بعد انحياز برهم صالح للمطالب الشعبية ورفضه للوصاية الخارجية.. تستغل إيران والأحزاب الموالية لها بالعراق الحالة الرخوة والاضطرابات المستمرة فى ممارسة السيطرة على مقدرات الشعب العراقى، بل وتحدى الشعبية، وسط رفض من الرئيس المستقيل «برهم صالح» أنه لن يقبل أى إملاءات وسينحاز لإرادة الشارع، فبدأت الحرب على «برهم صالح» لإجباره على أمرين، إما الانصياع لإرادة أحزاب إيرانبالعراق أو الاستقالة، وهو ما فعله «صالح» بتقديم ورقة للبرلمان أعلن فيها استعداده للاستقالة إذا لم تتحقق مطالب المتظاهرين. وبالرغم من تأكيد الكثير من المحللين أن هذه الورقة ليست استقالة فعلية، بل استعداد لتقديم الاستقالة، إلا أن أحزاب إيرانبالعراق اعتبرت أن هذه الورقة هى استقالة فعلية، وهناك اتجاه قوى داخل البرلمان لقبول هذه الاستقالة، حيث تعتبر الاستقالة مقبولة إذا مر على تقديمها للبرلمان أسبوع واحد، دون إعلان البرلمان أى رفض للاستقالة، وهو ما سيتحقق بالفعل لأن الفترة القادمة لن تشهد أى اجتماعات للبرلمان للبت فى الاستقالة بسبب عطلة الأعياد لاسيما أنه تم إعلان أول جلسة للبرلمان بعد أسبوعين من الآن وهو ما سيجعل الاستقالة مقبولة حكمًا. أسباب الأزمة وكان السبب الرئيسى فى اشتعال الصراع ضد «برهم صالح» هو إعلان الأخير انحيازه لمطالب المتظاهرين فى رفض المرشحين الثلاثة الذين تمت تزكيتهم من قبل الكتل السياسية المسيطرة على البرلمان العراقى، وأبرزهم «كتلة البناء» التى رشحت «أسعد العيدانى» لرئاسة الحكومة القادمة، فى تحد ثالث لرغبة المتظاهرين الرافضين لرجال إيران بالحكومة الجديدة، وهنا أعلن صالح أنه لن يرشح «العيدانى» وأنه على استعداد للاستقالة. ويقود تحالف «البناء» الموالى ل «هادى العامرى ونورى المالكى، وحزب الله العراقى»، حربًا شعواء ضد برهم صالح متهمين إياه بمخالفة الدستور، وعدم تطبيق المادة 76 والتى تقضى بأن يكلف الرئيس مرشح الكتلة الأكبر خلال 15 يومًا، كما اتهمته بالتهرب من المسئولية، وتجاهله لمرشح ما وصفوه بالكتلة الأكبر داخل البرلمان العراقى، رغم أن رئيس الوزراء العراقى السابق «عادل عبد المهدى» جاء بمخالفة صريحة للدستور فلم يتم ترشيحه من قبل الكتلة الأكبر بل جاء كمستقل من خارج الأحزاب السياسية وتم التغاضى عن ذلك. ووصل الأمر باتهام «برهم صالح» بالعمالة لجهات خارجية بعد رفضه للثلاثة مرشحين وهم عضو البرلمان «محمد شياع السودانى»، ووزير التعليم العالى فى الحكومة المستقيلة «قصى السهيل» بالإضافة ل «أسعد العيدانى». كما اتهم تحالف «البناء» الرئيس العراقى «برهم صالح» بتجاهل مرشح الكتلة الأكبر لاسيما بعد رسالة رئيس البرلمان «محمد الحلبوسى» التى وجهها للرئيس العراقى، وفيها أن تحالف البناء هو الكتلة الأكبر، وبناء عليه يقوم تحالف البناء بترشيح شخصية لرئاسة الوزراء. ودخل فى هذا السجال أيضًا «تحالف سائرون» برئاسة «مقتدى الصدر» والذى أرسل رسالة للرئيس برهم صالح مفادها أنه هو الكتلة الأكبر وليس تحالف «البناء». يذكر أن تحالف «البناء» يضم تحالفات «الفتح وبدر والعصائب والمجلس الأعلى الإسلامى وحركة الوفاء والتغيير، وحزب الله العراقي، وحركة 15 شعبان، وكتائب الإمام علي، وبعض الفصائل التابعة للطائفة الإيزيدية» ويرأسة «هادى العامرى» و«دولة القانون» برئاسة «نورى المالكى» و«العطاء» برئاسة «فالح الفياض» و«تحالف القوى العراقية» برئاسة «محمد الحلبوسي» والمحور الوطنى برئاسة «خميس الخنجر». كما يضم تحالف «سائرون» «حزب الاستقامة الوطني» برئاسة «حسن عبد الله عبادى عاقولى»، و«الحزب الشيوعى العراقي» وأمينه العام «رائد فهمى»، و«حزب الترقى والإصلاح» برئاسة «مضر غسان سامى شوكت»، و«حزب التجمع الجمهورى العراقي» برئاسة «سعد عاصم الجنابى»، و«حزب الدولة العادلة» برئاسة «قحطان عباس نعمان الجبورى»، و«الشباب للتغيير»، وبعض الأحزاب الأخرى. وكان قرار المحكمة الاتحادية بشأن الكتلة الأكبر وتفسير المادة 76 ملتبسًا، إذ لم يحدد الكتلة الأكبر بشكل قاطع، حيث انعقدت المحكمة فى 22 ديسمبر الماضى للبت بشأن الكتلة الأكبر، وجاء القرار « إن تعبير (الكتلة النيابية الأكثر عددًا) الواردة فى المادة (76) من الدستور، تعنى إما الكتلة التى تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، أو الكتلة التى تكونت بعد الانتخابات من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية، ودخلت مجلس النواب وأصبحت مقاعدها بعد دخولها المجلس، وحلف أعضاؤها اليمين الدستورية فى الجلسة الأولى، هى الأكثر عددًا من بقية الكتل، فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشحها بتشكيل مجلس الوزراء طبقًا لأحكام المادة (76) من الدستور وخلال المدة المحددة فيها». غضب شعب ويأتى موقف الرئيس «برهم صالح» برفض ترشيح «أسعد العيدانى» بعد اشتعال غضب الشارع بمجرد ذكر اسم «العيدانى» الذى يعد أبرز الأسماء التى شاركت بقتل المتظاهرين سواء فى البصرة بصفته محافظ البصرة، وحاليًا فى الشارع المنتفض حيث قطع المتظاهرون طرقات الناصرية والديوانية والحلة والكوت والنجف جنوبا وأغلقوا أغلب الدوائر الرسمية فى جنوبالعراق، وأدت الإضرابات إلى منع الموظفين من الوصول إلى أعمالهم، وإغلاق أبواب المدارس، كما تواترت أنباء عن حرائق مشتعلة داخل المنطقة الخضراء التى تضم معظم المقرات الرسمية ومنازل السياسيين والدبلوماسيين والسفراء، بالرغم من تزايد عمليات الخطف والاغتيال بقوة داخل ميادين التظاهرات. ورغم رفض الشارع العراقى المنتفض، والنواب الكرد، أقر البرلمان العراقى فى 24 ديسمبر الماضى قانون الانتخابات الجديد، حيث لم يتضمن القانون منع ترشيح الأحزاب التى تمتلك أجنحة مسلحة، ومزدوجى الجنسية، فضلًا عن تقسيم الدوائر الانتخابية إلى دائرة لكل 100 ألف نسمة، حيث يمثل نائب واحد كل دائرة انتخابية. القانون الجديد يتضمن تقسيم المحافظاتالعراقية إلى أكثر من دائرة انتخابية يطلق عليها «القضاء» وهو تقسيم إدارى داخل المدن، ويتمخض عن كل قضاء عدد من النواب بنسبة نائب لكل 100 ألف نسمة، فضلاً عن إلغاء القوائم واعتماد الترشيح الفردى. كما أنه تجاهل الأقضية ذات الكثافة السكانية الأقل ويتجاهل أصوات المهجرين وأصوات الخارج، بما يعنى تمثيلًا غير عادل للمواطنين العراقيين، كما أن هناك الكثير من الأقضية ما زالت مجهولة ولا تتبع أى محافظات وهى ذات كثافات سكانية أقل من 100 ألف، بالإضافة للأقضية التى تتبع إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها والتى ستمثل تحديًا كبيرًا لهذا القانون. وخرجت تظاهرات فى محافظات عدة تعبِّر عن رفضها القانون الجديد، عبر مسيرات حاشدة مطالبة بقانون التمثيل المباشر بحسب الكثافة السكانية.