قرأت الكثير عن الطلاق، ورأيت أسبابا كثيرة تحول بين شخصين فى أن يعيشا سويا فى وفاق ووئام. رأيت العديد من الأزواج المنفصلين. ومع ذلك ظل يخامرنى الشك فى السبب الرئيسى وراء انعدام قدرة أحدهما على العيش مع الآخر. وإن كان الطلاق أبغض الحلال عند الله إلا أن هناك من نظر إليه على أنه صمام أمان لكل من الرجل والمرأة فيما إذا دخل الشيطان إلى عشهما وأحاله إلى جحيم لا يطاق. ولقد عبر اللورد «تشسترميلد» عن الطلاق فى اطار هذا المعنى عندما كتب يقول فى خطاب بعث به إلى ابنه...(لا شك فى أن السلام الوحيد الدائم المتماسك بين الرجل وزوجته يكمن فى الانفصال). أما فولتير، فلقد سخر من الزواج والطلاق معا عندما كتب يقول: (من الممكن أن يقع الطلاق فى نفس التاريخ الذى وقع فيه الزواج. أما الاختلاف بينهما فيكمن فى أن الزواج يكون أقدم من الطلاق بعدة أسابيع فقط). ولا شك بأنه يكون من الصعب على الإنسان أن يتحمل الانفصال.. وصعب عليه أن يرى الانفصال يحدث فى الأسرة. غير أن تعاطفنا فى الغالب ما يذهب إلى المرأة المطلقة. أما الرجل المطلق فنتناسى أمره بعض الشىء. وفى كل المجتمعات سواء فى الشرق أو فى الغرب نجد أن الطلاق بالنسبة للرجل يمثل مشكلة عليه أن يجابهها بمفرده. وفى ظلها يكتشف أبعاد قدراته أكثر وأكثر، ومن خلالها يعرف الكثير عن نفسه. قد يجزع كالطفل الذى فقد أمه، وقد يصرخ مستغيثا طلبا للمساعدة. فالطلاق فى حد ذاته شعور بالهجر والحرمان، شعور باللانتماء ينتاب صاحبه أثناءه قلق واكتئاب ووحدة بالغة. أما معظم الدراسات النفسية والاجتماعية فلقد ركزت أساسا على الطفل الذى يكون ضحية للأسرة التى عايشت الطلاق، أو على الأم المطلقة. بينما أغفلت المشاكل الكبيرة التى يجابهها الأب المنفصل عن زوجته خاصة المشاكل التى تطفو على السطح فى بداية حدوث الطلاق مثل تلك التى يتعرض لها أسلوب حياته اليومى، والضغوط العاطفية التى تثقل كاهله وعلاقاته الشخصية فى محيط العمل والمجتمع ثم علاقاته الشخصية مع أطفاله وزوجته بعد الطلاق. ولعل أكثر الفترات صعوبة هى فترة العام الأول من الانفصال. إذ يتعرض فيها المنفصل إلى درجة شديدة من التوتر النفسى والبدنى. وبالطبع فهو لا يشعر بقمة التوتر هذا فى بداية الشهر الأول والثانى من الانفصال. غير أنه بمرور العام الأول تتكثف المتاعب اليومية وتتوالى بشكل ظاهر. غير أن درجة المتاعب تتفاوت وفقا لاختلاف الظروف والأفراد، فهناك من جرب الحياة الزوجية مع امرأة غير عاملة هيأت له على الأقل قدرا من الاستقرار والنظام فى البيت. وعليه فإن انفصاله سيؤدى إلى فقدانه لهذا البند العريض وسيشرع من جانبه فى القيام بكل مهام البيت. ولقد ظهرت دراسة اضطلعت بها سيدتان لتتضمن تحليلا شاملا لمشاكل الرجل المطلق فى المجتمع من خلال استفتاء أجرى على عدة حالات. أما حصيلة الاستفتاء فكانت بمثابة مسح شامل وتقييم لحالة الرجل بعد الانفصال، فالمطلق يزهد فى الذهاب إلى البيت. يعتمد على وجبات خفيفة فى الخارج، يعطى معظم وقته فى عمله أو ممارسة آية نشاطات أخرى. هذا بالإضافة إلى أن نومه يكون قلقا تتوزعه مشاكل يومية خاصة بشراء الأشياء من السوق والمطبخ والغسيل والتنظيف. ومن خلال الدراسة تلمح رجالا يتمتعون بقدرة فائقة على إدارة شئون المنزل، وهؤلاء كانوا يشاركون عن طيب خاطر قبل الطلاق فى مهام المنزل ورعاية الأطفال. بل إن بعضهم وقع فى زوجة كسول لا تبالى بالبيت ومهامه، وتترك كل شىء فى غير موضعه. الأطباق فى حوض الغسيل، الملابس متسخة. حتى إذا بادر الزوج بالشكوى جابهته دموع زوجته متهمة إياه بأنه يشعرها كما لو كانت غير كفء وغير مؤهلة للحياة الزوجية. ويصرخ الزوج المسكين مؤكدا أنها بالفعل غير كفء وغير مؤهلة للحياة الزوجية خاصة وهو يجد نفسه مسئولاً عن كل كبيرة وصغيرة فى حياته. وللحديث بقية...