الخاطرة الرمضانية الثالثة عشرة . لقد علمنا ديننا الحنيف أن خير الناس أنفعهم للناس ، خيرهم لأهله ، خيرهم لوطنه ، خيرهم لزملائه ، خيرهم لأصدقائه ، خيرهم للناس أجمعين ، بل خيرهم للحيوان والجماد ، فهو مفتاح لكل خير ، مغلاق لك شر . وشرهم من لا تعرف على أي وجه هو ، يتلون كالحرباء ، على كل الموائد يأكل ، يقتات على الفتن ، ويتغذى بالنميمة ، مع كل ناعق يطير ، وفِي كل باب شر له مدخل ، لا مجد له يبنيه ولا مراد له يحصله إلا بمحاولة هدم الجادين ، أو القفز على منجزاتهم ، أمثال هؤلاء لا ينالون خيرا ، وعاقبة أمرهم خسرا ، وحياتهم لا تفارقها الحسرة والندم ، وإن ضاقت بهم الدنيا من شدة الحقد أو الكره كرهوا أنفسهم . فطوبى لأصحاب النفوس النقية ، ولا عزاء لمن طبع الله على قلوبهم فاتشحت بالسواد وتدثرت به . الخاطرة الرابعة عشرة . ازدواج المعايير . كل الناس ظاهرا يحبون العدل ، ويدعون إليه ، ويحيون من يتخذه مسلكا لايحيد عنه ، وأكثرهم يكرهون الاستثناء والتمييز ، غير أن ثبات هذه المقاييس كثيرا ما يهتز عند ضعاف النفوس ، فهم يحيون العادل شريطة ألا يحول عدله دون نفاذ مصالحهم ، ويكرهون التمييز والاستثناء إلا إذا كان لصالحهم، ولن يعدموا حينئذ أن يسموه نبلا أو مكرمة أو طيب أصل ، أو أنهم يرونه حقا مكتسبا لهم ، مع يقيننا أن القيم والمبادئ لا تتجزأ ، وأن الشخصية السوية المتسقة مع نفسها لا يمكن أن تنفصم ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ، وأصحاب القيم والمبادئ الثابتة لهم الله ، ثم التاريخ وراحة البال والسكينة والطمأنينة وإن حاربتهم أو خاصمتهم الدنيا ومن فيها وما فيها ، فإذا كان الله معك وكنت حقا معه فلا عليك بعد ذلك بمن عليك ومن معك ، لأن الله كافيك ، ومن كان مع الله فلا يحزن ، ولا يخاف ظلما ولا هضما ، فعاقبة أمره يسر وعافية ، فيا أهل الحق لا يهزنكم الباطل ، فهو واه ضعيف وإن استقوى ، ويا أهل العدل اثبتوا على الطريق لا ينحرف بكم أحد عنه ، فهو ميزان الله الذي وضعه للخلق ونصبه للحق ، فزنوا بالقسطاس المستقيم .