شكرًا لحسن تعاونكم معنا.. ولأنكم أتحتم لنا نسيان خلافاتنا الثانوية لنجتمع علي قلب رجل واحد لمواجهتكم'. هذه العبارة كتبتها ناشطة شابة علي إحدي الصفحات الإلكترونية المناهضة لتعيين د.علاء عبد العزيز وزيرًا للثقافة. ولقد اكتشفت في أثناء اجتماع جبهة الدفاع عن الثقافة المصرية الذي عقد بالمجلس الأعلي للثقافة يوم الأربعاء الماضي أن ما كتبته هذه الشابة كان الحقيقة.. فلقد وقف المثقفون وقفة حاسمة للدفاع عن حرية الرأي والتعبير وارتفع الجميع فوق الخلافات الثانوية التي كان يراهن متآمرو 'حزب الحرية والعدالة' عليها.. وكانوا يعتقدون أنها ستفجر الاجتماع.. لكن الجميع كان علي مستوي الحدث الجلل والمسئولية التاريخية.. لأن إنجاز قرن من العقل والإبداع مهدد بالتدمير علي يد الاستبداد الأحمق الهمجي المعادي بطبيعته للحرية وصناعة الجمال.. ولم يقتصر الاجتماع علي إصدار بيانات الشجب والتنديد التي كان ينظرها 'سكان مكتب المقطم' ولكنه أنتج وقفة احتجاجية ازدانت بالمبدعين من مختلف الفنون توجت باعتصام تضامني مع فناني الأوبرا انضمت له حركات احتجاجية شبابية ثورية تتصاعد إلي وقفة احتجاجية إبداعية شارك فيها مبدعون من الأجيال المختلفة أمام وزارة الثقافة بالزمالك.. باختصار لقد استطاعت الحركة الثقافية المصرية أن تثبت أنها متماسكة وتدافع مازالت عن هوية مصر الثقافية الأصيلة باقتدار.. بل لقد فضح النظام الحاكم نفسه في مواجهتها علانية وكشف عن وجهه العدواني مبكرًا، وخلع أقنعة الديمقراطية التي ادعاها.. لينضم إلي صف النظم القبيحة المعادية للثقافة والإبداع وهو ما نددت به المؤسسات الفنية الدولية العريقة التي تضامنت من تلقاء نفسها في باريس، وروما، وبراغ مع مثقفي مصر ومبدعيها في مواجهة الهمجية الاستبدادية التي يمارسها النظام الحاكم ضد صناع الثقافة في مصر.. 'مصر' التي علمت العالم الفنون منذ فجر التاريخ. فالفنون والإبداع موروث ثقافي وطني في وجدان المصريين منذ آلاف السنين، وصناعة الجمال هي مهنة المصريين منذ أن خلق الله سبحانه وتعالي أرض مصر ونيلها الذي يفرط فيه النظام الحاكم الآن. فالثقافة ليست ترفًا.. ولا زائدة دودية يمكن استئصالها لكنها إيقاع وقيم ووجدان الأمة التي واجهت بها الظلم والاستبداد عبر تاريخها.. فلقد واجهت الجماهير الثائرة عام 1919 رصاص الإنجليز بأغاني سيد درويش وأشعار بديع خيري وبيرم وحافظ إبراهيم، وواجهت الاستعمار في الخمسينيات بأغاني أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وأشعار فؤاد حداد والشرقاوي وعبد الصبور وصلاح جاهين ولوحات الجزار وحامد ندا وجاذبية سري ومسرحيات وأفلام نجوم مصر الكبار.. والإبداع والابتكار الثقافي كان الإيقاع الأساسي لثورة 25 يناير في ميدان التحرير حيث تغني الجميع بأغاني الشيخ إمام وعبد الحليم وأغاني أحمد إسماعيل ومبدعي الشباب الذين حولوا الرسم إلي فعل ثوري شكل ملامح جديدة لفنون الجرافيتي علي الأرض والجدران.. إن هذا الشعب المبدع يعرف دور الفنون في صنع التاريخ والمثقفون المصريون جيادً تتأبي الترويض، لم يقدر النظام السابق علي تدجينها بل لقد رفضت الحركة الثقافية التطبيع وأرغمته علي تعطيل كامب ديفيد الثقافية منذ السادات حتي سقوط مبارك.. ولن يقدر سكان مكتب الإرشاد بالمقطم أن يكسروا إرادة الحركة الثقافية مهما حاولوا لأن المثقف المصري مصري أصيل يعرف تراثه ويعرف قيمه ومثله العليا ويعرف دوره العربي والعالمي ويعرف قبل ذلك كله كيف يعبر عن وجدان الكادحين من أبناء الدلتا والصعيد. وتذكروا يا سكان 'مكتب المقطم' أنكم مجرد ظاهرة عابرة ستسكن بضع سطور في سفر تاريخ مصر العريق وكما بدأت.. شكرًا لحسن تعاونكم معنا.