رئيس الأعلى للإعلام يشارك في مناقشة التوصيات النهائية ل لجنة التحول الرقمي    صيدلة جامعة العاصمة تفوز بجائزة "Safir Award" من وزارة الخارجية الفرنسية    90 % من المحال العامة غير مرخصة؟ برلماني يكشف أرقامًا صادمة    بدر عبدالعاطي يعقد جلسة مشاورات سياسية مع وزير خارجية جنوب السودان    "بث مباشر" حفل افتتاح كأس أمم أفريقيا 2025 في المغرب    تأجيل محاكمة سارة خليفة و27 آخرين للغد في قضية تصنيع المخدرات    توقف التحضير لمسلسل "حرم السفير"، تعرف على السبب    رئيس التأمين الصحي يوجه بسرعة تشغيل عيادة السلام الجديدة لدعم الخدمات الطبية    إيطاليا تعد مشروع مرسوم لمواصلة دعم أوكرانيا في 2026    تجاوزت 8% خلال أسبوع.. استمرار قفزات الفضة بسبب نقص المعروض وتزايد الطلب    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات وحدات «سكن لكل المصريين» بعدد من المدن الجديدة    مدير تعليم القاهرة تكرم الطلاب ذوي الهمم بمدرسة الفسطاط    حقيقة ارتباط أحمد العوضي ويارا السكري    الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تكرّم أحمد أبو الغيط    حقيقة توقيع يوسف بلعمري مع الأهلي 3 مواسم ونصف.. مصدر يكشف    هايدينهايم ضد البايرن.. البافارى بالقوة الضاربة فى الدورى الألمانى    ضبط طرفي مشاجرة بعد تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي    الأهلي يفوز على إنبي بثلاثية في دوري السيدات    سيسكو يقود هجوم مانشستر يونايتد أمام أستون فيلا في البريميرليج    فيلم "القصص" يفوز ب التانيت الذهبي لأفضل فيلم بمهرجان قرطاج    خبير دولى: إسرائيل تماطل فى تنفيذ اتفاق غزة للتهجير.. ومصر تتمسك بالإعمار    التشكيل الرسمي لمباراة مانشستر يونايتد وأستون فيلا في الدوري الإنجليزي    رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد تشغيل فندق الكونتيننتال التاريخي وسط القاهرة بعلامة تاج العالمية    حصاد 2025.. تنفيذ أكبر خطة حضارية لتطوير شوارع مدينة كفرالشيخ| صور    وزير الخارجية يعقد اجتماعاً ثلاثياً حول ليبيا مع نظيريه الجزائري والتونسي    وكيل الأزهر يلقي محاضرة لعلماء ماليزيا حول "منهج التعامل مع الشبهات"| صور    على أنغام الربابة.. نائب محافظ الأقصر يشهد تعامد الشمس على معابد الكرنك| صور    «النجمة التي سقطت من السماء» يفتتح عروض نوادي مسرح الطفل في الغربية    مفتي الجمهورية: المؤسسة الدينية خَطُّ الدفاع الأول في مواجهة الحروب الفكرية التي تستهدف الدين واللغة والوطن    الجيزة توضح حقيقة نزع ملكية عقارات بطريق الإخلاص    القيمة السوقية لمنتخبات أفريقيا في كان 2025    إحالة أوراق قاتل زوجته أمام أبنائه إلى المفتي بالبحيرة    رئيس الوزراء يتابع مع وزير الكهرباء الموقف التنفيذى لمشروعات الطاقة المتجددة    أمن الجيزة يفحص فيديو اقتحام عدد من الخيول فناء مدرسة بمنطقة بولاق    نصيحة للأمهات، احذري من تأثير ضغط الدراسة على علاقتك مع أبنائك    انطلاق المسح الصحي لرصد الأمراض غير السارية بمحافظة قنا    الداخلية تكشف حقيقة فيديو محاولة سرقة شخص بالسيدة زينب: خلافات عائلية السبب    رئيسا الإمارات وفرنسا يبحثان مسار العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلدين    فيديو | الجمهور يتجمع حول محمد إمام إثناء تصوير "الكينج"    لماذا نشتهى الطعام أكثر في الشتاء؟    برلمانية المؤتمر: تعديلات قانون الكهرباء خطوة ضرورية لحماية المرفق    اتحاد شركات التأمين: معالجة فجوات الحماية التأمينية تتطلب تعاونًا بين شركات التأمين والحكومات والمجتمع المدني    ضبط 3 محطات وقود بالبحيرة لتجميع وبيع 47 ألف لتر مواد بترولية    وزير الخارجية يلتقي نائبة وزير خارجية جنوب إفريقيا لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية    «المصدر» تنشر نتيجة الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب    محافظ أسيوط: استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية لاكتشاف المواهب الرياضية    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    حملة للمتابعة الطبية المنزلية لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن وذوي الهمم.. مجانًا    مصرع 3 أشخاص وإصابة آخرين في بورسعيد إثر حادث تصادم بين سيارتين    حقيقة تأثر رؤية شهر رمضان باكتمال أو نقص الشهور السابقة.. القومي يوضح    فضل العمرة فى شهر رجب.. دار الإفتاء توضح    فى مباحثاته مع مسرور بارزانى.. الرئيس السيسى يؤكد دعم مصر الكامل للعراق الشقيق ولوحدة وسلامة أراضيه ومساندته فى مواجهة التحديات والإرهاب.. ويدعو حكومة كردستان للاستفادة من الشركات المصرية فى تنفيذ المشروعات    شهر رجب .. مركز الأزهر العالمى للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    محافظ القاهرة جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي    شهر رجب.. مركز الأزهر العالمى للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    حبس المتهم بقتل زميله وتقطيع جثمانه إلى أربعة أجزاء وإخفائها داخل صندوق قمامة بالإسكندرية    بعد رؤية هلال رجب.. ما هو موعد شهر شعبان ؟    كورتوا: حمل شارة قيادة ريال مدريد كان حلما.. ومن الصعب إيقاف مبابي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوجه المقارنة بين الطلاق وبطلان الزّواج
نشر في شموس يوم 01 - 02 - 2019

وقد عرف التاريخ الإنساني أشكالا متعدّدة من الزواج ففي عهد الأمومة كانت الأمّ تتزوّج بمن شاءت لأيّ مدّة ثم تتزوج أخر وأحيانا يمكن أن تكون زوجة لأكثر من رجل. كما كان البعض من عرب الجاهلية يفضلون النكاح المؤقت المعبر عنه بنكاح المتعة الّذي يستمتع فيه الرّجل بالمرأة مدّة مؤقتة بمقابل ينقده لها. كما ظهر نكاح المقت وهو أن يستحل أكبر أنجال الهالك زوجة والده باعتبارها موروثة عنه فيرمي عليها ثوبه إن أعجبته أو يزوّجها بآخر إن لم تكن له رغبة فيها.
وعرف الجرمانيون نكاح الاستبضاع الذي تخالط فيه المرأة غير زوجها بإذنه أو بدونه بغية الحصول على ولد خاصّة إذا لم يوجد لأبيه وارث. أمّا نكاح الخدن فهو معاشرة المرأة لخليل لها معاشرة الأزواج سرّا. ونكاح الشغار هو الذي يزوّج فيه الرّجل ابنته لرجل أخر في مقابل أن يزوّجه هذا بابنته أيضا على أن يكون بضع كلا البنتين مهرا للأخرى. ونكاح البغايا الّذي كان موجودا إلى وقت قريب لدى بعض طبقات الأعيان ببلاد ملابار بالهند هو الّذي تضع فيه المرأة على باب منزلها علامة (راية) فيدخل عليها من يريد الاتصال بها. وإذا ما ولدت ولدا ألحقته بأشبه الناس به.
أما التشاريع السّماوية فإنّها لم تخل من الأحكام المؤطّرة للزّواج نظرا للمقاصد القدسية السامية التي يحتويها. فالديانة المسيحية مثلا حفته بطقوس دينية دقيقة واعتبرته رباطا أبديا بين رجل وامرأة لا يمكن فصمه. كما اعتنى الإسلام بالزواج ووضع قواعده وشروطه وضبط حقوق وواجبات كلا الزوجين بشكل يكرس احترام النسب والقرابة ويعزّز صلابة الأسرة التي هي الخلّية الأساسية التي يقوم عليها المجتمع ويستمدّ منها الرّكائز المؤسسة لمتانته واستمراره. إذ يقول الله سبحانه وتعالى في الآية 72 من سورة النحل “والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة” ويقول في الآية 21 من سورة الرّوم ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”.
وأحيانا قد يخل الزوجان بشروط تكوين عقد الزواج التي ضبطها المشرّع ورتّب عن خرقها بطلان الزواج. كما قد ينشأ الزواج صحيحا لكنه يكون قاصرا عن إنشاء آثاره التي وجد من أجلها إذ قد تنشأ بين الزوجين بعض المشاكل التي تجعلهما يفكران في فكّ رابطة الزواج وإيقاع الطلاق بينهما.
وقبل التعمق في دراسة أوجه المقارنة بين الطلاق وبطلان الزّواج يتّجه التوقف عند تعريف المؤسّستين.
وقد عرف المشرع التونسي الطلاق بالفصل 29 من مجلّة الأحوال الشخصية بأنه حلّ عقدة الزواج. وهذا التعريف هو في الواقع غامض وغير دقيق لأن عقدة الزواج قد تنحلّ بالموت أو بالبطلان كذلك. ولغة يعني الطلاق حل الوثاق وهو مشتقّ من الإطلاق أي الإرسال والترك. وفقهيّا عرّفه زكي الدين شعبان بأنه ” رفع قيد الزواج الصّحيح في الحال أو المآل بلفظ يفيد ذلك صراحة أو كناية أو بما يقوم مقام اللّفظ من الكتابة والإشارة أو حلّ عقدة التزويج”.
وقد أباح الإسلام الطلاق باعتباره أبغض الحلال عند الله. إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتزّ له عرش الرحمان” فالإسلام يقبل الطلق على مضض ويحرّض الزوجات على اعتباره الملاذ الأخير بعد استنفاذ كلّ الحلول الأخرى إذ يقول الله تعالى في الآية 19 من سورة النساء” وعاشروهنّ بالمعروف فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.” إذ قد تتوفر ظروف تجعل الطلاق شرّا لا بد منه لتلافي شرور أخرى يعيشها الزوجان.
وقد نظم الإسلام أحكام الطلاق وضبط قواعد ممارسته وذلك نظرا للمخاطر التي يحملها. وفي هذا يختلف الفقه الإسلامي عن الممارسات التي كانت سائدة قبله حيث كان الطلاق يمارس بدون ضوابط فيطلق الرجل زوجته متى شاء ويراجعها متى شاء. كما يختلف عن الكنيسة الكاثوليكية التي تتمسّك بتحريم الطلاق وذلك بمقولة أنّ الزواج هو من قبيل الطقوس الدينية ويبرم لدى الكنيسة بمقتضى الإرادة الإلهية ولذا فإنّه لا يمكن أن ينحلّ إلا بالموت.
وكانت لهذه الأفكار انعكاساتها التشريعية حيث رفض العديد من فقهاء فرنسا الطلاق معتبرين أن الزواج ليس مجرّد عقد يبرم بإرادة منفردة أو حتى بإرادة الطرفين بل هو مؤسسة ، وبالمقابل ظهر تيار آخر نظّر للطلاق وذلك باعتبار الزواج عقدا كسائر العقود يجوز فسخه . إذ يقول الإنجليزي بيتام في كتابه أصول الشرائع : ” لو وضع مشرع قانونا يحرّم فضّ الشركات ويمنع رفع ولاية الأوصياء وعزل الوكلاء … لأجمع الناس جميعا على أنه غاية الظلم واعتقدوا صدوره عن معتوه أو مجنون. فيا عجبا إن هذا الأمر الذي يخالف الفطرة ويجافي الحكمة وتأباه المصلحة ولا يستقيم مع أصول التشريع تقرّره القوانين بمجرّد التعاقد بين الزوجين في أكثر البلاد تمدّنا وكأنها تحاول إبعاد الناس عن الزواج فإن النهي عن الخروج من شئ نهي عن الدخول فيه”.
وقد تبنّى المشرّع التونسي موقف الفقه الإسلامي في اعتبار الزواج عقدا يجوز فسخه متى دعت الحاجة إلى ذلك. إذ يقول ابن القيم” النكاح والطلاق يلحقان بالبيع والإجارة …” .
ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ مجلة الأحوال الشخصية التونسية لم تتقيد بأحكام الشريعة الإسلامية في باب الطلاق إلاّ جزئيا إذا أنّها لا تتضمن مثلا الإشارة إلى الطلاق الرّجعي وإلى الطلاق المكمّل للثلاث… .
أمّا بطلان الزواج فهو مبدئيا جزاء رتبه المشرّع عن الإخلال بالشروط التي يقوم عليها عقد الزواج. وقد عرّفت محكمة التعقيب في قراراها عدد 21419 بتاريخ 13 جوان 1989 الزواج الباطل بأنه زواج تتوفر فيه مقتضيات الزواج العادية من إشهار ومساكنة وإنفاق وتواصل معاشرة. وتحت هذا العنوان تؤدّي الزوجة لزوجها المفروضات التي يرتبها الزواج. والزوج يؤدّي من جهته ما هو محمول عليه من واجبات الزوج تجاه زوجته .” وجاء في الفصل21 من مجلة الأحوال الشخصية أن : ” الزواج الفاسد هو الذي اقترن بشرط يتنافى مع جوهر العقد أو انعقد بدون مراعاة أحكام الفقرة الأولى من الفصل الثالث والفقرة الأولى من الفصل الخامس والفصول (15 و 16 و 17 و 18 و 19 و 20 و20 من هذه المجلة).
والمشرع التونسي لا يفرق بين مصطلحي البطلان والفساد ويستعملهما للدّلالة على معنى واحد إذ جاء بالفصل 22 من مجلّة الأحوال الشخصية أن الزواج الفاسد يبطل وجوبا” وذلك إقتداء بالفقه المالكي والشافعي الذي لا يفرّق بينهما. في حين أن الفقه الحنفي يستعمل المصطلحين ولكن للدّلالة على معنيين مختلفين.
أما الزواج الباطل فهو الذي فقد شرطا من شروط الانعقاد ممّا جعله ينشأ مختلاّ بحيث يكون وجوده وعدمه سواء. وهذا ما عبر عنه الحنفيون بأنه “ما لم يشرع لا بأصله ولا بوصفه”. في حين أن الزواج الفاسد هو الذي فقد أحد شروط صحته , وعرفه الحنفيون بأنه : ” ما شرع بأصله لا بوصفه “.
وفي الحقيقة فإن التمييز بين الزواج الباطل والزواج الفاسد يمكن أن يساعد على ضبط الطبيعة القانونية للبطلان.
وبالرجوع للقانون الفرنسي يلاحظ أنّه ولئن استعمل مصطلحا واحدا هو “الزواج الباطل : le mariage nulإلا أنه ميز بين حالات يكون فيها البطلان نسبيا وأخرى يكون فيها مطلقا. لكن المشرع التونسي لم ينص على طبيعة البطلان وكذلك لم يتعرض فقه قضاء محكمة التعقيب إلى هذا الإشكال إلا في مناسبات قليلة. وقد جاء في القرار التعقيبي الصادر بتاريخ 17/1/ 1961أنّ قانون الأسرة يهمّ النظام العام وذلك لأن الزواج هو مؤسسة قبل أن يكون عقدا.” وقد تبنى بعض الفقهاء هذا الرأي إذ اعتبرت الأستاذة كلثوم المزيو أن بطلان الزواج يكون مطلقا في جميع الصور خاصة إذا تعلق الأمر بالإخلال بأحد الشروط الشكلية الواردة بقانون 1 أوت 1957 والتي تهم النظام العام فلا يمكن للطرفين خرقها ذلك أن القضايا المتعلقة بقانون الأسرة تهم النظام العام”.
وقد تعرض هذا الرأي إلى النقد لأن الحالات التي يتّجه فيها التصريح ببطلان الزواج توجد بينها صور لا تهم فيها دعوى البطلان إلا مصلحة المتعاقدين ومن ذلك صورة الرضا المعيب والذي يمكن تصحيحه بالمصادقة اللاحقة على العقد .
وعليه فإنه يكون من المبالغة القول بالبطلان المطلق كجزاء لجميع الصور والتي يكون فيها أحد أركان العقد مختلا. ويبقى على المشرّع التدخل لرفع الغموض وضبط الحلول المناسبة لهذا الإشكال.
وبناءا على ما تقدم يمكن القول بأن الطلاق وبطلان الزواج كلاهما طريقتان يقع بمقتضاهما انفصام الرابطة الزوجية ولكن لكل منهما خصوصياته المميزة التي تقتضي أحكاما وحلولا تشريعية دقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.