خلال الساعات القليلة المتبقية يحبس الأمريكيون أنفاسهم لاختيار رئيسهم رقم 45 إذ يحتدم الصراع بين الديمقراطيون والجمهوريون بقوة باعتبارهما الحزبين التاريخيين والرئيسيين في الولاياتالمتحدة واللذان يحتفظان بأغلبية المقاعد في مجلس الشيوخ وفي مجلس النواب ، وذلك بعدما أصبحت الأحزاب المعتدلة والبديلة في الآونة الأخيرة أكثر حضوراً ، وتاريخا عادة ما يتعارض الديمقراطيون والجمهوريون تجاه وجهات النظر والمواقف المتعلقة بالعديد من القضايا الرئيسية في الداخل وحول السياسات الخارجية للويلات المتحدة بما في ذلك المسائل الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية ، وبالنسبة لرموزهما الانتخابية فان الفيل يرمز إلي الحزب الجمهوري، كما يرمز الحمار إلي الحزب الديمقراطي، كما أصبح اللون الأحمر مرتبطاً بالجمهوريين مقابل اللون الأزرق بالديمقراطيين ، وليظل الفارق الأساسي بين الحزبين التوجه السياسي ، فالحزب الديمقراطي يساري ليبرالي وعادة ما يرتبط بالتقدمية والمساواة ، أما الحزب الجمهوري يميل نحو اليمين والتقاليد والدين ويرتبط بالعدالة والحرية الاقتصادية ويمثل البقاء للأصلح ، ورغم أن الاختلافات بين الطرفين واضحة في العديد من القضايا فليس لكل الديمقراطيين نفس الأفكار ولا يدعم كل الجمهوريون جميع المعتقدات التقليدية للحزب الجمهوري، وقد بات الطرفان متنوعان لدرجة أنه يكاد يكون من المستحيل فهم موقفهما الحقيقي من قضايا معينة، فعلى سبيل المثال يعارض الجمهوريون عادة الإجهاض ويؤيدون عقوبة الإعدام، لكن هناك حالات أعرب فيها ممثلون جمهوريون عن دعمهم للاختيار الحر وأدانوا استخدام عقوبة الإعدام،ومع كل ذلك يعتبر الحزبان القوتان الرئيسيتان اللتان شكلتا السيناريو السياسي للولايات المتحدة منذ القرن التاسع عشر وخلال الحقب الرئاسية الماضية سيطر الجمهوريون على البيت الأبيض لمدة 28 سنة خلال أربعة عقود ا ،إلا انه وخلال السنوات القليلة الماضية كان الرؤساء الديمقراطيون والجمهوريون يتناوبون باستمرار على رئاسة البلد، ويظهر هذا الاتجاه أن المجتمع الأمريكي لا يزال منقسماً بشدة حول القضايا الرئيسية. وتشهد الانتخابات الرئاسية هذه المرة ولأسباب كثيرة صراعا غير مسبوق بين الحزبيين الكبيرين ومرشحيهما ، ولهذا يسعي الرئيس الجمهوري الحالي ترامب جاهدا للاحتفاظ بفترة رئاسية ثانية ، مقابل الديمقراطيين الذين يبذلون الآن الغالي والنفيس بقيادة جو بايدن لانتزاع المنصب الرئاسي من الجمهوريين واسترداده لصالحهم مرة أخري ولهذا تأتي تلك الانتخابات هذه المرة غير مسبوقة ومثيرة للجدل لأنها تأتي وسط جائحة كورونا التي تضرب العالم منذ شهر فبراير الماضي2020 وانعكاس تداعياتها علي الانتخابات الأمريكية ، بل ولأنها تأتي وسط صراع سياسي محتدم بين الجمهوريين والديمقراطيين ،بل وفي ظل انقسام كبير داخل المجتمع الأمريكي بسبب تفشي ظاهرة العنصرية وجرائمها ضد الأمريكيين من أصول إفريقية مع عودة المد الشعبوي داخل الويلات الأمريكية من جديد ،ويعتبر جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما بالنسبة إلى مؤيديه خبيرا في مجال السياسة الداخلية والخارجية وصاحب عقود من الخبرة في واشنطن بلغت 47 عام ، فهم يرونه متحدث مقتدر وصاحب لسان فصيح وبمقدوره الوصول إلى الناس العاديين ، وبأنه رجل واجه بشجاعة مآس شخصية كبيرة عديدة ، كما يعتبره الكثير من الأمريكيين المدافع عن حقوق الأقليات والعرقيات والديانات المختلفة وحقوق النساء والمساند لحقوق الفقراء والمهمشين في أمريكا ، والأهم من ذلك أنه يمثل ايدولوجيات الديمقراطيين ومنها توجهاتهم تجاه قضايا الشرق الأوسط ليصبح المرشح الديمقراطي بايدن امتدادا للرئيس السابق أوباما وقيادات الحزب الديمقراطي ، ولهذا فهو يعد المنتقد الأكبر لسياسات الرئيس ترامب وبخاصة السياسة الداخلية ومنها اتهام بايدن للرئيس ترامب بالتقصير في إدارة أزمة وجائحة كورونا التي أصابت ترامب نفسه ويحمله المسئولية عن الأعداد الكبيرة للمصابين والضحايا بما فيهم كبار السن العسكريين وغيرها مما يتعلق بالصحة العامة والخدمات والرعاية الاجتماعية داخل أمريكا ، كما يوجه له النقد بخصوص تقاعسه في تداعيات مقتل جورج فلويد وتفاقم ظاهرة العنصرية داخل أمريكا، وتحميل الرئيس ترامب المسئولية عن زيادة نسبة البطالة وتراجع الاقتصاد مؤخرا ، ناهيك عن انتقاد بايدن للرئيس الحالي ترامب فيما يتعلق بملفات السياسة الخارجية وبخاصة مع إيران والصين وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط ، وملف المناخ ، وحتى قرارات إرجاع ترامب للجنود الأمريكيين من مناطق القتال وتعريض أمن أمريكا ومصالحها للخطر، ومع الإعلام المنحاز نسبيا لصالح جو بايدن بل ومع استطلاعات الرأي المتواصلة منذ أشهر والتي تأتي لصالحه بل ومع تحمس الديمقراطيين وإقبالهم وبإعداد كبيرة علي التصويت المبكر لصالحه قد يكون جو بايدن هو الرجل الذي قد يحول دون بقاء دونالد ترامب في البيت الأبيض لمدة أربع سنوات أخرى ، ومع ذلك يعتبر بايدن بالنسبة لمعارضيه ابن مؤسسة الحكم في واشنطن وصاحب زلات لا تصدق مع سنه المتقدم ، كما اتهم مع ابنه بالفساد مع دولة أوكرانيا ، وعلي الجانب الآخر يراه البعض غير ملم بمسائل الاقتصاد والأعمال التي تهم الشريحة الكبرى من الأمريكيين ، ورفض الكثيرين لأفكاره ذات النزعة الاشتراكية المرفوضة من جانب الجمهوريين الذين يتخوفون من سياسته الخارجية التي يمكن أن تغير منطقة الشرق الأوسط إلي الأسوأ ، وبخصوص هذا الصدد هناك شبه إجماع بين أوساط المراقبين بأن بايدن لن يولي الشرق الأوسط الاهتمام الذي كانت تحظى به من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة بسبب تراجع أهمية النفط وموقف بايدن المؤيد للحد من التغيير المناخي والتوجه إلى مصادر طاقة نظيفة وبسبب التحديات الأخرى التي يرى بايدن أنها تمثل مصدر تهديد مباشر لمصالح ومكانة وموقع الولاياتالمتحدة على الصعيد العالمي، ناهيك عن اتهام معرضيه له بالعودة للتوقيع علي الاتفاق النووي الإيراني الذي خرج عليه الرئيس ترامب وذلك بعد أن بعد أن صرح علنا بأنه إذا التزمت إيران بتعهداتها المنصوص عليها في الاتفاق فإن الولاياتالمتحدة ستعود للعمل بالاتفاق إلى جانب الأوروبيين والأطراف الدولية الأخرى ،وبالنسبة لمهمات القوات الأمريكية الخارجية صرح بايدن بأنه وفي حالة فوزه سيعمل علي جعل مهمات قوات بلاده العسكرية ستقتصر فقط على مساعدة الشركاء المحليين في مواجهة التنظيمات والجماعات التي يمكن أن تهدد مصالح الولاياتالمتحدة وشركائها ،ولا يجب أن تلعب أي دور سياسي في هذه الدول ، كما تعهد بايدن بإنهاء الدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن وبإعادة ترتيب علاقاته مع السعودية ودول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط،وبرغم كل تلك الأطروحات التي أعلنها جو بايدن فان الكثير من الأمريكيين يرونه غير مقنع وبخاصة خلال مناظرته التلفزيونية مع الرئيس ترامب لأنه ووفق رؤيتهم لا يحمل برنامج انتخابي واضح ،وبأنه لا يملك من ارثه السياسي غير التركيز علي نقاط ضعف الرئيس ترامب ، فهل بالفعل يملك ما يلزم لطرد ترامب من البيت الأبيض ؟ وللإجابة علي هذا السؤال الهام يري كثير من المحللين أن بايدن يملك أوراق كبيرة لانتقاد ترامب والتأثير علي شعبيته ومنها أزمة فيروس كورونا وتداعياتها على الاقتصاد والبطالة باعتبارها من أهم الملفات الساخنة التي ستؤثر سلبا علي نتائج الانتخابات، وأيضا الاضطرابات والاحتجاجات المدنية التي قام بها الأمريكيين من أصول إفريقييه احتجاجا علي جرائم القتل والعنصرية ضد السود والأقليات خلال الأشهر الأخيرة وتداعياتها السلبية علي نتائج الانتخابات ، واتهام بايدن لترامب بسوء إداراته لهذا الملف ، وعلي الجانب الآخر يتباهي الرئيس ترامب أمام الأمريكيين بتحقيق وعوده الانتخابية السابقة وبخاصة فيما يتعلق بقوة الاقتصاد الأمريكي وبالبطالة وبعودة الصناعات الأمريكية لسابق عهدها وبعودة إنتاج النفط الأفحوري، وفي الساسة الخارجية يقر ترامب بأنه قد أوفي بوعوده تجاه الإنجيليين لنقله سفارة بلاده إلي القدس وبموافقة القوية لصالح الدولة العبرية وبتمكنه من إعادة التطبيع بين كلا من الإمارات والبحرين مع دولة إسرائيل ،وبمواقفه الحازمة وعقوباته تجاه إيران وملفها النووي ،وبتمكن القوات الأمريكية بناءا علي أوامره من قتل أبو بكر البغدادي والانتصار علي داعش والإرهاب في العراق وسوريا مع التحالف الدولي، وبالتمكن من تصفية قاسم سلماني رئيس الحرس الثوري الإيراني وغيرها من نجاحات سياسته الخارجية التي لم تدخل أمريكا في حروب خارجية موسعة وبعدم الإضرار بالحكومة الأمريكية خلال فترة رئاسته، ولهذا يعول أنصار ترامب خلال ما تبقي من المراحل الأخيرة من الدعاية الانتخابية علي قدرات ترامب الكامنة التي يمكن أن تحدث الفارق مع بايدن خلال الأيام القلية المقبلة ، وبالفعل فقد تمكن الرئيس ترامب مع الجمهوريون من تحقيق انتصاراً مهماً قبيل الانتخابات وهو تعيين آمي كوني باريت قاضية في المحكمة العليا الأمريكية واعتبارها نجاحا كبيرا قد يغيّر مسار الرئاسيات وفق محللين. ومع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي للرئاسة الأمريكية المقرر في الثالث نوفمبر القادم وذلك بعد أن أدلي أكثر من نصف الأمريكيين بأصواتهم الانتخابية يسعى كلا المرشحين لبذل كل الطاقات واتخاذ كافة الطرق والحيل لاستمالة ما تبقي من أصوات الولاياتالأمريكية المتأرجحة من اجل تحقيق الفوز، فمع المناظرات والزيارات المحتدمة التي قام بها كلا المرشحين لسائر الولاياتالأمريكية ومع الانجازات الأخيرة التي تمكن الرئيس ترامب من تحقيقها داخل أمريكا وخارجها خلال اللحظات الأخيرة فقد أظهر آخر استطلاع للرأي بأن جو بايدن يتقدم على الرئيس دونالد ترامب ب6 نقاط مئوية ، وبحسب آخر استطلاع فإن 48% من الناخبين المسجلين مؤيدون لجو بايدن مرشح الحزب الديمقراطي، بينما حصل ترامب الجمهوري على 42 % ، وهو الأمر الذي يجعل فرص بايدن برغم بعض استطلاعات الرأي المغايرة له اقوي للفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة ، فخلال الساعات القليلة المتبقية علي موعد الانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدة تحتدم المعركة بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب والمرشح الديمقراطي جو بايدن وذلك بعد أن حذر الرئيس ترامب من أن فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة يمكن أن يؤدي إلى انهيارا لاقتصاد لانهيار سوق الأوراق المالية ورجوع أمريكا مرة أخري إلي التبعية الصينية، مقابل جو بايدن الذي يهاجم ترامب ويتهمه بالتقصير في مواجهة وباء كورونا وتعثر الاقتصاد والشركات وغيرها من المشكلات الاجتماعية والعنصرية المتفاقمة داخل المجتمع الأمريكي وغيرها من إخفاقات سياسات ترامب الخارجية التي ينتقده بايدن ، ومع كل ذلك يري كثير من المحللين أن نتيجة الانتخابات ستكون قريبة بين المرشحين وذلك لان الكثيرين منهم أصبح لا يعول كثيرا علي أرقام استطلاعات الرأي باعتبارها مخادعة ولا تعكس الحقيقة لأنها تعد أرقاما وهمية ومخادعة، ويرون أيضا بان الشعبية العريضة وفق استطلاعات الرأي ليست دليلا جازما علي النتائج الصحيحة بسبب مواقف الناخبين الأمريكيين الذي لم يحسموا رأيهم ومحاولة كلا المرشحين من كسب أصوات العديد من الناخبين المترددين الذين قد يقلبون المشهد في اللحظة الأخيرة ،وبسبب الرجوع إلي حسابات المجمع الانتخابي علي غرار ما حدث في انتخابات العام 2016التي خذلت هيلاري كلينتون ، فمن يا تري سيتمكن من شد الحبل ، هل سيتمكن بايدن الديمقراطي من حسم السباق والفوز علي هذا الخصم العنيد ، أم سيتمكن الرئيس ترامب الجمهوري من شد الحبل والبقاء في البيت الأبيض لولاية رئاسية ثانية ؟