تتحرك إثيوبيا في المنطقة وفق تصور أمبراطوري، لا يرى في المنطقة دولاً، ولكن مناطق للنهب والقتل والاحتلال. هذا ما تجسده الاعتداءات الحبشية على أراضي السودان في إقليم الفشقة شرق السودان، والقريب من سد النهضة الذي تحاول الأمبراطورية الإثيوبية أيضًا فرضه بالقوة على مصر. ففي نهاية الأسبوع الماضي كرر الجيش الإثيوبي عدوانه على الجيش السوداني داخل أراضيه، وقتلت ميليشيات عسكرية مدعومة من الجيش الإثيوبي عددًا من ضباط وجنود الجيش السوداني، إضافة إلى قتل عدد من المدنيين. وكانت إثيوبيا قد سيطرت منذ سنوات على إقليم الفشقة السوداني، واستخدمت الأنظمة الحاكمة في أديس أبابا حجة ثابتة بادعاء أن الميليشيات التي تقوم بالاعتداء على المزارعين السودانيين، والاستيلاء على أراضيهم هي مجموعات متمردة على الجيش الإثيوبي، وفي كل اعتداء تشكو الدولة السودانية، وترد الإثيوبية بأنها ستعمل فورًا على إنهاء الأمر، وفي كل مرة أيضًا تعتبر الحكومات الإثيوبية أن هذا العمل هو عدوان على الأراضي والسيادة السودانية، ولكن هذه المرة، كشف الجيش السوداني المسكوت عنه، وهو المشاركة الفعالة لأفراد وقادة من الجيش الإثيوبي على وجه الخصوص لعرقية الأمهرا التي يقطن أفرادها في الجانب الإثيوبي المحاذي للأرضي السودانية في إقليم الفشقة ذي الأرض الخصبة، كما أن حكومة أبي أحمد هذه المرة أيضًا التزمت الصمت، وإن كانت كررت كلامًا حول تشكيل لجان لبحث الأمر. ويبدو أن الجيش الإثيوبي، يسعى إلى احتلال إقليم الفشقة والسيطرة عليه قبل إعلان اكتمال بناء وملء سد النهضة، حتى لا يطالب به السودان كجائزة عن موقفه المؤيد لإثيوبيا في مفاوضات سد النهضة، أو على الأقل تهديد السودان وابتزاز حكومته بأن إثيوبيا يمكنها السيطرة الكاملة على هذه المساحات الشاسعة من الأراضي الخصبة من أراضى السودان إذا ما بدأ المفاوض السوداني في المطالبة بحقوقه المائية. وعلى الرغم من صلابة موقف القوات المسلحة السودانية، ورفضها الصريح للمكايدات الإثيوبية، إلا أن حكومة الحرية والتغيير بزعامة عبدالله حمدوك لا تزال تدعي الحكمة والتريث أمام احتلال أراضيها وقتل أفراد جيشها. عرقية الأمهرا التي ظلت تحكم إثيوبيا طوال العهود الأمبراطورية تتحالف الآن مع أبي أحمد وتحلم بإعادة مجدها القديم على حساب السودان وأرضه وسيادته، دون النظر لموقف بلد ظل يساندهم في بناء السد، على الرغم من ثبوت خطورته على شعب السودان كله. وفيما وصمت العمليات الإثيوبية داخل الأراضى السودانية بأنها عمليات عصابات، ونهب مسلح فقد أعمى الغرور الأمبراطوري حكام الحبشة، وجعلهم يقفون منفردين في وجه كل دول الجوار تقريبًا، حيث بلغ الغرور الإثيوبي مداه بإصراره على بناء وتشغيل سد النهضة على الرغم من اعتراض مصر واشتراط أديس أبابا إلغاء الجانبين المصري والسوداني وثيقة واشنطن، مقابل العودة للمفاوضات. يبدو أن صناع القرار في بلاد الأحباش قد نسوا تمامًا أن الغرور إذا اجتمع مع الجهل يكون المصير الحتمي لصاحبه الإلقاء في مزبلة التاريخ.