شكلت المناورات المصرية- السودانية العسكرية, بداية جديدة في تاريخ العلاقات المصرية السودانية؛ حيث تطابقت الأهداف الاستراتيجية بين البلدين للمرة الاولى بعد مرور ثلاثين عاما من الشد والجذب, وجاءت المناورات العسكرية المشتركة الاخيرة بعد زيارة قام بها رئيس هيئة الاركان السودانية علي رأس وفد عسكري رفيع المستوي إلى مصر واتفق الطرفان فيها على وحدة الهدف و المصير المشترك . وبينما ذهب فريق من المتابعين بعيدا في تفسيره لهذه المناورة بظن أنها تحضير لعمل عسكري مشترك ضد أهداف معادية للبلدين, يري فريق آخر أن المناورة هي نتاج لاتفاق طويل المدى يهدف إلى تشكيل عقيدة عسكرية مشتركة للدفاع عن المصالح الاستراتيجية للبلدين وترسل المناورة عدة رسائل منها. أن ما يحدث على الحدود السودانية من حرب بين الجيش الإثيوبي وجبهة تحرير تيجراي يشكل تهديدا للأمن القومي السوداني والمصري في وقت واحد . وأن هذا الصراع القبلي والعرقي يمكن ان يتحول إلى فوضى عارمة في شمال إثيوبيا وعلى الحدود مع السودان, خاصة أن اقلية تيجراي التي لا تمثل اكثر من ستة ملايين نسمة من بين سكان اثيوبيا البالغ عددهم 110ملايين نسمة يطالبون بالحكم الذاتي والانفصال عن الدولة الإثيوبية, كما ان ابناء التيجراي نجحوا خلال حكم ميلس زيناوي, في التغلغل داخل مؤسسات الدولة السيادية وشكلوا عددا كبيرا من بين قيادات اجهزة المخابرات والجيش والامن والمواقع السيادية الأخرى. وتعتبر هذه الاقلية نفسها الاحق بحكم إثيوبيا بدلا من غالبية الأورمو التي يصل عددها الي 50 مليون نسمة وتحكم البلاد بزعامة رئيس الوزراء آبي احمد. ووقفت هذه الاقلية ضد المصالحات التي قام بيها ابي احمد مع دولة إريتريا كما أنها تقف ضد تحركات رئيس الوزراء الاقتصادية والخاصة بتفكيك الشركات الكبرى التي يهيمن عليها غالبية من أقلية التيجراي، التي هي بدورها شركات مرتبطة بالصين وجاء ابي احمد لإحلال الشركات الامريكية بدلا منها. وامام هذا الصراع المعقَّد الذي يبدو أنه سوف يستمر طويلا بين الطرفين, جاءت رسالة المناورة العسكرية تحسبا لحالة الفوضى التي حذرت منها الاممالمتحدة وتهدد بتدفق عشرات الملايين من أبناء إثيوبيا إلى الحدود السودانية والمصرية, كما انها تهدد بتحويل المنطقة الي ممرات لتجارة البشر والمخدرات وتهريب السلاح ونشاط ارهابي يهدد امن القرن الافريقي ككل. اما الرسالة الثانية فهي إلى تلك الاطراف التي تقف ضد علاقات قوية ومتميزة بين البلدين وتحاول طول الوقت تخريب هذه العلاقة لصالح اهداف قوى خارجية, كما انها تقف حائط صد ضد محاولة الهيمنة على قرار السودان واستقراره وثرواته. وكان فريق من المراقبين قد حذر من ان اندلاع الحرب الأهلية في إثيوبيا يمكن أن تؤدي إلى تفكيكها إلى خمس دول, دولة الاورمو وثانية للتيجراي وثالثة للامهراي ورابعة لقبائل الشعوب الاثيوبية وخامسة لاقليم او جادين الصومالي وهو ما يشكل خطورة كبرى على حماية سد النهضة الذي يكمن ان تفجره تلك الصراعات؛ ما يهدد دولتي المصب مصر والسودان. وهكذا يبدو جليا أن ما يهدد أمن واستقرار السودان هو تهديد مباشر لأمن واستقرار مصر. وجاءت المناورة في إطار الدفاع عن المصالح الاستراتيجية والحيوية لكل من مصر والسودان.