خير أمة أخرجت للناس ) .