علي ضفاف نهر العدالة، يسطر قضاة مصر الشرفاء، ملحمة أسطورية، وخالدة.. يرفعون رايات الحق، والعدل، في وجه دياجير الظلام، وقراصنة العصر.. ينهلون من قاموس انحيازهم للعدالة، لصد غارات المستبدين، والقادمين من خلف قلاع الطغيان ، المشبعين بأحلام السيطرة، وهدم قيم الحق في ربوع مصر. بإيمانهم المطلق، برسالتهم الساطعة، بقيم إرساء العدالة، يتصدون للمتغولين علي الحق، ويواجهون هجماتهم في معركة، تمددت فصولها، وتبدلت ملامحها، غير أن رابط 'الاستبداد' والرغبة في انتزاع 'موازين العدل' كان العامل المشترك في كل ما جري. فعبر خطط شيطانية، يجري إعدادها بإحكام في مقرات 'الشر' المعادية، تتحرك الجيوش المسلحة بالإرهاب، في غارات متتابعة، وهجمات لا تتوقف، لإخراس صوت العدالة، وإسكات منصتها العالية. مجموعات منتقاة، يجري تجهيزها، وإعداد حناجرها الموجهة، بشعارات جوفاء، تنهل من قاموس السقوط، أردأ كلماته، وأفحش عباراته.. تتحرك صوب واحدة من قلاع العدالة، تنفث سمومها، وتلقي حممها، مطلقة سلاطة ألسنتها في وجه شرفاء الوطن، يأتون بأراذل القوم، وأكثرهم جهلاً وغوغائية، ليحاربوا بهم أصحاب القامات الرفيعة، والسلوكيات الراقية، والقلوب المحملة بآيات الصدق.. سدنة العدالة، وحماة القانون.. قضاة مصر النبلاء. فعلوها بإرهابهم المجنون، يوم حاصروا مجلس الدولة، وراحوا يرهبون محكمة القضاء الإداري، والإدارية العليا، لكي لا تصدر أحكامًا تعارض أهواءهم، وتناقض مصالحهم، وترسي مبادئ العدل في الأرض. يتذكر المصريون بألم، تلك الصور السوداوية، لمئات البرابرة، وهم يسدون طرقات الشوارع المحيطة بمجلس الدولة، يعتدون علي المارة، يعطلون مصالح الناس.. يلاحقون النشطاء، والمعارضين، ويذيقونهم من العذاب صنوفًا.. وتقبع في ذاكرتهم تلك اللحظات الكريهة، حين اقتحم 'الهمجيون الجدد' قاعات محاكم القضاء الإداري، يحاضرون قضاة الأمة في محراب عدلهم، يسمعونهم أقذع الألفاظ، وأردأ العبارات.. لا يتوانون عن التعريض بهم، وإهانتهم، في مشهد جري علي مسمع، ومرأي من حاملي لواء الحكم في هذا الوطن، وصناعهم في 'كهنوت المقطم' فلا صوت انطلق منهم احتجاجًا، ولا رفض أدركته مسامع القضاة، وكل من تابعوا هذا الفصل الأسود في تاريخ الوطن. ويوم حلت 'الطامة الكبري' بإعلان 'مرسي' الاستبدادي في الحادي والعشرين من نوفمبر للعام 2012، انطلقت 'ميليشيات العار' تخوض معارك شرسة لتحمي قرارات 'المستبد الظالم' والذي حاز لنفسه علي 'سلطات الإله' الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه. حاصروا ببربريتهم أعلي المحاكم، وأكثرها رفعة، أرهبوا قضاة المحكمة الدستورية العليا تاج القضاء المصري وفخره ومنعوهم من مجرد الوصول إلي مقر محكمتهم، ليحولوا بينهم وبين حل 'التأسيسية الباطلة' و'مجلس الشوري غير الشرعي'، وليستمروا في حصارهم الإجرامي، لأكثر من شهر، لا يستطيع قضاة المحكمة النبلاء ممارسة دورهم.. كبلوا إرادتهم عنوة، ووضعوهم رهن أغلال المنع والحصار، حتي أعدوا بليل دستورًا مشوهًا، أطاحوا فيه ببعض 'حماة العدالة' من داخل هيئة المحكمة وكانت المستشارة الجليلة 'تهاني الجبالي' هي 'رأس الذئب الطائر' وشكل البداية الفعلية لحرب تصفية القضاء المصري العظيم. كان من الغريب أن يتوهم بعض القضاة، أن حرب النظام الإخواني، وجرائم ميليشياته، ستتوقف عند حد اسقاط المستشارة 'تهاني الجبالي' من منصتها العالية، وإبعادهها عن الدستورية، وتصور بعضهم أن حرب تصفية القضاة ستتوقف عن الدوران، غير أن 'جعبة الإخوان' كانت تحمل من 'السهام المسمومة' ما يتجاوز حدود العقل والمنطق. وضعوا نصب أعينهم القلاع الحصينة، والإطاحة بالرموز البازغة، والشريفة، والرافضة لمحاولات الاحتواء.. امتدت حربهم الضروس إلي المستشار الجليل عبد المجيد محمود النائب العام الشرعي للبلاد، شنوا عليه هجومًا كاسحًا، أسقطه إرادة القضاة وجمعيتهم العمومية، فأعادوا تجميع أسلحتهم الفاشلة، لينفذوا جريمتهم البربرية عبر إعلانهم الاستبدادي غير الدستوري، ولينصبوا فوق كرسي النائب العام، شخصًا لا سند له، ولا شرعية، انحصرت كل مهامه في تنفيذ متطلبات السلطة، وتعليماتها، وأوامرها. استغل 'أهل الباطل' اختلال ميزان العدالة، وراحوا يتحدون الأحكام الصادرة لصالح النائب العام الشرعي، وأطلقوا حملة من البذاءات والإسفاف ضد قضاة مصر الشرفاء، وفي مقدمتهم المستشار أحمد الزند، رئيس نادي القضاة، والذي سوف يسجل له التاريخ، كيف تصدي بفروسيته، وبسالته للقراصنة، الذين انحصرت كل أهدافهم في انتهاك شر القضاء، واسقاط راية العدل. راح 'القراصنة' في حربهم الأخيرة يغمدون سيف الباطل في قلب السلطة القضائية، سنوا لأنفسهم قانونًا بغيضًا، تقدم به بعض أتباعهم، ومواليهم، إلي مجلس الشوري 'الباطل وغير الشرعي' وهدفهم الذي رفعوه بلسان أحد كبرائهم، هو 'تفوير 3500 من القضاة'. هكذا وصل الحال، بطريدي العدالة، أن يتجرءوا، ويسعوا لوأدها، ، وإخراسها، وإسقاط هيبتها، والإطاحة بأكثر قضاتها حكمة، وخبرة.. يخوضون حربًا مجنونة، لا تبقي ولا تذر، إن قدر لها أن تبلغ مراميها، ولكنها لن تبلغها بعون الله، وإرادة قضاة مصر الشرفاء، والذين انتفضوا في جمعيتهم العومية الأربعاء الماضي، ليلقنوا مصنع الشر في 'كهنوت المقطم' درسًا لن ينسوه في الشجاعة، ودحر الباطل. هي ملحمة بكل المقاييس، سوف تكتب فصلها الختامي بنصرة أصحاب الحق، ودحر الباطل وأعوانه، ينتصر القضاة في معركتهم الفاصلة، وسيتقهقر أعداء الوطن والعدل والإنسانية.. فتلك هي حكمة التاريخ، وإن غدًا لناظره لقريب.