آثاره: الشيخ أحمد بن الشرقاوي تتنوع آثاره ما بين نثرية وشعرية، فمن آثاره النثرية رسالة بعنوان (نصيحة الذاكرين وإرغام المكابرين)ألفها عام 1291 هج / 1874 م ،ورسالة أخرى بعنوان(شمس التحقيق وعروة أهل التوفيق) وضعها فى السنة التالية للرسالة الأولى،وقد طبعتا معا فى حياته عام 1307 هج. وقد حظيت الرسالتان بتقدير بعض كبار علماء الأزهر من معاصريه، فكان ممن قرظ (نصيحة الذاكرين) شيخ الإسلام الشيخ محمد الأنبابى الذى كان أحد شيوخ الأزهر الشريف، والشيخ محمد عليش مفتى المالكية فى عصره والفقيه المتبحر المعروف، والشيخ إبراهيم السقا الذى كان من أئمة العلماء فى عصره، والشيخ إسماعيل الحامدى صاحب الحاشية المشهورة على شرح الكفراوى للآجُرّومِيّة، وممن قرظ (شمس التحقيق) الشيخ على الببلاوى أحد شيوخ الأزهر، والشيخ هارون عبد الرازق أحد كبار علماء الأزهر آنذاك وجد المحقق الكبير الأستاذ عبدالسلام هارون. وموضوع الرسالتين في إيجاز هو الإبانة عن منهجه الصوفي بوجه عام، وتصوير لما كان بينه وبين بعض المنتسبين للتصوف من معاصريه-الذين جمدوا على ما ألفوه من ضلالات وخرافات ورفضوا دعوته الإصلاحية من نزاع وحجاج، واستطراد إلى الحديث عن سيره فى الطريق على يد شيخه الخضيرى رضى الله عنه،وتأكيد على ما ينبغى أن يتحلى به الأشياخ المربون، والأساتذة المرشدون. الشيخ الشرقاوي وهارون أبوسحلى والشيخ المراغي وقد سبق أن نقلنا بعضا مما جاء فى هاتين الرسالتين. أما آثاره الشعرية: فمنها (الوسيلة الحَسنا فى نظم أسماء الله الحُسنى) استهلها بقوله: يا رب بالحسنى من الأسماء*أشرق شموس القرب فى سمائى وافتح صميم القلب يا(ألله)*وامزجه بالتوحيد يا مولاه (رحمن) بختر مهجتى فى الحان*وحفها بالمشهد الربانى (رحيم) عجل جنة الشهود*واحفف إلهى بالوفا عهودى ويقول فيها: يا(خالقا) فاخلق لنا الأشواقا * واجمع بنا الأحباب والعشاقا **** (غفار) فاغفر كل ذنب مانع*عين الحشا عن كل ضوء لامع (قهار) قهرا للخصيم الجافى*وخذه جبرا للشراب الصافى *** (رزاق) فارزقنا بطون الحال*حتى عن الأقطاب والأبطال *** (عليم) علمنا علوم السير*واجعل دعانا رافعا للضير *** يا (رافع) ارفع جِيد أهل السنه*واردد عداة الحق بالأسنه ** (لطيف) فالطف بالعُبيد الفانى*خبير خبرنا بسر الحان (حليم) خلّقنا بحلم واهدنا*للمشهد الأعلى وأوضح سبْلنا (حفيظ) فاحفظنا من الأكدار*ونزهنْ سرى عن الأغيار ** (جليل)أعل فيكمو هيامى*واجب عيون الغير عن مقامى **** (متين)متن منكمو إمدادى*ومحّضنْ لوجهكم إرشادى *** (حميد)طيب فى الهوى أحوالى*وأنقذنْ روحى من الأوحال *** أنت(المعيد)عمّرنْ أوقاتى*بذكرك الخالى عن الآفات *** أمت جنود النفس يا(مميت)*وأحينى بالذكر ما بقيت ** يا(مقتدرْ) أبلج بنا الطريقه * وقونا بالشرع والحقيقه أنت(المقدمْ)قدمنْ أحبابى * واحفظهمو من سائر الأوصاب *** يا(أولٌ) جد بالشهود الأول*واختم لروحى بالمقام الأكمل *** (تواب) فارزقنى حشا توابا * واجعل فؤادى صافيا أوابا يا(منتقمْ) خذ مجمع الأعداء * واحفظ حمانا من عضال الداء (عفو) فاعف عن فؤاد الجانى*وصَفِّه من سائر الأدران (رءوف)فارأف بى وزد خضوعى * و(مالكَ الملك) أضىء شموعى يا(مغنى) العشاق بالتلاقى * أعظمْ هيامى فيك واشتياقى ثم ختمها بهذه الأبيات:- بجملة الأسما أجب سؤالى * وانف السِّوى يا ربنا عن بالى وأفننا عن جملة الأكوان * وأبقنا فى المشهد الإحسانى ومتع الأرواح بالشهود * وخذ عِنان السر للمعبود وسِرْ بنا فى المنهج الصدّيقى * وزجنا فى أبحر التحقيق *** وفرغ الألباب للمحبوب * وروق المشروب للقلوب وانظر لهذا الجمع يا مولانا * واجعل له نهج الرضا دَيْدانا وصل يا ذا الجود والإرفاق * على النبى بهجة العشاق وآله وصحبه الأعيان * ما مزق الشوق حجاب الران -------------------- ومن آثاره الشعرية (منحة الفتاح ورُقية الأرواح) وهى قصيدته الرجَزية المشهورة بالنفسية، يخاطب فيها النفس خطاب لوم وتأنيب، وإرشاد وتهذيب، وقد أنشأها في أخريات حياته. يقول فى مطلعها: يا نفس كُفّى عن سوى مولاك*وابغى حماه فالسوى أرداك ومما قاله فيها: يا نفس ضاع العمر فى مرضاتك * يا نفس بعدى صار من لذاتك ** يا نفس تبغين سنا التدانى * وتشغلين القلب بالأكوان!!! يا نفس أصلحت المُحيّا الفانى * وتتركين القلب فى الهوان *** يا نفس بعت القرب من إلهك*بثمن بخس حقير هالك يا نفس كيف السير فى المسالكْ * ومشهد الاغيار ليل حالكْ يا نفس طال البعد والتنائى * ونجم قربى غاب من سمائى يا نفس سقت القلب للمهالك * حتى تنائى عن شهود المالك يا نفس شغْلى بالسوى دهانى * وميل قلبى للورى أعيانى يا نفس فارقت حمى الغفار * وقد شكوتِ فرقة الأغيار يا نفس رمت الخلْق باشتياق * وتغفلين عن شهود الباقى *** يا نفس رِقّى وادخلى فى الحان * لتظفرى بالقرب والتهانى (5 ) ومن آثاره الشعرية (المورد الرحمانى) وهو منظومة فى حوالى مئتى بيت من الرجز فى علم التوحيد،وفى التصوف والسلوك، شرحه من تلاميذه العلامة الكبير المحقق المدقق الشاعر الناثر العارف بالله تعالى الشيخ أحمد الطاهر الحامدى رضى الله عنه باسم (الكشف الربانى) طبع فى حياته سنة 1307 هج،والإمام الحجة العلم الشهير الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوى والد مولانا الأستاذ الكبير الشيخ حسنين مخلوف رضى الله عنهما بعنوان (روح المعانى والفتح الصمدانى) ولا يزال مخطوطا. ونختم آثاره الشعرية بالتشطير الذى وضعه لبردة البوصيرى فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، فرغ منه سنة 1313 هج/ 1896 م. قبل وفاته بثلاث سنوات، وطبع فى السنة التالية مع تعليقات موجزة له، ثم أعاد طبعه فى أوائل الستينيات من القرن الماضى فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ حسنين مخلوف صاحب الأيادى البيضاء التى لن ننساها على تراث الشيخين أحمد بن شرقاوى (أبى المعارف)وأبى الوفاء،جزاه الله عن هذا الفضل خير الجزاء. احتفى بهذا التشطير كثير من أئمة الدين والعلم واللغة والبيان،كما يتضح ذلك من تقاريظهم له، وفى مقدمتهم الأئمة الأعلام المشايخ: حسونة النواوى، وسليم البشرى، وعلى البِبْلاوى، وأبوالفضل الجيزاوى، وجميعهم تولوا مشيخة الأزهر، والعلم الشهير فى ميدان الفتوى والفقه المفتى الأسبق الشيخ محمد بخيت المُطيعى، والعلامة اللغوى الكبير الشيخ حمزة فتح الله، وفضيلة الأستاذ الشيخ هارون عبدالرازق جد الأستاذ المحقق الشهير عبدالسلام محمد هارون، وغيرهم.رضى الله عنهم جميعا. ومن هذا التشطير نقتطف ما يلى/وقد وضعنا أصل البوصيرى بين قوسين/ :- (أَمِنْ تذكر جيران بذى سلَم)*أصبحتَ ذا خَلَد بالوجد مصطلَم أم من تفتت قلب بالحشا شغفا*(مزجت دمعا جرى من مقلة بدم) *** (فما لعينيك إن قلتَ اكففا همَتا)*بوابل سح فوق الخد مرتكم وما لروحك صارت عنك فى شغُل*(وما لقلبك إن قلت استفقْ يَهِم) (لولا الهوى لم تُرقْ دمعا على طلل)*ولا برحتَ عن الأكوان فى لَسَم ولا تيممت ضوء الشرق ترقبه*(ولا أرقتَ لذكر البان والعلم) (عدَتْك حالىَ لا سرى بمستتر)*ولا جنود الهوى رقت على هممى ولا غرامى ارتضَى صونى رقائقَه*(عن الوشاة ولا دائى بمنحسم) (محضتنى النصح لكن لستُ أسمعه)*فحبهم صبغة الأرواح فى القدم رح يا عذولى ودعنى فى مخاطرتى*(إن المحب عن العذال فى صمم) (فإن أمارتى بالسوء ما اتعظت)*بل أغفلت منهج الأحكام والحِكم وقد دعتنى إلى بعدى وما ارتدعت*(من جهلها بنذير الشيب والهَرَم) **** (من لى برد جماح من غوايتها)*إلا عنايةُ ذى الإفضال والكرم يا رب يا رب فاردد كيد سطوتها*(كما يرد جماح الخيل باللجم) (فلا ترُمْ بالمعاصى كسر شهوتها)*بل ربها بالتقى والكد فى الظلم فكيف تبغى دواء بالدّوَى سفها*(إن الطعام يقوّى شهوة النهِم) **** (وخالف النفس والشيطان واعصهما)*ولا تكن معْهما يوما بملتئم وجدّ فى السير لا تركن لغيهما*(وإن هما محضاك النصح فاتّهم) ** (أستغفرُ الله من قول بلا عمل)*ومن مسير إلى العليا بلا قدم وحقِّ ذى العرش من أبدى حقائقنا*(لقد نسبتُ به نسلا لذى عقُم) (أمرتك الخيرَ لكن ما ائتمرتُ به)*وزاغ فهمك فاستسمنتَ ذا ورم وما بدأت بنفسى فى نصائحها*(وما استقمتُ فما قولى لك استقم) (فاق النبيين فى خلْق وفى خلُق)*وتوج الرسْل بالأنوار فى القدم والكل منهم نأى عن شأو رتبته*(ولم يدانوه فى علم ولا كرم) (وكلهم من رسول الله ملتمس)*عوائد الجود من إحسانه العَرِمِى وكلهم طالب من فضل ساحته*(غَرْفا من البحر أو رشفا من الدِّيَم) ** (وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف)*وانسب لحضرته ما شئت من أَمَم وانسب لطلعته العلياء كل علا*(وانسب إلى قدره ما شئت من عظم) (فإن فضل رسول الله ليس له)*شأو فيدرَكَ بالأفكار والهمم ما زال يرقى مدى الآباد،كيف له*(حد فيعربَ عنه ناطق بفم) ** (فمبلغ العلم فيه أنه بشر)*وأنه مهبِط الأسرار والحكم وأنه ذروة الإطلاق قاطبة*(وأنه خير خلق الله كلهم) *** (أكرم بخلْق نبى زانه خلُق)*مولاه عظمه فى أفصح الكلم وخصنا برسول طاب محتِده*(بالحسن مشتملٍ بالبشر متسم) (ما سامنى الدهر ضيما واستجرت به)*إلا استحالت خطوبى وانجلت غممى ولا أتيت حماه أستظل به*(إلا ونلت جوارا منه لم يُضَم) (ولا التمست غنى الدارين من يده)*إلا تناولت ما يربو على الدِّيَم ولا بسطت يدى أرجوه مكرمة*(إلا استلمت الندى من خير مستلَم) ** (خدمته بمديح أستقيل به)*كروب دهر أتى بالضيم والإِزَم وأستغيث من الأهوال مشتكيا*(ذنوب عمر مضى فى الشعر والخِدَم) ** (حاشاه أن يُحرَم الراجى مكارمَه)*وكيف وهْو الرءوف القلبِ بالأمم حاشاه حاشاه أن تُطوى مراحمُه*(أو يَرجعَ الجارُ منه غيرَ محترَم) ** (يا أكرم الخلق ما لى من ألوذ به)*إلا جنابُك يجلو ظلمة الغُمم أنا الحسيب وما لى من أؤمله*(سواك عند حلول الحادث العَمَم) (ولن يضيق رسولَ الله جاهُك بى)*فإنه شامل للخلق كلهم يا سيدى كن لنا فى كل نازلة*(إذا الكريم تحلى باسم منتقم) ** (يا نفس لا تقنطى من زّلة عظمت)*واستبشر واسبحى فى لجة الكرم ولا تخافى جليل الذنب يائسة*(إن الكبائر فى الغفران كاللّمم) ** (يا رب واجعل رجائى غير منعكس)*واجعل ضياء ابتهاجى غير منحسم واجعل وثوقى بما يرضيك متصلا*(لديك واجعل حسابى غير منخرم) (والطف بعبدك فى الدارين إن له)*ظنا جميلا يفوق الطود فى الشمم لكنْ به خوفُ عقبى ما جنى فطوَى*(صبرا متى تدْعُه الأهوال ينهزم) (وائذن لسُحْب صلاة منك دائمةٍ)*تفوق عد الحصى والرمل والرَّكَم واسكب غيوث العلا والقرب مكرمة*(على النبى بمنهلّ ومنسجم) (والآل والصحب ثم التابعين فهم)*أهل المكارم والإقدام والهمم شم الأنوف هداة الحائرين وهم*(أهل التقى والنقا والحلم والكرم) (ما رَنّحتْ عَذَباتِ البان ريحُ صَبًا)*وما سرى عاشق بالروح للحرم وما أضاءت بروق الأنس فى مُهَج*(وأطرب العِيسَ حادى العيسِ بالنغم) كاتب المقال: المفكر الإسلامي الدكتور أبوالمجد أحمد أبوالوفاء الشرقاوي مدرس بقسم النحو والصرف بكلية اللغة العربية بجرجا جامعة الأزهر .
