ما مدى مصداقية الاتهامات التى وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للصين بالمسئولية عن انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)؟.. ما خلفياتها، وأبعادها؟!.. هل بكين مسئولة فعلًا؟.. هل هناك أدلة علمية تؤكد هذه الاتهامات؟ ما مدى مصداقية المزاعم المتعلقة بمراكز ومختبرات الصين العلمية بمدينة «ووهان» عن تمدُّد الفيروس عالميًّا؟ ماذا عن مدى ضلوع المأكولات غير التقليدية التى تباع في الأسواق الصينية في انتقال الوباء القاتل؟ لقد غطت أرقام الوفيات والمصابين في الولاياتالمتحدة على اتهام الرئيس دونالد ترامب بالتقصير في مواجهة الفيروس، وعدم سرعة التحرك لمواجهته في بداية الأزمة، والتباهي بقدرة بلاده على حسم ملف التعامل مع الوباء، وعندما أفلت الزمام من يده راح يطلق الاتهامات في كل اتجاه. ويحاول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الخروج من ورطة كبرى قبل انتخابات الرئاسة المرتقبة نهاية العام الجاري، وضعه فيها فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) بعدما استأثرت بلاده بربع عدد الوفيات عالميًّا، حيث تجاوزت حالات الوفاة في الداخل الأمريكي نحو 50 ألف حالة، فيما حذرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مرضى الفيروس من تناول أدوية الملاريا التي يروِّج لها ترامب!! وشرع ترامب في توزيع الاتهامات في كل اتجاه، وتلاقت توجهاته مع ما تروِّجه جهات فاعلة عالميًّا، من اتهامات تحاول استغلال فيروس كورونا فرصةً لتحقيق أغراضها الخاصة، وقد لفت أستاذ الشئون الدولية بجامعة جونز هوبكنز، «هال براندز»، إلى أن «الولاياتالمتحدة لا تستطيع أن تتحرك بشكل جيد في العالم إذا لم تكن على ما يرام في الداخل، وأن تعثرها مؤخرًا بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد (51 ألف حالة وفاة.. و889 ألف إصابة)، يعرقل تحركاتها على جبهات عدة: الشرق الأوسط، أوروبا الشرقية، شرق آسيا». كما أن الدمار الذي أحدثه الوباء داخل الولاياتالمتحدة يثير حالةً من الذعر، بحسب «براندز»، وكلما زاد الوقت الذي يكرسه كبار المسئولين في البيت الأبيض والبنتاجون ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي للتعامل مع تداعيات فيروس كورونا، قلَّ الوقت الذي يكرسونه للتعامل مع التحديات القائمة، ومن ثمَّ تحاول الولاياتالمتحدة توضيح أنها لم تخرج من اللعبة. ورغم محاولات استعراض القوة (إطلاق قاذفات بي-52، بتتابع سريع من قاعدة أندرسون الجوية بجوام، كتحذير للصين وكوريا الشمالية)، فقد لاحظ جيش التحرير الشعبي الصيني أن فيروس كورونا «خفَّض بشكل كبير القدرة على نشر السفن التابعة للبحرية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ» بسبب حالة الفوضى الداخلية التى تعيشها الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتروِّج الولاياتالمتحدة أن الشؤون العالمية تعتمد على منافسة مستمرة بين القوى المتعارضة، وأنه ستكون هناك تكلفة طويلة المدى لسياسة الولاياتالمتحدة باستهلاك الكثير من الأموال التي يجب أن تسددها في نهاية المطاف- جزئيًّا من خلال الضغط على ميزانية البنتاجون، وإذا عانتِ الولاياتالمتحدة أو تعرضت لركود لفترة أطول، ستكون هناك آثار متتالية على مشاركتها في الخارج، وتُعَد صحة المواطنين والازدهار هما الركيزتين الأساسيتين للحكم في أمريكا، وعندما ينهاران، فسينهار النظام الذي تقوده أمريكا. وراحتِ الولاياتالمتحدة تعمل على تحميل أزمة تفشي الفيروس لطرف خارجي، ولم يكن أمامها أهم من الصين (المنافس الاقتصادي الأقوى) لتحمِّله المسئولية، سواء باتهامات مباشرة أو بتسريبات (متعددة الروايات والمزاعم، أو بمحاولة استغلال المؤسسات والمنظمات الدولية كالصحة العالمية، التى وجدت نفسها ضحية اتهامات بمحاباة الصين، وترويج وجهة نظرها في ملف فيروس كورونا، بل وتهديد المنظمة بالحرمان من التمويل الأمريكي لأنشطتها). ويبدو أن منظمة الصحة العالمية، تأثرت بجملة التهديدات الأمريكية التى تتعرض لها، حيث أقرت بأن «الحمض النووي لفيروس كورونا الجديد يشير إلى انتقال العدوى من الخفافيش، وقالت المسئولة البارزة في المنظمة، «ماي بول كيني»، إن «التحليل الوراثي لفيروس كورونا المتحور الجديد المتفشي في الصين يشير إلى أنه ربما يكون قد انتقل أصلًا من الخفافيش»، قبل أن تُمسك العصا من المنتصف وهى تقول: «ومع ذلك، لم يعثرِ الباحثون على عدد كبير جدًّا من الخفافيش في سوق المواد الغذائية في «ووهان» التي يُشتبه في أنها مركز تفشي المرض»! بدورها أكدت شبكة «فوكس نيوز» الأمريكية حقيقةَ الورطة التى تعيشها الولاياتالمتحدةالأمريكية، لدرجة أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تواجه صعوبات جمة في تحديد وتقييم وضع فيروس كورونا المستجد، وأن تفشي الفيروس القاتل «شلَّ وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية (CIA) كونها تواجه صعوبات جمة في تحديد وتقييم وضع الوباء، في دول مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية، إضافة إلى إيران، في ظل السيطرة الصارمة لأجهزة هذه الدول على المعلومات، لاسيما تفشي كورونا». وكشفت معلومات عن شروع الولاياتالمتحدةالأمريكية في إحداث «تغيير شامل في خطط كثير من أجهزة الدولة، لاسيما الاستخبارات»، بسبب جائحة فيروس كورونا ضمن عمليات موسعة لتقييم إمكانيات العناصر النشطة الخارجية، والداخلية أحيانًا، والتي من الممكن أن تؤثر بصورة سلبية على الاقتصاد أو الصحة العامة، وتتوفر في جائحة كورونا جميع فئات معايير العدو، لاسيما وأن التأثير الاقتصادي كبير للغاية، وقد أدى إلى محو النمو الاقتصادي الذي تحقق خلال الفترة الأخيرة، ورفع معدلاتِ البطالة إلى درجة قياسية. وسيكون هناك تحوّل جذري في نموذج العمل؛ لأن هذه هي المرة الأولى التي تضطر فيها أجهزة المخابرات، بشكل جدى، إلى تقييم عدو ليس بشرًا، بغضّ النظر عما إذا كان قد تم تجهيز الفيروسات عن قصد في إطار تعزيز الحرب البيولوجية، وليس لأي فيروس نقاط ضعف سيكولوجية يمكن استغلالها، ولا يخضع أي مرض لانتفاضة شعبية يمكننا التأثير عليها، والعدوى لا تمتلك هواتف يمكن اعتراضها أو تعقُّبُها، وليس لها مجمعات يمكن تصويرها بالأقمار الصناعية، أو تعاملات مالية يمكن رصدها، وليس هناك حارس يمكن تجنيده كجاسوس. ولأن القاعدة الأساسية في عمل الاستخبارات تعتمد على التفكير بطريقة العدو، يُتوقع توسع كبير للغاية في المركز القومي للمخابرات الطبية، التابع لوكالة المخابرات العسكرية التي تنفّذ عمليات تجسس لجمع معلومات استخباراتية عن مجموعة كبيرة من القضايا الصحية التي يمكن أن تؤثر على المصالح الأمريكية، وسيظهر نوع جديد من أولويات التوظيف للعمل في أجهزة المخابرات؛ حيث ستكون هناك حاجة لتوظيف أطباء وعلماء لهم خلفيات تتعلق بعلم الأوبئة والانتشار المستمر للأمراض. فرضية الحرب البيولوجية وردت في تصريح للرئيس الأمريكي بأن الولاياتالمتحدة تحقق فيما إذا كان الفيروس قد نشأ في مختبر «ووهان»، وتحدث عن الفرضية نفسها رئيس وزراء أستراليا «سكوت موريسون»، والرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون»، وألمانيا، والدول الاسكندنافية.. هذا فضلًا عن اقتناع رئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون» ورئيس البرازيل «جايير بولسونارو» بمسئولية الصين عن انتشار الوباء تباعًا. في المقابل، شدد رئيس المختبر الصيني، «يوان تشى مينج»، على أن «معهد ووهان ليس مصدر فيروس كورونا»، ورفض رئيس معهد علم الفيروسات بالمدينة اتهامات أمريكية تزعم بأن «فيروس كورونا قد نشأ داخل مختبر المدينة»، وقال فى مقابلة مع التليفزيون الحكومي: «نعلم بوضوح نوع أبحاث الفيروسات التي تتم في المعهد، وكيف يتعامل المعهد مع الفيروسات والعينات». وبحسب «يوان تشى مينج» فإنه «لم يُصَب أيٌّ من موظفي المختبر بالفيروس.. نتفهم لماذا تسرع الناس باستنتاجات بشأن معهدنا في «ووهان»، المدينة التي ظهر فيها الوباء أولًا.. هذا أمر سيئ عندما يحاول البعض تضليل الناس عن عمد.. الأمر كله يعتمد على التكهن.. لا يوجد دليل يثبت أن الفيروس صناعي». ولم يكنِ النفي صينيًّا فقط، حيث قالت عضو فريق العمل المعني بفيروس كورونا التابع للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، «ديبورا بيركس»، لشبكة «سي بي إس»: «ليس لديَّ أي دليل على أنه كان حادثًا مخبريًّا.. أصول الفيروس لا يزال يحيط بها الغموض.. نعرف أنه نشأ في الصين، لكن لا نعرف كيف وأين». وكان الرئيس الأمريكي، قد قال في وقت سابق إنه بصدد وقف تمويل منظمة الصحة العالمية، متهمًا إياها بممارسة «التعتيم» بشأن فيروس كورونا، والفشل في تعاملها مع الجائحة، وأن لدينا «واجبًا يتعلق بالإصرار على المحاسبة الكاملة»، وسوف نوقف التمويل بينما تجرى مراجعة لتقييم دور منظمة الصحة العالمية؛ لأن «دافعي الضرائب الأمريكيين يقدمون ما يتراوح بين 400 إلى 500 مليون دولار سنويًّا للمنظمة»، التى تسبَّب «سوء إدارتها الشديد والتعتيم بشأن تفشي فيروس كورونا في عدد كبير للغاية من الوفيات نتجت عن أخطاء المنظمة»، بحسب وكالة بلومبرج. وفي البداية، ردَّت منظمة الصحة العالمية على انتقاد الرئيس الأمريكي بشأن طريقة تعامل المنظمة الأممية مع تفشي فيروس كورونا المستجد.. مؤكدةً أنه «تم إطلاع البيت الأبيض على جميع المعلومات الخاصة بالوباء منذ اليوم الأول»، وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الإثيوبي، «تيدروس جيبرييسوس»: «لم نُخفِ شيئًا عن الولاياتالمتحدة.. الولاياتالمتحدة ليست الدولة الوحيدة التي لديها خبراء في المنظمة.. هناك دول أخرى لها ممثلون أيضًا، لكن هذا لا يعني أنهم يتمتعون بميزة على الدول الأخرى.. نعطي معلوماتنا للجميع... فهذا شرط مسبق للوقاية». من جانبها، تنبَّهت بكين مبكرًا لمحاولات التوظيف الغربية لمنظمة الصحة العالمية في تشويه الصين، وأكدت أنها «قلقة للغاية» بشأن قرار الولاياتالمتحدة تعليق تمويل المنظمة، التي تتهمها واشنطن بالفشل في تعاملها مع وباء فيروس كورونا المستجد، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، «تشاو ليجيان»: «المنظمة تضطلع بدور لا يمكن الاستغناء عنه.. الوضع الحالي للوباء العالمي قاتم ويمر بلحظة حاسمة.. القرار الأمريكي سيُضعف قدرة منظمة الصحة العالمية وسيقوِّض التعاون الدولي في الحرب ضد الأوبئة». إلى ذلك، دعا وزير الخارجية الروسي، «سيرجي لافروف»، المجتمعَ الدوليَّ للتركيز على مكافحة تفشي فيروس كورونا، بدلًا من مسألة تعليق الولاياتالمتحدة تمويلها لمنظمة الصحة العالمية، وأضاف لافروف: «أمريكا المساهم الرئيس في ميزانية المنظمة، بحسب الأرقام فإن الأمريكيين يشكلون غالبية الخبراء الذين يحددون أنشطة أمانة المنظمة، لاسيما من خلال وجودهم في المناصب العليا»..