قال المؤرخ اليوناني "هيرودوت" إن "مصر هبة النيل". فإن نهر النيل هو المصدر الوحيد للمياه المتجددة في مصر، والتي تعتمد على النيل في تلبية حوالي 97٪ من احتياجاتها المائية، لذا فإن سد النهضة والموقف الإثيوبي في التعامل مع هذه القضية يهدد مصير شريان الحياة في مصر وسبل عيشها وأمنها القومي. اعتبر المصريون مشروع سد النهضة الذي أقامته إثيوبيا بقرار أحادي على النيل الأزرق أبريل 2011 بمثابة استغلال للفراغ السياسي الذي حدث في مصر في أعقاب تنحي الرئيس مبارك عن الحكم في ذلك الوقت. يعد الشروع في بناء السد دون التشاور مع مصر انتهاكًا لمبادئ القانون الدولي واتفاقية 1993 الموقعة بين إثيوبيا ومصر، واتفاقية 1902 الموقعة بين إثيوبيا والمملكة المتحدة، والتي أكدت على ضرورة التشاور مع دول المصب بشأن أية إنشاءات إثيوبية قد تؤثر على تدفقات منابع النيل عبر النيل الأزرق،. وللأسف، لم تجري إثيوبيا تقييم شامل للأثر الهيدروليكي، أو تقييم للأثر البيئي، أو دراسات تقييم الآثار الاجتماعية الاقتصادية بشأن سد النهضة، كما أنها لم تتشاور حول هذه الأمور مع دولتي المصب الأكثر تأثرًا. مصر والسودان. وبموجب القانون الدولي، فإن القيام بمثل هذه الإجراءات – التي تجاهلتها إثيوبيا – يعد أمر ملزم. حتى عندما اتفقت الدول الثلاث على اختيار مكتب استشاري دولي لإجراء دراسات تقييم الاَثار العابرة للحدود، قامت إثيوبيا بعرقلة دراسات المكتب الاستشاري الدولي، والضغط من أجل إعادة توصيف "سيناريو الأساس" ليشمل خطط إثيوبيا المستقبلية التي تضم سدود إضافية لتصبح وكأنها جزء من معايير خط الأساس أو الوضع الحالي. إن محاولة تعديل المصطلحات المتفق عليها عالميًا بهذا الشكل لن يصبح من شأنه إلا أن يلغي الهدف الأساسي من دراسات تقييم الاَثار الناجمة عن سد النهضة. إن تجنب إثيوبيا حضور الاجتماع النهائي في سلسلة المفاوضات التي تمت بتسهيل من الولاياتالمتحدة والبنك الدولي في نهاية يناير 2020، وإعلان إثيوبيا بدء ملء سد النهضة في يوليو 2020 قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع مصر والسودان، يُعد انتهاك آخر للقانون الدولي، وخرقًا لاتفاق إعلان المبادئ الذي وقعت عليه الدول الثلاث في عام 2015. وينص إعلان المبادئ على أن الدول الثلاث ستوافق على المبادئ الارشادية وقواعد الملء الأول والتشغيل السنوي لسد النهضة، الأمر الذي يعني أن الملء الأول لا ينبغي أن يتم دون اتفاق بين الدول الثلاث. دعت القاهرة مجلس الأمن من أجل تأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث للتفاوض بحُسن نية؛ تنفيذًا للالتزام بقواعد القانون الدولي، وعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية قد تكون من شأنها التأثير على التوصل إلى اتفاق. وعلى الرغم من أن الهدف المعلن لسد النهضة هو توليد الطاقة الكهرومائية، إلا أن الاستراتيجية الإثيوبية في التفاوض للاتفاق على قواعد الملء والتشغيل منذ القرار الإثيوبي الأحادي الجانب لبناء السد، تشير إلى هدف أبعد كثيرًا عن توليد الطاقة الكهرومائية. لقد مرت ما يقرب من 10 سنوات من المماطلة الإثيوبية دون التوصل إلى اتفاق مع دولتي المصب مصر والسودان. تُظهر الخطط المستقبلية لإثيوبيا أنها ربما تُخطط لتخزين المياه خلف سد النهضة لأغراض الاستخدام الاستهلاكي مثل الري الزراعي والأغراض الصناعية وغيرها. وفي هذا السياق، أظهرت الدراسات أنه نظرًا للسعة المبالغ فيها لخزان سد النهضة التي تصل إلى 74 مليار متر مكعب، والقواعد التشغيلية المتوقعة لزيادة توليد الطاقة الكهرومائية إلى أقصى حد، فإن الآثار التراكمية لفواقد التسرب والبخر من الخزان خلف السد يمكن أن يكون لها آثار ضارة على تدفقات نهر النيل الأزرق، وبالتالي من المحتمل أن تحد من قدرة مصر على الاستمرار في استخدام حقوقها المائية واستخداماتها التاريخية السنوية البالغة 55.5 مليار متر مكعب. فرسالة مصر واضحة لمجلس الأمن، بسرعة عقد جلسة وإصدار قرار. فالفرق بين التوجه إلى المجلس الآن عن المرة السابقة، هو أن الأولى كانت خطابًا لحثّ الأطراف على الجلوس والتفاوض، أما هذه المرة فتأتي لتقديم شكوى رسمية وطلب جلسة عاجلة. فمجلس الأمن يمتلك صلاحية إصدار قرارات وتوصيات أبرزها وقف أديس أبابا للملء أو إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية، لافتًا إلى أن مجلس الأمن يستطيع أن يوقف البناء أيضًا حال تأكده من تهديد الأمن والسلم الدولي والإقليمي، بالاحتكام إلى الفصل السابع للقانون الدولي. وعن المدير الإقليمي لبرنامج الموارد المائية – مركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا بالنظر إلى وفرة المياه في إثيوبيا، وموقعها الجغرافي الذي يجعلها مصدر ل85٪ من الموارد المائية المتجددة الوحيدة في مصر، وقرارها غير العادل و الأحادي الجانب لبناء سد النهضة على واحد من أكبر روافد نهر النيل، ومحاولاتها المستمرة لتجنب القيام بدراسات تقييم اَثار السد واتباعها لاستراتيجية المماطلة حول التوصل إلى اتفاق بشأن قواعد ملء وتشغيل السد؛ كل هذا يشير إلى هدف أثيوبي مختلف من وراء بناء سد النهضة يكمن في تحقيق هيمنة مائية وليس مجرد الحصول على "طاقة كهرومائية"!