'إن الملوك والحكام ليس هم أولئك الذين يمسكون بصولجان الملك، وليس هم الذين تختارهم الجماهير التي تهتم بالحياة الديمقراطية، وليس هم كذلك الذين تقع عليهم القرعة، وليس هم أولئك الذين يدينون بسلطتهم للقوة والخداع، وإنما الملوك والحكام الحقيقيون أو المثاليون هم أولئك الذين يعرفون كيف يحكمون '.. إنها ببساطة مختصر الكلمات التي عبر بها الفيلسوف اليوناني 'سقراط' قبل أكثر من 25 قرنا من الزمان عن رؤيته للحكام الحقيقيين أو المثاليين، وبالرغم من أننا قد نختلف حول صاحب هذه الكلمات وحول بعض تعريفاته لبعض الأمور، فإننا لا نملك القدرة هنا علي وضع كلمات تخالف ذلك المعني الذي وضعه هذا الفيلسوف بحكمة بالغة، فمن منا يمكنه القول مثلا إن 'الحكام الحقيقيين أو المثاليين هم أولئك الذين لا يعرفون كيف يحكمون'؟! إنها ببساطة البداية المنطقية للحديث عن حال الحكم عموما، كما أنها البداية الأنسب للحديث عن الحالة المصرية الساخنة جدا، حتي وإن كنا سنتحدث في الأسطر التالية عن الشق الخارجي فقط من معادلة السياسة المصرية، وبالتحديد عن سياسة مصر الخارجية في عهد الرئيس 'محمد مرسي'، خاصة ونحن نقترب من إسدال الستار علي عامه الأول في الحكم، فكيف سيكون تقييم الأداء علي صعيد السياسة الخارجية للرئيس ونظامه وتوازناته في علاقات مصر الدولية؟ وما تأثير هذا الأداء علي موقع ومكانة مصر الإقليمية والدولية؟ وهل يمكن تحسين هذا الأداء؟ وكيف؟.. أسئلة سنحاول الإجابة عليها في السطور التالية.. الزيارات الاستكشافية لم يكن الشأن السياسي المصري الداخلي وحده ما يحظي باهتمام الشعب المصري والقوي الإقليمية والدولية، فمصر التي تحظي بموقع القلب في واقعها العربي والإسلامي والإقليمي وبثقلها وأهميتها، ظلت في بؤرة اهتمامات هذا الواقع الدولي، الذي ظل يترقب وصول أول رئيس منتخب عقب يناير 2011، ليراقب ويدرس ويتخذ من الإجراءات ما يتناسب مع ويترتب علي توجهات هذا النظام القادم برئيسه المجهول بالنسبة للعالم، وسياساته الغامضة حتي يكشفها أو يستكشفها الجميع معا، وربما لذلك حبس الجميع الأنفاس مع إعلان فوز الدكتور 'محمد مرسي' القادم من بين كوادر جماعة 'الإخوان المسلمين' بسباق الرئاسة، وانتظر الجميع قراراته وتحركاته علي المستويين الداخلي والخارجي، وهي القرارات والتحركات التي كان لها تبعات اختلف حولها البعض، ولكن ما سيعنينا هنا تحركاته علي مستوي السياسة المصرية الخارجية، التي ارتبطت في بعض أطوار تشكلها - كما يعتقد البعض - بالشأن الداخلي، ولامست سياساته حسب الحاجة.. فعقب تولي الرئيس 'مرسي' بأيام، وخلال الأسبوع الثاني فقط من حكمه بدأ نشاطه الخارجي بسلسلة من الزيارات للدول، افتتحها بزيارة للمملكة العربية السعودية، وهي الزيارة التي يمكن وضعها تحت عنوان عريض هو 'التطمين'، فقد كان وصول أحد كوادر الإخوان المسلمين لقمة السلطة في مصر يبدو مخيفا لأنظمة كثيرة، علي رأسها أنظمة دول الخليج بتاريخها الصراعي الكبير مع الجماعات ذات التوجهات العقائدية المتشددة، ولعل هذا كان أحد الروابط بين هذه الأنظمة والأنظمة التي سقطت بقدوم ما سمي ب 'الربيع العربي'، ولهذا فقد خرج 'مرسي' متعجلا ليقدم نفسه في عباءة الاعتدال، وليطرح نفسه بديلا لنظام الرئيس السابق 'محمد حسني مبارك' والذي تمتع بعلاقات وصفت ب 'الممتازة' مع هذه الدول، ولكن د.'مرسي' لم يفكر في تخوفات هؤلاء وتشككاتهم حول خطواته السابقة.. بل واللاحقة أيضا.. وربما لذلك لم يعد من هذه الزيارة بما كان يطمح، فقد عاد بلا دعم حقيقي يستطيع إعلانه علي الجميع، فبالرغم من أنه تحدث بنفس لغة النظام السابق عندما قال إن الأمن القومي المصري ممتد من الشمال والجنوب الإفريقي إلي الخليج، وعندما أكد: 'إذا كانت السعودية هي الراعية لمشروع أهل السنة والجماعة، ذلك المشروع السني الوسطي المعتدل، فإن مصر حامية لهذا المشروع وما بين الراعي والحامي نسب وصهر '، بل وتحدث بنفس أفكارهم آنذاك حول سوريا، وضرورة إيقاف المذابح التي تحدث هناك وإيجاد آلية لذلك، حتي وإن تناقضت بعض كلماته مع إطروحاته، كقوله وهو يرسل برسالة تطمينية لدول الخليج المتوجسة من تصدير الثورة ورغم أنه كان مؤيد آنذاك لطرف ضد آخر في سوريا: 'تعلمون أن الإسلام والمسلمين يحتاجون إلي الوحدة وإلي النموذج والقدوة ولم الشمل دون أن تتدخل دولة في الشئون الداخلية للدول الأخري'، وبالرغم من ذلك لم يتحقق له شيء، فلم تنجح محاولاته في تطمين وطمأنة أنظمة الخليج المترقبة، التي راقبت عن كثب أيضا علاقاته بالإمارة القطرية الخارجة عن السرب! وهنا ربما كان من الضروري أن يبحث عن انتصار علي صعيد السياسة الخارجية، فكانت زيارته لإثيوبيا، في محاولة لتحقيق إنجاز بإزالة العقبات التي تمنع من دفع العلاقات المتوترة بين البلدين للأمام، وهي العقبات الصعبة التي تجسدت في مشكلة من أعقد المشكلات وهي مشكلة 'المياه' وحصة مصر من مياه نهر النيل، ولكن هذه الزيارة وبالرغم من أهميتها فإنها لم تحقق النجاح المأمول، فلم تقدم شيئا ملموسا يستشعره المواطن والمراقب بسهولة، لأن مثل هذه المشكلات يحتاج العمل علي حلها إلي وقت قد يطول أكثر مما يتصور الرئيس، ولكنها كانت بداية في الاتجاه الصحيح نحو تحسين العلاقات بجيران أهملتهم السياسة المصرية لسنوات طويلة حسبما يري البعض، ورغم محاولات إرسال رسائل التطمين، إلا أن هذه الرسائل انعكست بشكل محبط علي الرئاسة، فأي محاولة للضغط هنا علي شركاء النهر تعني الضغط بالمال والمشروعات وتوفير البدائل، ولذلك ربما جاءت زيارة الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والدولة الأولي في اصطياد الاستثمارات بكل أنواعها، والأهم أنها الدولة الداعمة والممولة للمشروع الأثيوبي 'سد الألفية'، ما يعني امتلاكها أوراق مهمة يمكن طرحها علي الطاولة السياسية.. وربما يكون هذا هو السر وراء الزيارة وتوقيتها آنذاك، وإذا كان الدعم المادي والسياسي لملف المياه هو الغاية، فيبدو أن الزيارة لم تحقق هدفها الأهم، حيث قدمت الصين لمصر منحة بقيمة 450 مليون يوان صيني لتنفيذ مشروعات مشتركة، وقرض بمبلغ 200 مليون دولار فقط، مع توقيع 7 اتفاقيات في مجال: ! إنتاج البتروكيماويات والطاقة الجديدة والمتجددة والنسيج والأدوية والكهرباء والسيارات و 'تحلية المياه'، أما إذا كانت غاية الزيارة - حسبما يقول البعض - هي الخروج من العباءة الأمريكية وتحقيق التوازن في السياسة المصرية فربما تكون بعض النتائج قد تحققت، ولكن بدرجة لم تصل إلي المأمول، في ظل التشكك الشرقي من علاقة النظام الجديد في مصر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي بدت متداخلة ومتفاهمة إلي حد كبير مع نظام د.'مرسي' في أيام حكمه الأولي.. ثم جاءت العلاقة مع النظام الإيراني لتضرب بكل كلمات الرئيس حول أمن الخليج عرض الحائط، وهنا اشتعلت المعركة بين نظام د.'مرسي' ودول الخليج، وعلي رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة التي لاتزال إيران تحتل بعض جزرها، إلي جانب تحسس هذه الدول من المد الشيعي والتيارات العقائدية عموما، مع تنامي النفوذ الإخواني فيها بشكل بدا وكأنه مفاجئ، ومن ثم أعلنت الحرب علي تلك الجماعات، والأنظمة الداعمة لها وفي مقدمتها - كما يبدو - نظام د 'مرسي'، الذي استمر في زياراته الخارجية بحثا عن الدعم المادي والسياسي للنظام المصري، لدولة صار يهددها شبح الإفلاس، فكانت زيارات بلجيكا وإيطاليا والأمم المتحدة بنيويورك، ثم تركيا ونظامها العلماني 'ذو المرجعية الإسلامية المموهة' والمشابهة لمرجعية نظام د.'مرسي'، والتي شكلت مع نظامه تحالفا منذ أيامه الأولي في الحكم فقدمت حزمة قروض إنقاذية، ثم جاءت زيارة أوغندا ثم ألمانيا التي لم تحمل نتائج إيجابية يمكن ذكرها، ثم كانت زيارة باكستان والهند ربما للأسباب نفسها.. وجاءت زيارة جنوب إفريقيا للالتقاء بمجموعة دول البريكس الاقتصادية، علي أمل الاستفادة من هذا التجمع الاقتصادي المهم، وتنبيه دوله بأهمية مصر وموقعها وسبل الاستثمار فيها، ثم كانت زيارة قطر التي قدمت حزمة مساعدات وقروضا اعتمد عليها نظام الرئيس 'مرسي'، الذي توافق معها في الرؤي حول الأزمة السورية علي طول الخط، حتي كانت زيارته لروسيا التي خرج بعدها ليعلن أن مصر وروسيا تتفقان حول الأزمة السورية، متبنيا الموقف الروسي الداعم في حقيقته للنظام السوري، الذي سبق أن شجع النظام المصري الحالي علي 'خلعه'، ولكنه عاد هنا ليتفق مع روسيا في مقابل دراسة استعادة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والتي انتهت منذ عقود قبيل حرب أكتوبر عام 1973، وهو ما يعني - في الحالة الايجابية - المساهمة في بناء مفاعلات نووية ومنح مصر تكنولوجيا متقدمة في صناعات مختلفة، بجانب توفير محاصيل مهمة ووقود تحتاجه مصر، لاستكمال الاحتياجات النوعية التي سبق أن سعت مصر لتأمينها خلال الزيارة التي قام بها الرئيس 'مرسي' للسودان قبل أن يتجه إلي روسيا، وأخيرا البرازيل، وهي الزيارات التي يمكن أن نطلق عليها بمجملها زيارات استكشافية، يستكشف بها الرئيس محيطه العالمي 'المجهول'، ويقدم نفسه وتطميناته إلي دول العالم التي يبدو أن كثيرا منها لايزال متشككا حتي الآن.. مواقف متذبذبة متضاربة المتابعون لسياسة الرئيس المصري 'محمد مرسي' الخارجية، ربما يصيبهم نوع من الحيرة، فسياساته لا تبدو واضحة مثلها مثل زياراته الخارجية التي تأتي بلا مقدمات منطقية، تجعله يطير من أقصي الشمال لأقصي الجنوب، ومن أقصي الشرق لأقصي الغرب، ولعل هذه الحركة النشطة تثير كثيرا من التساؤلات حول مستقبل السياسة المصرية الخارجية، في ظل مثل هذه التحركات والرسائل التي لا يستطيع كثيرون تفسيرها بسهولة، وكأنها رسائل هيروغليفية، ربما لتناقض بعضها، وتغيرها بين تارة وأخري، في ظل ارتباطها بعوامل متعددة، منها عوامل اقتصادية تتمثل في معاناة الواقع المصري الطالب لكل أنواع الدعم والمساعدة، وسياسية داخلية تتمثل في تفاعلات القوي المختلفة وعدم الاستقرار الذي يعد الضامن الأساسي للأمن والتنمية، بالإضافة إلي العوامل الإقليمية والدولية المؤثرة بلا شك في سياسات وتحركات أي دولة.. وإذا استعرضنا سياسة مصر في مختلف القضايا منذ تولي الرئيس 'محمد مرسي' لمقاليد الحكم في 30 يونيو 2012، سنجد ما يلي: - ركزت سياسة د 'مرسي' الخارجية علي ملفات سيطر عليها الاقتصاد، فبذل جهدا مضاعفا في الاقتراض والبحث عن قروض لتعويم الواقع المصري، دون أن يبدو جليا بذل جهد مماثل لإيجاد حلول وبدائل مناسبة، وحتي عندما فكر في الأمن الغذائي فكر فيه من منطلقات اقتصادية، وفي واقع الأمر فإن ذلك لا يشكل خلالا في الفكر السياسي للنظام بقدر ما هو تجاهل لزوايا مهمة في المشهد، فمثلا عندما اتجه للسودان اتخذ الخطوة باعتبارها وسيلة جيدة لتحقيق الأمن الغذائي في المقام الأول، قبل أن ينظر إليها باعتبارها عمقا استراتيجيا ومهما لمصر، وعندما توجهت سياسته للعراق تعامل معه باعتباره مورد بترول يقدم تسهيلات، دون أي اعتبار لشرعية نظام بغداد أو لمعاناة الشعب العراقي، وتعامل مع كل ذلك باعتباره شأنا خاصا بكل دولة ولا يؤثر علي الأمن القومي المصري، وحتي الوضع الليبي غير المستقر علي حدوده تعامل معه وكأنه حدث عادي لا يشكل خطورة علي الأمن القومي المصري.. - تذبذبت مواقف د 'مرسي' حيال سوريا، فتارة يعلي من نبرته ومواقفه ضد النظام السوري داعما الثورة المسلحة، وتارة أخري يقر بالحلول السلمية، يتحدث في القاهرة بنبرة عنيفة ضد النظام السوري، وفي إيران ينتقد نظام 'الأسد'، وفي الصين حليف هذا النظام يتجنب الملف السوري من الأساس ويهدئ من نبرته، وفي روسيا أهم حلفاء 'الأسد' تختلف مواقفه وتتحول إلي النقيض تماما فيقر ما تقره موسكو! - في إطار العلاقات المصرية الإيرانية يقترب حينا - ربما - تحت ضغوط الحاجة الاقتصادية الملحة، ويبتعد حينا آخر تحت الضغوط الشعبية المصرية، بالإضافة إلي الضغوط الخليجية التي لم تقدم حتي الآن كامل ما وعدت به مصر من مساعدات قبل تولي 'مرسي'، متمثلا فيما يزيد علي 20 مليار دولار، نصيب السعودية منها نحو 4 مليارات دولار، والكويت نحو 3 مليارات دولار، وقطر نحو 10 مليارات دولار، والإمارات العربية المتحدة نحو 5 مليارات دولار، في وقت تظهر البيانات الاحصائية أن من بين نحو 57 مليار دولار هي حجم الاستثمارات الخارجية في مصر خلال عام 2011، كان حجم الاستثمارات الخليجية فيها نحو 51 مليار دولار، وفي النهاية تراجعت سخونة العلاقات في مختلف الاتجاهات، دون تحقيق ربح ملموس للدولة المصرية من العلاقة الإيرانية في مقابل العلاقة الخليجية.. - وبينما تبدو العلاقات المصرية الإسرائيلية باردة علي المستوي الشعبي المطالب بقطعها، وبإعادة النظر في معاهدة السلام، تتحدث التقارير الإعلامية بالكيان الصهيوني عن تنسيقات علي مستوي متميز من التعاون المخابراتي، كما حرص نظام 'مرسي' علي التأكيد في أكثر من مناسبة، علي إرسال رسائل واضحة لكل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل والمجتمع الدولي علي احترام معاهدة السلام.. - يبدو بوضوح تخلي نظام د 'مرسي' عن العلاقة مع القطب الواحد في النظام الدولي، متمثلا في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولهذا ربما اتجه إلي إقامة علاقات مع القوي الصاعدة ممثلة في الصين وروسيا والبرازيل بما يضمن التوازن وعدم التبعية، ولكن هذا الدول أو غيرها في عالم السياسة لا تقدم شيئا بلا ثمن.. - إذا كانت الثورة هي فعل ينطوي علي التغير الجذري، فإنه لا يمكننا حتي الآن الإقرار بتغير ملامح سياسة مصر الخارجية سواء مع الولاياتالمتحدة أو دول الاتحاد الأوروبي، حيث ظلت الولاياتالمتحدة في الصدارة حتي وإن لم تقدم لنظام 'مرسي' الدعم الكافي للاستمرار، ولكن ذلك قوبل برسائل كانت واضحة أكثر مما ينبغي في زيارات قام بها 'مرسي' لكل من الصين وإيرانوروسيا، متخليا عن منطق الرسائل الهيروغليفية المفقودة، ليبرز أيضا تمسكه بعلاقات خاصة مع واشنطن، حيث استقبل مبعوثي الإدارة الأمريكية علي مختلف المستويات وفي كل الأوقات، فيما صارت القاهرة محطة أساسية لزيارات وزيرة ثم وزير الخارجية الأمريكية ووزير الدفاع أيضا.. - حدث تغير كبير في الموقف المصري من طرفي الصراع الفلسطيني - الفلسطيني بتولي الرئيس 'مرسي'، فتحولت العلاقة الفاترة بين مصر وحركة حماس إلي علاقة حميمة، مقابل علاقات فاترة بالسلطة الفلسطينية، رغم تأكيد نظامه الوقوف علي مسافة واحدة من كلا الفريقين، دون إبداء أسباب واضحة حول هذا التغير سوي اعتبار 'حماس' أحد أجنحة حركة 'الإخوان المسلمين' في فلسطين.. - بالرغم مما يعكسه ظاهر النهج السياسي الخارجي للرئيس 'مرسي'، الذي يميل إلي تحقيق عمل دبلوماسي أكثر استقلالا وتوازنا، فإنه قد يشير أيضا إلي محاولة كسب المزيد من المساعدات من دول أخري لتحسين الوضع الاقتصادي دون الاكتفاء بالحلفاء القدامي، خاصة في ظل اتباع واشنطن مثلا لسياسة تقارب ومساعدات مشروطة، وحيث أنه من المستبعد أن تقدم الأخيرة ما كانت تقدمه لنظام 'مبارك' من مساعدات، فإنه لن تحل أي دولة محل الولاياتالمتحدة بالنسبة لحجم مساعدتها لمصر، لذلك يري المراقبون أنه من الضروري أن تعزز مصر علاقاتها الدولية مع الجميع دون أن تهمل واشنطن، ما يمنحها استقلالا ظاهريا قد يصب في صالح استعادة دور مصر المحوري والمؤثر، أو قد يقضي عليه إذا لم تتمتع دبلوماسيتها بمزيد من الحرفية.. - لعل من الملفت أيضا أن علاقات وتوجهات د 'مرسي' الدبلوماسية لم تراع دول مهمة بالنسبة للسياسة المصرية، فلم يدرج علي خطته السياسية الخارجية حتي الآن تعزيز العلاقات بين دول مثل سويسرا وإسبانيا وبريطانيا وهي تضم أموال مصرية مهربة باعتراف هذه الدول المتقاعسة عن إعادة تلك الأموالا، بالإضافة إلي دول عربية مهمة لها علاقات تاريخية مع مصر كالإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان واليمن والبحرين.... ليستمر الرئيس في عمله بدأب، يرسل رسالة للتطمين هنا، فتتحول إلي رسالة تبعث علي الشك والتشكك، يرسلها بلغات مختلفة، فتتحول - ربما دون قصد - إلي الهيروغليفية، فلا يفهمها أحد، لتستمر المأساة.. [email protected]