بات من المقرر أن تكشف إدارة ترامب عن خطة السلام الأمريكية المعروفة بصفقة القرن فى أعقاب الانتخابات الإسرائيلية التى تجرى فى التاسع من الشهر القادم. وقد سبق الكشف عنها التحضير الأمريكى للأرضية المناسبة لها فى الوطن العربى من أجل القبول بها رغم انحيازها الكامل لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية. أما الحديث عنها وتسريبها من الآن فيأتى خدمة لرئيس وزراء إسرائيل نيتنياهو فى معركته الانتخابية. وليتم عبرها توجيه رسائل للفلسطينيين ورسائل للدول العربية التى تصنفها أمريكا بالمعتدلة وفى مقدمتها دول خليجية يؤمل أن يتم التطبيع بينها وبين إسرائيل فى اطار صفقة القرن هذه، والتى ستعد أحد البنود الرئيسة للحكومة الإسرائيلية القادمة بغض النظر عمن سيقوم بتشكيلها سواء نيتنياهو أو غريمه جنرال الاحتياط «بنى غانتس». أما كل ما ورد عن الصفقة حتى الآن فيتعلق بمستقبل مدينة القدسالمحتلة وكيفية تقسيم السيادة عليها. كما يهيمن على بنودها انحياز أمريكى واضح للكيان الصهيونى على حساب الحقوق الفلسطينية. باستعراض ما اشتملت عليه الصفقة من بنود نجد أنه جرى التقسيم الشكلى بنقل مدينة القدس وأحيائها الرئيسة إلى السيادة الإسرائيلية بشكل يشمل المستوطنات اليهودية التى تم الاستيلاء على الأراضى المقامة عليها بعد 1967 ويستوطن فيها 220 ألف يهودى. فيما يتم نقل أجزاء من الدائرة الثانية من مدينة القدس الموسعة بعد عام 67 وهى عمليا خارج القدس إلى السيادة الفلسطينية. وبالتالى ووفقا لهذا التقسيم تحتفظ إسرائيل بسيادتها على معظم القدس بما يشمل البلدة القديمة والحوض المقدس منطقة المسجد الأقصى ومحيطها وجزءا من سلوان ومنطقة جبل الزيتون ووادى الجوز والشيخ جراح وجبل المشارف. فيما تنقل مناطق تقع فى دوائر القدس الواسعة إلى السيادة الفلسطينية مثل جبل المكبر، وعرب السواحرة وأم ليسون وأم طوبا. أما الاستيطان اليهودى فى القدس الأردنية أى الأحياء اليهودية الاثنى عشر المستحدثة فيها، وكذلك القرى الثمانية والعشرين والتى تقع فى نطاق القدس الموسعة وفق القرارات الإسرائيلية بعد 1967 فتحتفظ إسرائيل بالسيادة عليها. أما ما استرعى الانتباه فهو ما ورد فى الخطة من مصطلح أطلق عليه «السيادة الوظيفية» التى يشارك فيها الفلسطينيون بما يرتبط بالبلدة القديمة والأقصى. مع التشديد على أن هذه السيادة إنما تتعلق بالمجال التشغيلى الوظيفى والتى تعد فى مرتبة أدنى من السيادة الكاملة والتى ستبقى مقصورة على الجانب الإسرائيلى. كما أن البند الذى يتناول السيادة على ما يطلق عليه اليهود(حائط المبكى) أى حائط البراق فستكون لإسرائيل السيطرة عليه بشكل مطلق. ومعنى ذلك أن صفقة القرن تمنح إسرائيل القدس كاملة بجزءيها الغربى والشرقى لتكون بذلك قولا وفعلا عاصمة الشعب اليهودى إلى الأبد. على حين يتم منح الفلسطينيين الفتات فى مناطق تعتبر خارجة عن نطاق القدسالمحتلة. ومعنى ذلك أن صفقة القرن تهدف إلى تكريس الوضع القائم للاحتلال وإبعاد الفلسطينيين والعرب عن القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية. لقد وضح الآن من طرح الصفقة أنه طرح يمنح إسرائيل العدو السرطانى ما ليس له حق فيه عندما يمنحها القدس حيث المسجد الأقصى مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم وفيها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وبالتالى لا يمكن أن نطلق على نسخة مشروع السلام هذه إلا أنها طرح ميت، فهى لا تعنى إلا الاستسلام الفلسطينى الكلى لإسرائيل وليس لها أى صلة بالسلام. وبالتالى فإن هذه الصفقة هى صفعة؛ حيث تأتى لتكريس الأمر الواقع وتثبيت الاحتلال ولا تمنح الفلسطينيين أى حق من حقوقهم. ولهذا فإن الأمل يراود الكثيرين اليوم بأن تكون هذه الصفقة مجرد ورقة انتخابية يتم دفنها مع نهاية الانتخابات الإسرائيلية القادمة.