بعث لى أد / محمد إبراهيم العشماوي أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر برسالة رقيقة محترمة ما أحوج الأمة إلى تدارس معناها، وإليكم الرسالة دون تغير واحد في حرف منها ((حين تقدمت لخطبة زوجتي - بارك الله فيها - قال لي والدها: اختر لنفسك: إما أن يحكمنا الشرع، وإما أن يحكمنا العرف؟ فقلت له على الفور دون تردد: بل الشرع! فقال: إذن ستريح وتستريح! وقد كان، والحمد لله! ومن يومها وأنا لا أحكم العرف الفاسد الذي لا يشهد الشرع لاعتباره قط في حياتي، ولا يعنيني كلام الناس إن خالفت أعرافهم الفاسدة؛ لأنهم لن ينفعوني ولن يضروني، ولا تزر وازرة وزر أخرى! والذي أتعب الناس اليوم في موضوع الزواج هو أنهم تركوا أحكام الشريعة السمحة، التي لا تلزم المرأة بشيء من تكاليف الزواج، إلا ما تطوعت به من مهرها عن طيب نفس منها، ولا تكلف الرجل ما لا يطيق، إلا ما تطوع به طيبة به نفسه، فهجروا هذا الإجراء السهل البسيط الذي طابت به حياة الأسلاف، وهنأ عيشهم - رغم رقة الحال - إلى إجراءات صعبة معقدة، ألزموا بها أنفسهم، وما ألزمهم الله، وراح يقلد بعضهم بعضا فيها بحجة العرف، وقد عرفت أنه عرف فاسد الاعتبار ، فهل ألزمنا الشرع أن نكتب على أنفسنا شيكات على بياض، ونتعامل بالربا، من أجل أن نجهز العروس بنصف مليون جنيه، نردها أضعافا مضاعفة، وقد ندخل السجن حين نعجز عن سدادها، كل ذلك مراعاة لأعراف الناس في البلد؟! وهل ألزمنا الشرع أن نأتي في جهاز العروس من كل جهاز بثلاث قطع، ثلاث غسالات، وثلاث ثلاجات، وثلاثة تلفزيونات، وثلاثة مكيفات، وثلاثين مفرشا، وثلاثين فوطة حمام، وثلاثين ملاءة سرير، وخمسين زوجا من الحمام، وخمسين زوجا من ذكر البط، كل ذلك مراعاة لأعراف الناس في البلد؟! وهل ألزمنا الشرع أن نقيم حفل الزواج في أفخم القاعات والصالات التي تتكلف عشرات الآلاف من الجنيهات؛ لنظهر بالمظهر اللائق بمستوانا الاجتماعي أمام الناس، الذين لن يغنوا عنا من الله شيئا، كل ذلك مراعاة لأعراف الناس في البلد؟! إن الذي يفعل ذلك في نظري هو إنسان مجنون؛ لأنه يظن أن السعادة إنما تشترى بالمال، ويعلم الله كم هناك من قلب مكسور يعيش بين القصور، وكم من قلب سعيد يعيش في خص من جريد! ولو شقي هذا الرجل بهذا المال؛ ما استهان به بهذه السهولة، بل لو كان ماله من حلال؛ ما أنفقه تحت أقدام الراقصات! وهذه الزيجات التي أنفق عليها ببذخ؛ قد باء أكثرها بالفشل في أقل من عام واحد، لأنها لم تُبن على تقوى من الله ورضوان، بل بُنيت على ألواح من الخشب، وأطنان من الحديد، وأكوام من الثياب، فما أضعف هذا البناء! لقد سألت بعض الرجال الذين يفعلون ذلك: لماذا تفعلون؟! فقال: إن النساء وحدهن هن اللواتي يحكمن في هذا الأمر، وإنهن يبالغن في ذلك حتى لا يظهرن بين الناس أقل من مثيلاتهن! فالأمر - إذن - لا يعدو إلا أن يكون صراعا بين النساء في الهواء، و يا خيبة الرجال حين تحكمها النساء! لقد انتشرت هذه الظاهرة في الريف المصري انتشارا مرعبا، وقصر الدعاة في واجبهم نحو مقاومة هذه الظاهرة، فسكتوا عن هذا المنكر الاجتماعي، ولم يبينوا للناس أنه حرام وإجرام، بل لعلهم كانوا أول الواقعين فيه، استسلاما منهم لقهر النساء وسلطانهن! والنتيجة: مئات الحالات من الطلاق يومياً، ومئات المساجين من أولياء الأمور في ديون تجهيز البنات، ومئات القضايا الزوجية المنظورة أمام محاكم الأسرة، ومئات البيوت التي خربت بسبب المعايرة بالجهاز، ومئات الأزواج الذين يعيشون في قصر فخيم وكأنهم يعيشون بين أطباق الجحيم، وآلاف الشباب والفتيات الذين يعانون من ذل العزوبة وقهر العنوسة، وآلاف الجرائم الخلقية من تحرش وزنا واغتصاب ومخادنة بسبب تعقيد أمر الزواج! تباً لعقلك أيها المجتمع الجاهل، كيف تصنع هذه الأغلال بيديك؛ لتكبل بها نفسك، أوما علمت أن العاقل هو من يعيش حرا من الأغلال، وأن المجنون فقط هو من يعدو على نفسه؟! انتهت الرسالة لكن لم تنتهي معاناة الأسر المصرية ، فهل يعي العقلاء ما ننشده في هذه الرسالة وكفى خرابا ودمارا ؟؟