شهدت الجزائر وعاصمتها يوم الجمعة الماضى حراكًا شعبيًا كبيرًا خرج خلاله ملايين الجزائريين إلى المدن وشوارع العاصمة الجزائرية لمواصلة الاحتجاجات الأسبوعية الحاشدة التى تُنظَّم منذ 22 فبراير الماضى 2019 من أجل تغيير النظام برمته وسط ثورة بيضاء جديدة.وكانت الاحتجاجات الشعبية قد تفجرت فى بادئ الأمر بالجزائر بسبب خطة بوتفليقة للترشح لفترة خامسة فى انتخابات الرئاسة التى كان مقررًا لها يوم 18 من أبريل الجارى. وبرغم إعلان الرئيس بوتفليقة استقالته الأسبوع الماضى بعد مواجهة احتجاجات حاشدة ضد حكمه، إلا أن قائمة المطالب اتسعت لدى المحتجين لتشمل دعوات من أجل تغيير جذرى، والمطالبة بإصلاحات ديمقراطية بعد قرابة 60 عاما من حكم قدامى المحاربين الذين خاضوا حرب الاستقلال عن فرنسا بين عامى 1954 و1962، وبذلك تصبح الجزائر فى يد حكومة تصريف أعمال لحين إجراء انتخابات فى غضون ثلاثة أشهر دون أن يكون هناك خليفة واضح فى الأفق للرئيس، مع تأكيد المحتجين وإصرارهم على عدم قبول رئيس جديد من النظام، ومطالبتهم باستقالة عبدالقادر بن صالح رئيس مجلس الأمة الذى سيتولى مهام بوتفليقة لمدة 90 يوما، ونور الدين بدوى رئيس حكومة تصريف الأعمال باعتباره أحد دعائم النظام الحاكم، ورئيس المجلس الدستورى الطيب بلعيز، والمطالبة بإبعاد كل الرموز السياسية القديمة ومحاكمة الفاسدين الذين أهدروا المال العام وأضروا بالحياة الاجتماعية والسياسية للبلاد والتصدى للمحسوبية الممنهجة، ومواصلة الاحتجاجات السلمية لإحداث التغيير الذى يصبو إليه الشعب الجزائرى وأمام تلك المطالب صادرت السلطات الجزائرية جوازات سفر 12 رجل أعمال لهم صلات بمؤسسة الحكم ويخضعون للتحقيق فى مزاعم فساد، إذ يصر المحتجون الذين خرجوا بالملايين على رفض المسار الانتقالى المفترض الذى يحدده الدستور إثر استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ويعدون بمواصلة تظاهرات ضخمة لتحقيق السقوط الكامل للنظام، بداية بإزاحة ما يسمى بالباءات الثلاثة التى يقصد بها )عبدالقادر بن صالح( الذى يرأس مجلس الأمة منذ 16 عامًا بفضل بوتفليقة، و)الطيب بلعيز( الذى ظل وزيرًا لمدة 16 عامًا شبه متواصلة ويرأس المجلس الدستورى للمرة الثانية فى مسيرته، و)نور الدين بدوى( الذى تولى مهام رئاسة الحكومة المؤقتة فى 11 مارس الماضى 2019، الذى كان وزيرًا للداخلية والذى يُنْظر له من قِبل المتظاهرين باعتباره مهندس التزوير الانتخابى وعدو الحريات، وكذلك المطالبة بإبعاد كل الذين يُعَدّون من الشخصيات المحورية فى عهد بوتفليقة وإبعادهم عن قيادة المرحلة الانتقالية، وضرورة ذهاب كل النظام ورموزه وزبانيته. وذلك بعد إقالة رئيس المخابرات العامة اللواء عثمان طرطاق من منصب المسئول الأول عن الاستخبارات الجزائرية الذى كان يشغله لتوضع المديريات الثلاث فى جهاز الاستخبارات تحت وصاية نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، وكان للفريق قايد صالح الدور الأبرز فى الضغط على بوتفليقة من اجل الاستقالة. وفى ظل هذا المشهد، يظهر رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح الآن كرجل البلاد القوى بعدما فاز فى المواجهة مع محيط بوتفليقة، وأجبر الأخير على مغادرة السلطة فى نهاية المطاف. ومع قوة الجيش وانحيازه للجماهير، ومع ميلاد معارضة جزائرية جديدة يظل الشارع الجزائرى بعد هذا الحراك اللاعب الجديد فى الحياة السياسية، ولا نعرف الكثير حول نوايا الجيش بشأن إدارة مرحلة ما بعد بوتفليقة والانضمام لمطالب الشعب، إلا أن الواقع على الأرض يشير حتى الآن إلى وقوف الجيش مع الشعب فى الإعلان عن تحقيق مطالبه، وعبر تواتر الأحداث فقد تولدت ثقة كبيرة عند الجزائريين فى الجيش الذى يعول عليه فى حركة الإصلاح الشاملة نحو جزائر جديدة ودستور جديد.