أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، أن الشرق الأوسط لن ينعم بأمن ولن يعرف استقراراً حقيقياً دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في فلسطينوسوريا ولبنان وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، والتوصل إلي تسوية عادلة وشاملة للنزاع العربي الإسرائيلي. جاء ذلك في كلمة الأمين العام للجامعة العربية اليوم الخميس أمام مجلس الأمن حول ' تعزيز التعاون والشراكة بين مجلس الأمن والمنظمات الإقليمية ودون الإقليمية: التعاون بين مجلس الأمن وجامعة الدول العربية'. وقال أبوالغيط 'إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية كان وسيظل المصدر الأكبر لزعزعة الاستقرار وإذكاء التطرف في إقليم الشرق الأوسط وماوراءه'، منوها بمركزية القضية الفلسطينية في ذهن ووجدان العرب شعوباً وقيادات. وأضاف 'إن المنطقة تعج بالنزاعات والأزمات العميقة والتي قد يستعصي بعضها علي الحل، وهي نزاعات وأزمات كان لها عميق الأثر السلبي علي أجيال من أبنائنا الذين وقعوا فريسة للدوائر المفرغة من الغضب والإحباط '، مشيرا إلي أن معظم تلك النزاعات والأزمات موجودة علي جدول أعمال مجلس الأمن، ولكن مع الأسف ولظروف مختلفة، لم يتمكن المجلس، في بعض الأحيان، من اتخاذ مواقف واضحة في التعامل معها، أو من إنفاذ المواقف التي توصل إليها لتسويتها. وأشار إلي أن الوضع المعقد في سوريا دخل عامه التاسع دون بروز أفق حقيقي للحل السياسي الذي ظل المجتمع الدولي يطالب به منذ اندلاع الأزمة في 2011، وفي اليمن يظل الشعب اليمني هو الضحية لأزمة إنسانية تنجم أساساً عن تشبث فصيل انقلابي بالاستيلاء علي عاصمة البلاد علي ونحو يشكل تهديداً واضحاً لجيران اليمن بل وللملاحة في الممرات البحرية المحيطة به. ولفت إلي أن ليبيا وقعت مجدداً في الأعمال العسكرية بشكل بات يهدد نسيجها الاجتماعي وفرص استكمال عملية انتقالها السياسي بما يحفظ وحدتها، أما الصومال 'فإننا نعمل مع شركاء آخرين علي ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار وتثبيت السلام فيه وفي كل منطقة القرن الأفريقي باعتبارها جواراً جغرافياً مباشراً وهاماً للعالم العربي'. وقال أبوالغيط 'إن هناك جملة من العوامل الإضافية التي ساهمت كلها في إذكاء حدة كافة هذه النزاعات وتأجيج غيرها من الاضطرابات في المنطقة، وعلي رأسها التدخلات الإقليمية والدولية غير المسبوقة في الشئون الداخلية للدول العربية، وانتشار الميليشيات والجماعات المسلحة التي تقاتل الجيوش النظامية وتتحدي سلطة الدولة وتهدد سيادتها وسلامتها الإقليمية، وتعاظم التهديد الذي تمثله الجماعات الإرهابية التي يتوافر لها الدعم والتمويل والمنابر الإعلامية التي تمكنها من ارتكاب جرائمها وبث خطابها القائم علي القتل والكراهية'. وتابع 'في الوقت الذي تتطلع فيه الجامعة العربية إلي تعظيم فاعلية آليات الشراكة مع الأممالمتحدة، وخاصة مع مجلس الأمن، لتسوية كافة هذه النزاعات والأزمات ولمعالجة مجمل هذه التحديات، فإنها قد عقدت العزم أيضاً علي الاضطلاع بدور أكثر فعالية للمساهمة في حفظ السلم والأمن الدوليين في منطقنا العربية والدفاع عن الأمن القومي العربي لدولها الأعضاء وردع المخاطر التي تهددها علي النحو الذي يكفله الميثاق والقانون الدولي'. وأشار إلي أن القمة العربية الطارئة التي عقدت في مكةالمكرمة منذ أسبوعين تمثل أحدث وأفضل دليل علي ذلك، إذ اجتمع القادة العرب في دورة إستثنائية وأدانوا الأعمال الإرهابية التي استهدفت المنشآت النفطية في أراضي السعودية والسفن التجارية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وجددوا تضامنهم الكامل معهما في مواجهة التدخلات والتصرفات الإيرانية والجرائم التي ترتكبها ميليشيات الحوثي المدعومة من النظام في طهران. وأوضح أن الحفاظ علي أمن المنطقة العربية هو شرط محوري لصيانة منظومة الأمن العالمي، وأن تهديده أو النيل منه ينطوي علي تبعات خطيرة لن تقف عند حدود المنطقة العربية، مؤكدا علي أن التضافر الدولي مطلوب 'لكي تصل إلي جيراننا رسالة واضحة لا لبس فيها بأن الأنشطة التخريبية لم تعد مقبولة، وأن التخفي وراء الأذرع الإقليمية أو العمليات الرمادية التي لا تُنسب لفاعليها الأصليين هو تكتيك مرفوض من الجميع'. وقال 'إن رسالتي الأولي والأساسية، كممثل لأقدم منظمة إقليمية نالت صفة المراقب لدي الجمعية العامة في عام 1950، تتأسس علي تطلعنا لإقامة منصة عريضة وقوية للارتقاء بمستوي التشاور بين الجامعة العربية ومجلس الأمن، وللنظر في سبل ترجمة هذا التنسيق إلي دعم يزيد من العمل المشترك والتكاملي المطلوب بين منظمتينا، أسوة بالترتيبات المتبعة مع منظمات إقليمية أخري، بما يعزز من جهود حفظ السلم والأمن الدوليين في المنطقة العربية ومصداقيتها، ويتسق مع أحكام القانون الدولي وأهداف منظمتينا ومبادئ ومقاصد ميثاقيهما'. وأكد أبوالغيط أن أي تعاون مثمر بين الجامعة العربية ومجلس الأمن يجب أن ينطلق من إرساء ترتيب دائم ومؤسسي لتبادل المعلومات بشكل يتسم بالشفافية وأيضاً بالصراحة، بين الجانبين، كي يكون المجلس مطلعاً علي رؤية وتقديرات المنظمة الإقليمية المعنية، ويتمكن من بلورة الموقف المناسب وتبني الإجراء السليم الذي ينسجم مع هذه الرؤية وتلك التقديرات عند تناول أي قضية من قضايا المنطقة، مشيرا إلي أن هذه الدعوة ليست في حقيقة الأمر جديدة، وينبغي فقط الإلتزام بإنفاذها، حيث أنها تمثل مبدأً مستقراً في علاقات المجلس مع منظمات إقليمية ودون إقليمية أخري. وقال 'إن الأمر يتطلب بالتوازي مع ذلك الارتقاء بمستوي التنسيق والتفاعل مع الجامعة العربية من قبل مبعوثي وممثلي الأممالمتحدة إلي مناطق النزاعات والأزمات العربية، علي النحو الذي يقود حقاً إلي وجود فهم موحد ومشترك لأسباب اندلاع أو استمرار هذه الصراعات، ويفضي إلي عمل تكاملي ومتناسق بين المنظمتين لتسويتها'. وأشاد بالالتزام الذي يبديه المبعوث الأممي إلي ليبيا غسان سلامة وبتعاونه مع الجامعة العربية، وخاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها ليبيا عقب اندلاع المعارك حول العاصمة طرابلس وتراجع المسار السياسي الذي كان يرعاه والذي كانت الجامعة تدعمه بالكامل. وقال 'إننا نقدر عالياً نهج المفوض العام لوكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين 'الأونروا' في التنسيق والتفاعل المنتظم مع الجامعة العربية وخاصة من أجل مواجهة الأزمة المالية الحادة التي أصابت موازنتها وأضرت بعملياتها في خدمة اللاجئين الفلسطينيين'، مشيرا إلي أن هذا النوع من التعاون يمثل نموذجاً إيجابياً 'نأمل في أن يُحتذي به في تعظيم التنسيق بين الجامعة ومبعوثي وكبار مسئولي الأممالمتحدة المعنيين بقضايا المنطقة العربية'. وأضاف 'هناك تاريخ ممتد من التعاون المؤسسي بين الأممالمتحدة والجامعة في شتي ميادين الإهتمامات المشتركة للمنظمتين، إذ تم وضع الإطار التنظيمي لهذه العلاقة منذ قرابة الثلاثين عاماً، عندما وقع الجانبان علي إتفاقية التعاون بينهما في 1989، وشرعا بعد ذلك في تحديث نص هذه الإتفاقية بالتوقيع علي بروتوكول إضافي لتطويرها في 2016 '، مشيرا إلي أن هذه الإتفاقية، والآليات المنبثقة عنها، وكذا الإستعدادات الجارية في الأممالمتحدة لإفتتاح مكتب إتصال دائم لدي الجامعة بالقاهرة، توفر إطاراً شاملاً لدفع التعاون بين منظومة الأممالمتحدة والجامعة العربية. وأكد ثقته في إمكانية توظيف هذا الإطار لتطوير التعاون 'الذي ننشده مع مجلس الأمن، ليس فقط لتسوية الصراعات المسلحة وإنما لمعالجة كل ما يهدد السلم والأمن الدوليين في المنطقة بمفهومه الأوسع، سواء كان مرتبطاً بنزع السلاح وإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، أو مكافحة الإرهاب، أو حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، أو الأزمات الإنسانية وتدفق اللاجئين والنازحين والهجرة غير النظامية'. وقال 'إن التعاون الذي نتطلع إليه مع مجلس الأمن وأجهزة الأممالمتحدة يجب أن يمتد ليشمل كافة مراحل الإنذار المبكر والوساطة والمساعي الحميدة والدبلوماسية الوقائية وتسوية النزاعات وبناء وإستدامة السلام بعد إنتهاء الصراع'. وأشار إلي أن هناك أمثلة متعددة من العمل المشترك 'الذي أقمناه سوياً في هذه المجالات، لعل أبرزها كان تعيين الممثل الخاص المشترك للأمم المتحدة والجامعة لسوريا عام 2012، وكذا إنشاء المجموعة الرباعية المعنية بليبيا بين الأممالمتحدة والجامعة والإتحادين الأوروبي والأفريقي'. وتابع أبوالغيط ' يجب علينا إستخلاص الدروس المستفادة من هذه التجارب ومثيلاتها، والعمل علي تكرار ما تحقق من نجاحات بفضلها في الحالات الأخري، القائمة أو الناشئة، التي تستلزم تحركاً مشتركاً لمنع نشوب الأزمات فيها أو للحيلولة دون تفاقمها وصولاً إلي تسويتها وتحصينها من مخاطر تجددها'. ورحب ب'الدعم المؤسسي الذي تقدمه لنا الأممالمتحدة لبناء القدرات الذاتية للجامعة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين في المنطقة العربية، والتي نسعي إلي تطويرها للوصول إلي مرحلة تشكيل وإيفاد بعثات سلام ميدانية في مواقع الأزمات العربية في المستقبل القريب'. وأكد أن الجامعة العربية، رغم جسامة التحديات التي تواجه منطقتنا، تظل كمنظمة إقليمية وكتجمع لدولها الأعضاء شريكاً فاعلاً في منظومة العمل متعدد الأطراف ومساهماً رئيسياً في جهود صون السلم والأمن الدوليين ليس فقط في المنطقة العربية وإنما في الجوار الجغرافي للعالم العربي وغيرها من مواقع الأزمات. ولفت إلي أن هناك دولا عربية مثل مصر والأردن والمغرب تتصدر قائمة الدول المساهمة بقوات وأفراد شرطة في عمليات الأممالمتحدة لحفظ السلام، كما تعد دول عربية مثل الكويت والسعودية والإمارات وقطر من أكبر الدول المانحة إسهاماً في تقديم مساعدات الإغاثة الإنسانية لمعالجة الأزمات الإنسانية في سوريا والعراق واليمن والصومال ودعماً لموازنة وأنشطة وكالة الأونروا. وأشار إلي أن هناك دولاً عربية اضطلعت بدور دبلوماسي ملموس لرعاية المصالحات التاريخية في القرن الأفريقي، وتقدمت أيضاً بدعم مالي ولوجيستي لدول منطقة الساحل لتعزيز قدراتها علي مكافحة جماعة بوكو حرام والتنظيمات الإرهابية الأخري الناشطة علي أراضيها. وهناك مؤسسات عربية عريقة مثل الأزهر الشريف شريكة في تحالف الأممالمتحدة للحضارات وداعمة للحوار بين الأديان والشعوب بشكل ينمي ثقافة السلام والإعتدال والتسامح في منطقتنا العربية وخارجها، مؤكدا علي أن مجمل هذه المساهمات، وغيرها، تصب كلها في مسار تدعيم علاقات التعاون بين الأممالمتحدة والجامعة وتظهر فوائد التعاون والتكامل الذي يمكن ويجب أن يتحقق بيننا. وحذر أبوالغيط مجددا من مخاطر ابقاء الوضع الفلسطيني علي ما هو عليه علي الأمن والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وخاصة في ظل الممارسات القمعية لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وسعيها المحموم إلي التوسع وضم الأراضي العربية، بل والتشكيك بالحق الفلسطيني ذاته وعدالة قضيته، والسعي عوضاً عن ذلك إلي شرعنة احتلال الأرض ثم ضمها بطريقة غير قانونية، عبر الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، والتشكيك في قضية اللاجئين العادلة التي تبنتها هذه المنظمة منذ سبعين عاماً. وأشار إلي الثوابت التي عبرت عنها الجامعة العربية إزاء هذه القضية عبر عقود طويلة، مؤكدا ثقفته في أن مجلس الأمن يدرك تماماً خطورة أن السعي إلي تسوية القضية الفلسطينية خارج إطار القانون الدولي، وإغفال قضايا الوضع النهائي المستقرة التي ترتكز علي حل الدولتين، أو إختلاق مسار إقتصادي أو تنموي بديل يبقي علي الإحتلال، يمثل كله ضربة قاصمة للبنيان القانوني الدولي، ولمصداقية مجلس الأمن، وللمبادئ الثابتة التي قامت عليها الأممالمتحدة. ودعا أبوالغيط مجلس الأمن إلي تحمل مسئولياته كاملة، دون اتقائية أو معايير مزدوجة، لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، ولإنفاذ كافة قراراته السابقة وإلزام إسرائيل بالتنفيذ الكامل لها. وتوجه بالتهنئة إلي دولة الكويت علي توليها رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر، معبرا عن خالص التقدير للدور الذي تضطلع به بصفتها العضو العربي في المجلس، ومشيداً بصفة خاصة بمبادرتها المقدرة بعقد هذه الجلسة من أجل الارتقاء بمستوي الشراكة بين جامعة الدول العربية ومجلس الأمن وفق الإطار العام الذي ينظمه الفصل الثامن من الميثاق. كما وجه أبوالغيط الشكر لسكرتير عام الأممالمتحدة أنطونيو جوتيريس علي ماجاء في إحاطته، و'علي التزامه الثابت بتمتين علاقات التعاون والتنسيق المؤسسي بين منظمتينا، علي نحو يزيد من التكامل بين أنشطتنا في مضمار حفظ السلم والأمن الدوليين في المنطقة العربية.'