يقول الكاتب الأمريكي توماس كروثر في صحيفة الواشنطن بوست 'إن إدارة أوباما الأمريكية اعتمدت، بعد الانتخابات الرئاسية في مصر الصيف الماضي، سياسة براجماتية تجاه الحكومة الجديدة التي يقودها الإخوان المسلمون، وكانت الرسالة الأساسية إلي الرئيس المصري محمد مرسي واضحة 'يجب احترام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، واحترام القواعد الأساسية للديمقراطية، بما سيدفع الحكومة الأمريكية للتعاون والمشاركة في الإنتاج المصري' وبذلك فقد خيبت أمريكا الإجتهادات الكثيرة التي افترضت أن الولاياتالمتحدة لن تقبل انتصار الإسلاميين في الانتخابات. ويضيف 'أن هذا النهج بدي مناسباً لبضعة أشهر، لم يظهر مرسي فيها أية علامات علي التشكيك في معاهدة السلام مع إسرائيل، وظل يعمل بشكل وثيق مع الولاياتالمتحدة لإنهاء تفجر العنف بين الاسرائيليين والفلسطينيين، وعلي المستوي المحلي أظهرت الحكومة الجديدة والقليلة الخبرة استعدادها للتعاون في مناسبات كثيرة، وإن كان توجه البلاد نحو الديمقراطية مازال يبدو غامضاً. ولكن في الأشهر الخمسة الماضية، بات الوضع السياسي في مصر باعثاً علي القلق، حيث انتشرت الاحتجاجات العنيفة في شوارع مصر، وانعدمت الثقة بين الحكومة وأحزاب المعارضة الرئيسية، كما سادت حالة من السخط العام، وتصاعدت التوترات الطائفية، ما صار ينبأ بإمكانية حدوث انقلاب عسكري. من المعلوم إن جماعة الإخوان المسلمين لم تخلق كل هذه المشاكل، إنها وقعت في مواجهة عنيفة، عند توليها السلطة، مع المشهد السياسي الصعب والوضع العسكري المكتئب، وكذلك المعارضة العنيدة والغير واقعية في أغلب الأحيان، ومع ذلك فإن تصرفاتها أدت إلي تفاقم الأوضاع. ما لا ينفي مشروعية بعض شكاوها ضد المعارضة الحقودة وجهاز الدولة العتيد. بدت سيطرة جماعة الإخوان المسلمون علي مؤسسة الرئاسة واضحة، فهي تعطيها أدواتها ومسؤولياتها بينما لا تشارك الجهات الفاعلة الأخري في ذلك، وقد أظهر الإخوان استعدادهم للانتشار أكثر من استعدادهم للإصلاح، ما يعمق الممارسات الاستبدادية الموروثة من الرئيس السابق حسني مبارك. ومن ذلك التسرع في وضع دستور جديد وتعيين النائب العام الجديد، علي الرغم من الاعتراضات القضائية المضنية والراسخة في القانون المصري. كذلك ضغط البرلمانيون الإخوان لفرض قيود جديدة علي المنظمات المدنية المستقلة. وذهاب أنصار جماعة الإخوان إلي المحكمة لمقاضية المنتقدين، وأحيانا نزولهم إلي الشوارع لمواجهة المعارضين بعنف. وفي الوقت نفسه، تواجه مصر مشاكل اقتصادية عاتية 'فهي إما أن تصل الحكومة لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بما يفرض تخفيضات مؤلمة في الانفاق العام، أو أن تفشل في التوصل الي اتفاق وتواجه عجزا المالية المدمرة'. فيما بدي واضحاً سعي إدارة أوباما لمساعدة مصر لتجنبها الوقوع في مشاكل إقتصادية عاتية، واستعدادها لتقديم مساعدات جديدة كبيرة اذا تم التوصل الي اتفاق مع الصندوق. كذلك يتمسك مسئولي إدارة أوباما بنظرتهم إلي جماعة الإخوان المسلمين والتي تقضي ' بأنها جماعة حسنة النية، برغم ضآلة خبرتها وكثرة عثراتها' ولكن تلك النظرة لا تناسب الحقائق التي تحدث علي الأرض 'فما جرت عليه عادة إدراة أوباما من تقليل خطورة ممارسات جماعة الإخوان المسلمين المعادية للديمقراطية، تجعل الولاياتالمتحدة تبدو غير مرنة وواهمة'. ينبغي أن تكون رسالة المسئولين في إدارة أوباما للقادة المصريين ' نحن قلقون للغاية بشأن الانتهاكات الخطيرة للمبادئ الأسياسية للديمقراطية والقانون، ولا يسعنا أن نكون شريك لكم في ذلك، وإنما نود أن نكون شريك لمصر في حاجة تهدف لتحقيق التطلعات الديمقراطية للمصريين'. إن وضع هذه الرسالة في إطار واقعي عملي يتطلب وضوحا أكثر في الاستجابة العامة للبيت الأبيض ووزارة الخارجية المسئولة عن انتهاكات القواعد الأساسية للديمقراطية وسيادة القانون، وسوف يعني هذا نهاية لتبرير الخطوات السياسية السلبية لجماعة الإخوان المسلمين، كما يجب علي الولاياتالمتحدة أن تشير إلي أن إمكانية تقديم مساعدات جديدة ليس معزول عن الواقع السياسي المصري الداخلي. لا ينبغي أن تقترن تلك الاستجابة الصارمة للولايات المتحدة مع احتضان المعارضة، بل ينبغي أن تستند السياسة الأمريكية في دعمها لمبادئ الديمقراطية الأساسية، وليس إلي اللعبة المفضلة. إن إعادة ضبط تلك السياسة يتطلب الانتباه إلي فارق بسيط وهو أن الاعتراض ليس علي الإخوان المسلمين، وإنما الولاياتالمتحدة لابد أن تسجل انحيازها دائماً للأكثر حسماً نحو الديمقراطية. ويجب علي إدارة أوباما –أيضاً- أن تكون واضحة في معارضتها الشديدة لأي تدخل عسكري في السياسة المصرية، وأنها ترفض اتهامها بتبني موقف معاد للإسلاميين في العالم العربي أو أن النشاط الإسلامي يؤرقها، وقد تبين حتي الآن أن واشنطن جادة بشأن المعايير الديمقراطية مع الجهات الاسلاميين الجديدة والفاعلة في السلطة، ما يمثل في نهاية المطاف علامة أكبر علي احترام الإسلاميين دون تبرير أوجه القصورلديهم وخفض توقعاتنا.