خلال محرقة غزة 2008، كنت مسئولاً عن متابعة مجريات الحرب الصهيونية ضد أبناء القطاع، حيث كنت أشغل منصب رئيس قطاع الأخبار والبرامج السياسية بقناة الساعة، وكان أحمد قذاف الدم هو رئيس مجلس إدارة القناة. ولأنني كنت علي تواصل دائم معه في تلك الفترة الصعبة من تاريخ أهلنا في القطاع، فقد تسني لي أن أتابع عن كثب، ردات فعل قذاف الدم علي العدوان الإسرائيلي علي العزل من أبناء غزة، فيما أطلق عليها آنذاك 'عملية الرصاص المصبوب'.. كان قذاف الدم غاضبًا أشد الغضب، جراء العدوان السافر، وسقوط الأبرياء العزل من أبناء الشعب الفلسطيني في المحرقة الإجرامية، إضافة إلي حالة التخاذل العربي إزاء العدوان الغاشم. بكلمات محددة، حدد قذاف الدم موقف قناة الساعة، مؤكدًا وقوفها في خندق المقاومة، ودعمها لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإجرامي، ومطالبًا بتخصيص كافة برامج قناة الساعة لصالح دعم المقاومة إعلاميًا، وفضح المخططات الصهيونية، والمجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني الأعزل. وسرعان ما أصبحت 'الساعة' لسان حال أبناء غزة، والمقاومين، حول 'مصطفي بكري' برنامجه الأسبوعي 'لقاء الأسبوع' إلي حلقات يومية، تدعو الشعب المصري، والعربي للوقوف إلي جانب الأشقاء الفلسطينيين، في مواجهة العدوان البربري، وخصصت القناة كافة فقراتها، ومذيعيها، وطاقم عملها، لتقديم حلقات متواصلة، وعلي الهواء، وعلي مدار الساعة، لفضح الممارسات الصهيونية، وأبدعت المخرجة المتألقة 'ميرفت إمام' في إعداد الأغاني الوطنية، والثورية، والتي تستنهض همم المقاومين، وتدعو لنصرتهم، وأعدت البروموهات، والفقرات الصباحية، والمسائية، والتي شكلت بذاتها حركات مقاومة إعلامية في مواجهة المحرقة الجهنمية. كانت مواقف قناة 'الساعة' الأكثر قوة في المحيط المصري، والعربي، دفاعًا عن شعب غزة، المحاصر، والمقاوم، حتي أنها أصبحت الأكثر شهرة في المحيط العربي، والدولي، بعد أن تفوقت علي العديد من القنوات المصرية، والعربية، وباتت تتلقي وعلي مدار الساعة من داخل مصر، والوطن العربي، والعالم، آلاف الاتصالات الهاتفية، وعشرات الآلاف من رسائل ال'SMS' تستصرخ ضمائر الأحرار في العالم، أن يهبوا النجدة شعب فلسطين، الذي يتعرض لمحنة غير مسبوقة في التاريخ. ووسط خضم هذه الأجواء الملتهبة، توقفت عند ثلاثة مشاهد، للسيد أحمد قذاف الدم، برهنت لي، ولغيري، مدي الإيمان العميق للرجل بمصر وفلسطين، والوطن العربي الكبير، ودفاعه اللامحدود عن حق المقاومة في مواجهة الاحتلال، والتصدي لمخططاته: * المسهد الأول: تمثل في الرسائل، والتحذيرات التي تلقاها أحمد قذاف الدم من كبار المسئولين المصريين في زمن مبارك، ومن جهات حساسة، ومؤثرة، تحذره من تجاوز قناة الساعة، وبرامجها، ومواقفها للخطوط الحمراء في الهجوم علي نظام مبارك، واتهامه بالتواطؤ مع العدوان، وكانت الرسائل الأكثر وضوحًا، هي تلك التي تدعوه إلي إبعاد 'مصطفي بكري' عن برنامجه الذي حوله إلي تعرية لنظام مبارك، وتآمره علي المقاومة الفلسطينية، والهجوم علي رئيس الدولة، والذي ترك أهل غزة يذبحون، ودون أن يحرك ساكنًا. كان موقف أحمد قذاف الدم عروبيًا، ومقاومًا، ورفض بإصرار التراجع عن دعم المقاومة الفلسطينية بكل السبل، كما رفض، وبقوة إبعاد 'مصطفي بكري' عن قناة الساعة، والتي استمرت علي مواقفها حتي نهاية العدوان. * والمشهد الثاني: تمحور في سلسلة من المواقف المباشرة، والتي راح قذاف الدم يعلن عنها في سلسلة من اللقاءات، والمداخلات الهاتفية، حيث عبر، وفي أكثر من موقف عن دعمه التام للمقاومة، ولم يمنعه موقعه الرسمي، كمنسق للعلاقات المصرية الليبية عن شق هجمات صارخة علي عدد من البلدان العربية، واتهامها بالتقاعس، والتواطؤ، في مواجهة العدوان البربري. * المشهد الثالث: تجسد في موقف لا يقدم عليه، إلا من كان لديه إيمان كامل بحق المقاومة في مواجهة العدوان، فحين كثف العدو الصهيوني هجماته البربرية للعدوان علي الصحفيين، ووسائل الإعلام الفلسطينية، ليمنعها من فضح جرائمه، استطاع، وبعد محاولات متكررة، من توجيه ضربة قاصمة لقناة 'الأقصي' الفضائية، والناطقة بلسان حركة المقاومة الإسلامية 'حماس'.. خلال تلك اللحظات كنت متواجدًا داخل ال'كنترول روم' باستوديوهات قناة الساعة، وعلي الفور اتصلت به لأبلغه خبر قصف قناة 'الأقصي' واختفائها من علي الشاشة.. وهنا خاطب قذاف الدم بشكل تلقائي، ودون تفكير بقوله 'ليختفي شعار قناة الساعة، ويرتفع بدلاً منه شعار قناة الأقصي علي شاشتنا' وقد فعلتها، وباتت 'الأقصي' مستمرة بدلاً من 'الساعة' حتي عادت مرة أخري لبث برامجها. وكم كان هذا الموقف مؤثرًا في كل قادة 'حماس' وأبناء غزة، وكافة أبناء الشعب الفلسطيني والعربي، وكم كانت الحفاوة بالغة بي، وبوفد قناة الساعة الذي كان من أول الوفود التي زارت قطاع غزة فور توقف 'المحرقة الصهيونية'.. كان الجميع يتحدث عن الدور الذي لعبته القناة، بقوة، وبراعة، في دعم المقاومين وأبناء الشعب الفلسطيني. مثل هذه المواقف، اتخذها قذاف الدم بقناعاته العروبية، والقومية، ولم ينتظر شكرًا من أحد، ولكن تناقضات هذا 'الزمن الأغبر' هي التي دفعت بنظام 'الإخوان' الراعي والحليف لحركة 'حماس' التي ساندها قذاف الدم، دفعت هذا النظام لكي يعقد صفقة لتسليمه، متجاهلاً دوره المخلص في دعم المقاومة إعلاميًا وسياسيًا.. ومتنكرًا لمواقف مشهودة لعبت فيها 'قناة الساعة التي ترأس مجلس إدارتها دورًا بطوليًا.. إنها لعبة الاقدار، والمكائد السياسية، والتي تتغلب للأسف، علي 'الثوابت الوطنية' و'المواقف المبدئية'.