فجأة أصبحت )خديجة جانكيز( حديث العالم، والمرجعية الأساسية فى قضية اختفاء الصحفي السعودى جمال خاشقجى فى تركيا منذ يوم الثلاثاء الثانى من أكتوبر الجارى. وحتى قبيل هذا الحدث بقليل لم يكن أحد يعرف من هى «خديجة» وعلاقتها الحقيقية بالصحفى السعودى البارز إلا إنها تصدرت واجهة الحدث، وكشفت للمرة الأولى إنها «خطيبته» وأنها اصطحبته فى الواحدة من ظهر الثلاثاء إلى القنصلية السعودية فى اسطنبول لاستخراج وثيقة تثبت طلاقه من زوجته السابقة، حيث إن القانون التركى يشترط حصوله علي هذه الوثيقة قبل ارتباطه بزوجة جديدة. ولا أحد يعرف من هى خديجة، وما أصولها، وما هى تفاصيل علاقتها بالكاتب السعودى، سوى صورة نشرها جمال خاشقجى فى حسابه على موقع التواصل الاجتماعى فى أغسطس 2018، حيث قال فى تويتته التى نشرها «أمسية رائعة، أستاذ فى العقيدة والفلسفة دعانى لمجلسه باسطنبول حيث يجتمعون كل جمعة يغنون أغانى تراثية استمعنا فيها لأغان علوية وكردية أو أغنية «مريم مريمتى» التى تروى قصة فتاة عربية خطفها العسكر العثمانى، التسامح والتعددية من أسرار وحدة الشعب»، ثم نشر صورة ملحقة بالخبر ذكر فيها أسماء الحاضرين وقال: إن من بينهما سيدتين إحداهما متخصصة في الشأن العماني ولها كتاب فى ذلك»، إنها فقط الصورة الوحيدة التى نشرت فى خضم هذه العلاقة الوهمية التى لم تثبت صحتها أو مصداقيتها حتى الآن، بل حتى الصورة «سيلفى» المأخوذة لهما، شكك الكثيرون من الخبراء فى صحتها، وقالوا إنها صورة مركبة وليست صحيحة. ولم يعلن جمال خاشقجى ولو لمرة واحدة فى تغريداته أو تصريحاته، أن له علاقة بالباحثة التركية «خديجة جانكيز» أو يردد اسمها، رغم أنها ترجع بداية العلاقة إلى مايو من هذا العام. وخديجة جانكيز البالغة من العمر 36 عامًا، تتقن اللغة العربية، وهى مهتمة بمنطقة الخليج، وعاشت لفترة فى مصر، ثم راحت تنتقد الأوضاع، هناك بعد مغادرتها وقد حاولت وكالة «فرانس برس» التعرف منها على عائلتها وكينونتها إلا أنها فشلت فى ذلك حيث اتسمت وفقًا لتحليلات العديد من المراقبين الغربيين ب «الغموض» وأطلق عليها «المرأة اللغز»!! وحتي الآن لم يخرج أحد من عائلتها ليؤكد خطوبتها أو علاقتها بالسيد جمال خاشقجى، بل إن حالة من التكتم والتجاهل سادت كل من يعرفونها، بل حتى من شاركوا فى هذا الصالون الثقافى الوحيد الذى حضره جمال خاشقجى، لم يتطوع أى ممن حضروا هذا الصالون ليشير إلى وجود علاقة ما بين خديجة وجمال. وخديجة جانكيز سبق لها أن شاركت فى تغريدات عديدة للأمير تميم بن حمد أمير قطر، إضافة إلى انحيازها وعلاقتها الواضحة والمعروفة بحزب العدالة والتنمية الذى يقوده الرئيس التركى رجب طيب أردوغان. ولم يصل إلى علم أسرة خاشقجى أية معلومات حول هذه المرأة أو علاقة جمال بها فابنه صلاح خاشقجى أدلى بحديث لقناة العربية قال فيه «لا أعرف هذه السيدة، ولم أسمع بها من قبل سوى من خلال وسائل الإعلام، داعيًا إياها إلى الكف عن تناول قضية والده، وقال «نحن أسرته أولى بالسؤال والاستفسار، عن ملابسات اختفائه والبحث عنه، وجميع أفراد أسرته تدعم التحقيقات الرسمية السعودية، وهى فقط المنوط بها الوصول لنتائج ايجابية لكشف الحقيقة». أما معتصم خاشقجى شقيقه فقد أكد أن خديجة جانكيز ليست معروفة للعائلة، ولا علاقة لهم بها، واتهم بعض الدول الأجنبية بامتلاكها أجندات خبيثة حاولت تمريرها من خلال استغلال الموضوع. وقال معتصم خاشقجى: «نحن نعرف أهداف الذباب الإلكترونى والأبواق المسعورة التى تهاجم الوطن لأهداف سيئة، ونقول لهؤلاء اصمتوا خاب مسعاكم وخابت نواياكم، هناك جهات وأشخاص تسيس هذا الموضوع وتستخدم اسم العائلة والأخ جمال لتمرير أجندتهم المريضة، وهذا كلام لا ينطلى علينا، ولن نكون أبدًا أداة فى يد أحد، نحن ولاؤنا لحكامنا ودولتنا، والسعوديون جميعًا ولاؤهم لوطنهم». غموض الحدث فجأة وصل جمال خاشقجى من الولاياتالمتحدة إلى تركيا والحجة كانت استخراج وثيقة تثبت طلاقه من الزوجة الأخيرة حتي يتمكن من الزواج مجددًا، لقد سبق أن تقدم بطلب إلى القنصلية السعودية فى اسطنبول يوم الثامن والعشرين من سبتمبر، وتقول «خديجة» إنه أبلغها أنه استقبل بترحاب شديد ولقى معاملة جيدة أثناء دخوله إلى القنصلية والخروج منها بعد وقت قصير. كان خاشقجى مستشارًا للحكومة فى السعودية حتى سبتمبر 2017، ولم تكن له أية مواقف معادية يمكن أن يؤاخذ عليها، لكنه وبعد فترة قرر الذهاب إلى الولاياتالمتحدة للإقامة فيها، خاصة أنه معروف بعلاقته الوثيقة ببعض دوائرها الهامة، ولم تعترض الحكومية السعودية، ولم تحسب له أية انتقادات عنيفة أو تحريض ضد بلاده طيلة فترة تواجده بالخارج، صحيح أنه معروف بعلاقته الوثيقة بعناصر من جماعة الإخوان، وعدائه الشديد لمصر والرئيس السيسى، إلا أنه لم يكن من المعارضين المعروفين بانتقاداتهم العنيفة لبلادهم، بل كان دومًا يقول إن اتصالاته بالمسئولين السعوديين وأبرزهم وزير الإعلام قائمة، وانتقد بشدة الرئيس الأمريكى ترامب عندما سعى إلى إبتزاز بلاده والحصول على أموال مقابل ما أسماه «بالحماية». تقول «خديجة» إنها اصطحبت جمال خاشقجى إلى مبنى القنصلية يوم الثلاثاء 2 أكتوبر، وتحديدًا فى تمام الساعة الواحدة ظهرًا لاستلام الوثيقة التى تقول إن استلامها لم يستغرق خمس دقائق. إن الغريب فى هذا الأمر أن جمال خاشقجى الذى تقول إنه كان قلقًا هذه المرة، ترك معها هاتفه، والحقيقة أن الشخص القلق يصطحب معه هاتفه حتى يمكنه الاتصال بها حال حدوث أى رد فعل سلبى فى الداخل، أو حتى يصطحب الهاتف ويتركه لدى الاستقبال إذا كان هناك من يرفض دخوله به، ذلك أن وجود الهاتف معه حال اختفائه يشكل دليلًا ضد الآخرين. إن ما حدث هو أن خديجة، هى التى أقنعته بترك هاتفه معها وفقًا لخطة مرسومة سلفًا كما يعتقد بعض المحللين، حتى يمكن حال اختفائه عدم الوصول إلى أية دلائل يمكن أن يرصدها الهاتف عبر موقعه أو مكانه أو خروجه من القنصلية. ويبدو أن جمال اقتنع بهذا الأمر وسلمها هاتفه، وأصبح مصيره بيدها هى، حيث راحت تنتزع من الهاتف كل ما يدل على تحركاتها أو رصده لمكان تواجدها فى هذا الوقت، ومن ثم فتح المجال أمام تكهنات عديدة عن مكان تواجد جمال خاشقجى الذى لم يكن بصحبته هاتفه الخاص. تقول خديجة «إنها انتظرت خروج جمال خاشقجى من الواحدة حتى السادسة مساء، غير أنها لم تذكر ولو مرة واحدة أنها أبلغت أيًا من الجهات المعنية بنبأ عدم خروجه من القنصلية، وكأن القلق لم يعتريها فى هذه الفترة رغم حديثها عن القلق والمخاوف التى اعترتها لتأخره كل هذا الوقت، خاصة أنها تعلم أن استلامه للوثيقة لن يستغرق أكثر من خمس دقائق.. إن السؤال الذى يطرح نفسه: أين كانت خديجة طيلة هذا الوقت؟ هل كانت تنتظر أمام القنصلية أم أنها اختفت ومعها هاتفه بعد أن قامت بتفريغه، ثم عندما خرج لم يجد خديجة ولم يكن معه هاتف للاتصال بها، وتعرض لعملية خطف مدبرة فى ظل عدم تواجد خديجة عمدًا فى هذه الفترة. لقد قالت خديجة فى تويته علي حسابها فى تويتر يوم 3 أكتوبر «من يوم الثلاثاء الماضى وحتى هذه اللحظة جمال خاشقجى مفقود وأنا الوحيدة التى كنت أصاحبه قبل دخوله القنصلية» والسؤال هنا: لماذا انتظرت أكثر من 24 ساعة للإعلان عن اختفائه؟، هل كان ذلك حلقة فى إطار المخطط أم ما هو التفسير المنطقى لهذا الأمر؟ وفى 4 أكتوبر كتبت تقول «بعد مضى 3 أيام من اختفائه هنا أسأل كأى إنسان عادى بعيدًا عن مشاعرى العاطفية لحكومتى التركية واسأل السلطات السعودية أين أستاذ جمال؟! الغريب أيضًا أن خديجة لم تبلغ الشرطة ولم تخضع للتحقيقات إلا فى وقت متأخر أى بعد عدة أيام من الاختفاء، حيث قالت فى تصريحات للسى إن إن «إنها استجوبت من قبل محققين أتراك بعد اختفائه» ولم تذكر أية تفاصيل أخرى، والغريب أن السلطات التركية وكل من يتحدثون عن الأدلة المشكوك فى صحتها حتى الآن لم يتطرق أحدهم إلى الموبايل أو كشف أسراره فى لحظات اختفاء خاشقجي حيث كان بصحبة خديجة فى هذا الوقت. ومع تبدد الأدلة الوهمية وكشف زيفها بواسطة مسئولين وشخصيات تركية عديدة سواء ما تعلق بفرقة الموت الوهمية والذين ثبت أنهم مجرد سياخ وأن الفيديو المذاع كشف حقيقة الأمر وفقا لتحليل خبير فى الطيران التركى، أو سواء ما يتعلق بالعربة السوداء التى أثبت أحد خبراء التكنولوجيا إنه من السهل تكنولوجيا التحكم في لونها وأرقامها أو حتى الفيديو المنشور عن دخوله القنصلية، أصبح من الضروري بعد كل هذا العودة إلى التصريحات الخطيرة التى أدلى بها ياسين أقطاى مستشار الرئيس أردوغان وصديق خاشقجى والذى قال «إن الدولة العميقة فى تركيا هى المسئولة عن اختفاء خاشقجى، وطالب بالبحث عن الطرف الثالث فى هذه القضية، مستبعدًا تورط السعودية فى مقتله، وقال: إن الهدف هو إفساد العلاقات السعودية- التركية من وراء إثارة هذا الحدث. ثمة سؤال آخر يطرح نفسه، إذا كانت واشنطن بوست، زعمت أن الاستخبارات الأمريكية رصدت اتصالات بين مسئولين سعوديين بحثوا خلالها خطة للقبض على خاشقجي قبل اختفائه بأسبوع، فلماذا لم يجر تحذير خاشقجى برغم وجود قانون صادر عام 2015 يلزمها بتحذير الأشخاص المهددين سواء كانوا مواطنين أمريكيين أم لا؟! أما السؤال الأخطر: إذا كان الإعلام خاصة الأمريكى نشر أن تركيا أبلغت الاستخبارات الأمريكية بفيديو صوت وصورة يثبت أن جمال خاشقجى قتل داخل السفارة، فأين هذا الفيديو، ولماذا لم يتم إذاعته حتى الآن؟ بقى القول أخيرًا: ابحثوا عن السر فى كل ذلك إنها «خديجة جانكيز» لا غير.