تفاوتت الآراء حول زيارة الرئيس د. محمد مرسي للولايات المتحدة الرسمية الأولي والمنتظر أن يقوم بها عقب انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد, خاصة في شأن جدوي اقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين. هناك من يري أن اقامة منطقة التجارة الحرة باتت قضية ملحة لم تعد تحتمل التأجيل وبين معارض لها بشدة,ومن يري أن العلاقات المصرية الأمريكية تسير علي نفس نهج النظام السابق ومن ثم لم يطرأ عليها تغيير ومن يري أن نجاحات الرئيس مرسي الخارجية خلال الشهرين الماضيين تقطع بقدرته علي صياغة علاقة جيدة مع الولاياتالمتحدة سواء فاز رومني,أو بقي أوباما رئيسا لفترة ثانية. في البداية يري السفير د.جمال بيومي' الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب' أن الأجواء ليست مواتية خاصة للجانب المصري,ويشير الي أن هناك من المصريين من يري أن اتفاقية الكويز تكفي وأنها' غاية المراد من رب العباد'.لكن السفير جمال بيومي يؤكد رغم ذلك علي أنه آن الأوان للتفاوض حول اقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين معتبرا أن الأجواء مواتية لها اليوم,ويدعو الجانب المصري للاصرار علي ضرورة البدء في المفاوضات الخاصة بها, وأن يكون ابرام هذه الاتفاقية واقامة المنطقة هدفنا الأول من وراء هذه الزيارة, خاصة أن دولا ليست في وزن مصر ولا مكانتها أقدمت علي ابرامها منذ سنوات طويلة. ويدعو الحكومة الي ضرورة أن تسأل أهل الذكر في شأن جدوي هذه المنطقة وأن تذاكر لها جيدا, ويؤكد أن مصر لم تحضر ملفاتها ولم تأخذ هذا الأمر بالجدية اللازمة حتي اليوم برغم ما جري من تغييرات في الدولة ويشير الي أن أهمية الاصرار علي اقامة منطقة التجارة الحرة تنطلق من كونها تحبط الادعاءات الأمريكية حول عدم جاهزية مصر وغياب الحكم الديموقراطي بها, وكذا لمآخذها علي سجلها في حقوق الانسان. ويشير الي أن هناك دولا أقدمت الولاياتالمتحدة علي اقامة مناطق تجارة حرة معها مثل البحرين والأردن وعمان والمغرب لم يكن سجلها في حقوق الانسان أحسن حالا من مصر, ويؤكد أنه سواء فاز أوباما أو رومني بالرئاسة للفترة المقبلة فان الكرة تبقي في ملعب مصر وليس الطرف الآخر لأخذ هذا الأمر بالجدية اللازمة. وفي ذات الوقت يحذر السفير جمال بيومي من أي توجهات لتوسيع اتفاقية بروتوكول الكويز لتشمل منطقة الصعيد, ويعتبر أن هذا التوجه من شأنه أن يدمر الصناعة المصرية, نظرا لأن نسبة كبيرة من مكونات السلع المنتجة أجنبية' أمريكية أو اسرائيلية' ثم تحصل علي شهادة منشأ علي أنها مصرية الصنع. غير أن الدكتور مصطفي كامل السيد' رئيس مركز دراسات الدول النامية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية'يقف في اتجاه آخر حيث يعترض من خلاله علي اقامة منطقة التجارة الحرة ويري عدم وجود أي جدوي من ورائها للاقتصاد المصري, ويؤكد أن أضرارها أكبر كثيرا من منافعها. ويعلل وجهة نظره تلك بعدم قدرة الصناعة المصرية علي الصمود أو المنافسة في مواجهة نظيرتها بالأسواق الأمريكية سواء المحلية أو حتي القادمة من الدول الآسيوية الناهضة اقتصاديا. ويقول أنه لا يعرف ما إذا كان الرئيس سيتبني هذا التوجه أم لا ؟ لكنه يري أن الوقت الراهن ليس مواتيا للحديث عن هذه المنطقة أو المطالبة بها في ظل عدم توافر الأسس اللازمة من اصلاحات وتشريعات خاصة بحماية الملكية الفكرية والاصلاحات الضريبية وغيرها. ويعتقد د. مصطفي كامل السيد أن السياسة الخارجية تجاه الولاياتالمتحدة والعلاقات معها في عهد الرئيس مرسي لم يطرأ عليها أي تغيير ملموس عما كان الحال عليه في عهد الرئيس السابق المخلوع' حسني مبارك'.ويدلل علي ذلك باعلان مصر في عهد الرئيس مرسي التزامها باتفاقية كامب دافيد والعلاقات مع اسرائيل, وحرصها علي علاقات وثيقة مع الولاياتالمتحدة مما يعكس أنه لا يوجد أية تغييرات بها,كما يستبعد أن يطالب الرئيس مرسي من الادارة تغيير سياساتها سواء تجاه مصر أو تجاه اسرائيل, ربما طالبها بالسعي الي ايجاد حل للقضية الفلسطينية. كما أنه سيجري علي الابقاء علي المساعدات العسكرية كمنحة لا ترد ولن تتجاوز مواقف الادارة الأمريكية سوي بعض الوعود وخطابات التطمينات التي سئمنا تكرارها, وعموما الأمر سيتوقف علي من سيفوز بالانتخابات المقبلة؟. ويري د.السيد أن فوز رومني سيزيد من مشقة وثقل المهمة أمام الرئيس المصري,لأن هذا سيعني مطالبته بالعديد من الاصلاحات في مجالات محددة خاصة تجاه حقوق الأقليات' القبطية والبهائية' وكذا اطلاق العمل أمام منظمات المجتمع المدني,ولن ينفع أي ادعاء أو مبرر باحترام مصر للحريات في ظل النظام الجديد بعد الثورة, لكن الأمور لن تصل في كل الأحوال الي تهديد رومني بقطع المساعدات أو تخفيضها. أما الدكتور محمد مجاهد الزيات' نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط وأستاذ العلوم السياسية'فيغوص أكثر في مختلف جوانب هذه العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية يشير في مستهلها الي أن الرئيس يتناول القضايا السياسية التي تتعلق بالأوضاع في المنطقة.ويري د. الزيات أن الملف الاقتصادي سيشهد تناول العديد من القضايا التي تتفرع منه من بينها الوعد الأمريكي بالغاء مليار دولار,الذي تتمسك مصر باسقاطه,بينما الموقف الأمريكي من هذه المسألة يتسم بالتلكؤ والغموض.كما أن هناك ملف مبادلة الديون حيث يري الجانب الأمريكي بأن تكون عبر مشروعات معينة تضمن بقاء الشركات الأمريكية واقامة تعاون طويل المدي في مصر حتي يظل السوق مفتوحا أمام منتجاتها وشركاتها, بينما تتمسك مصر بضرورة اعادة صياغة هذه الديون بما لا يشكل عبئا علي كاهل الاقتصاد وعلي ميزانيتها. كما تتمسك الولاياتالمتحدة بتوفير ضمانات وتطمينات لاستقدام شركاتها واستثماراتها الي مصر,وهو ما تجلي بوضوح خلال زيارة الوفد الاقتصادي الأمريكي الأخير للقاهرة خاصة حيال مدي استتباب الوضع الأمني ودور الدولة في الاقتصاد, استمرار التشريعات التي تتسبب في وضع عراقيل أمام المستثمرين مثلما جري من قرارات بعد الثورة. وتعرض د. الزيات لاتفاقيات الكويز وقال إن هناك تيارا عريضا في مصر يدعو الي ضرورة تقليصها,بينما هذه القضية تواجه برفض أمريكي واصرار شديد علي استمرارها,وأن تكون اسرائيل طرفا أساسيا بها للتأكيد علي تواجدها في المنظومة الاقتصادية للمنطقة كجزء من هذا الاقليم. وفي شأن منطقة التجارة الحرة يري د. الزيات أن هذه القضية مطروحة بالفعل منذ سنوات طويلة, وبالرغم من استكمال كل ما يتعلق بها لكن تظل المفاوضات بشأنها أو التوصل اليها محل شك كبير, نظرا لأنها تتطلب شهادة حسن سير وسلوك للاقتصاد المصري, ويعتقد أنه ما زال هناك متسع من الوقت للاقدام علي هذه الخطوة لكونها تحتاج الي تشريعات معينة. ويقول د. الزيات: أننا لا نريد منطقة تجارة حرة مع الولاياتالمتحدة من أجل فتح الأبواب أمام تدفق السلع والبضائع الأمريكية مثلما جري خلال بداية الانفتاح الاقتصادي أو بمنطقة بورسعيد,وانما نريدها منطقة تقوم علي صناعات كبيرة في مصر بالاستفادة من التكنولوجيا الأمريكية خاصة في ظل ميزة توافر العمالة المصرية بأسعار رخيصة, كما أن من شأن هذه المنطقة واقامة الصناعات الضخمة بها أن يتم تصدير منتجاتها لأسواق الدول المجاورة في أفريقيا وغيرها, بالتالي فان الحديث عن المنطقة الحرة يحتاج الي توافر شروط وسؤال أهل الذكر ولا مانع من أن تتم علي مراحل. وفي شأن التعاون العسكري يؤكد أن هذه القضية ذات أهمية كبيرة للجانبين, ويعتبر أن الحديث عن أي ضغوط داخل الكونجرس للمساس بها لا يثير أي قلق أو مخاوف بالنظر الي أن الولاياتالمتحدة ذاتها تعتبر في هذه المساعدات المنفذ الباقي لضمان بقاء الجيش المصري ضمن منظومة التسليح الأمريكي, ومن ثم لا تريد تحررا له بدليل عودة المناورات المشتركة بين الجانبين,كما أنها هي الأحرص علي بقاء هذه المعونة أكثر من مصر ذاتها لكونها تصب في مصلحة الصناعة العسكرية الأمريكية واللوبي الضخم الذي يستفيد من هذه الصناعة. لكن السفير د. محمد شاكر' رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية' يبدي تفاؤلا أكثر تجاه زيارة الرئيس مرسي القادمة للولايات المتحدة بالنظر الي أنه عاش وعمل بها لسنوات طويلة,ومن ثم فهو يفهم طبيعة الأمريكيين جيدا ويفهم أيضا كيفية التعامل معها. يضيف: كما أن الرئيس خلال زيارته المقبلة'الرسمية'بعد انتخاب الرئيس يذهب اليها مدعوما بمواقف اتخذها قبل سفره علي صعيد سياساته الخارجية, ويثق في دعم ومساندة الولاياتالمتحدة للتيارات الاسلامية المعتدلة, ويدرك عدم ارتياح واشنطن للتيارات المتشددة سواء كانت من أقصي اليمين أو أقصي اليسار. ويري د. شاكر أنه لابد أن تكون القضية الفلسطينية علي رأس اهتمامات الرئيس خلال لقاءاته ومباحثاته في واشنطن,وأن يعرض الصورة كما يراها المصريون وليس كما يراها الأمريكيون, ويسعي الي ضرورة وجود موقف أمريكي ضاغط لأجل وقف سياسات الاستيطان والعبث الاسرائيلي. ويقر بأن هذه المشكلات تمثل بالفعل ألغاما أمام زيارة الرئيس لكنه يتعين عليه أن يبحث في كيفية التعامل معها والسعي الي تفكيكها وليس تركها أو القفز عليها كما كان يجري في السابق, ولا يمكن لأحد أن يتوقع أبدا أن يقفز الرئيس علي ملفات مهمة مثل القضية الفلسطينية, ويدلل علي ذلك بأنه منذ التحاقه بالسلك الدبلوماسي والعمل بوزارة الخارجية وعلي مدي العقود الماضية كانت ومازالت هذه القضية تمثل الاهتمام الأول لنا.*