لم يكن المستشار محمود مكي، نائب الرئيس، مغالياً أو مبالغاً عندما قال: 'إن ممارسات بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين تسيء إلي الرئيس'، فالرجل ليس من معارضي 'الجماعة'، بل كان واحداً ممن عرضت عليهم 'الجماعة' قبل ذلك الترشح لمنصب الرئيس واعتذر، وهو أيضاً لا يتصيد الأخطاء لها، لكنه أراد أن يسدي النصيحة، وأن يحذر مبكراً من خطورة هذه التجاوزات!! إن الحديث عن التجاوزات ليس مقصوداً به فقط تلك التصريحات التي يدلي بها بعض قادة 'الجماعة'، وهي في الأغلب تصريحات مستفزة وتعبر عن غرور سلطوي مقيت، ولكن ما أقصده هنا هو ما يتناوله 'العامة' من الناس عن تسلط 'الجماعة' وسعيها لتوظيف الدولة لحسابها، وإطلاق أعضائها وكوادرها لإرهاب المسئولين والمعارضين في كافة أرجاء البلاد.. لقد أصبح الناس يدركون تماماً أنك إذا أردت أن تنهي مشكلة أو أزمة، فعليك بكوادر الإخوان، فلهم سلطتهم ونفوذهم علي كافة المسئولين، ومن يعترض طريقهم سيجبرونه حتماً علي الرحيل. وفي الشأن الاقتصادي أصبحت تسمع في كل مكان أن مشروعك أو مشكلتك الاقتصادية لن تحل إلا إذا مررت بالباب الملكي الذي لا يفتح إلا بواسطة المهندس خيرت الشاطر والمهندس حسن مالك، لقد تولي الأول إدارة الأمور والتفاوض مع الخارج، بينما راح الثاني يترأس لجنة رئاسية تمثل جسر التواصل مع رجال الأعمال في الداخل.. كنا بالأمس نعيب علي النظام السابق أنه جاء بحفنة من رجال الأعمال ومنحهم حقوقاً في السيطرة والهيمنة علي اقتصاد البلاد، وكان أحمد عز هو خير مثال لزواج السلطة بالثروة، وأظن أن نواب الإخوان المسلمين في البرلمان حذروا كثيراً من خطورة ذلك، غير أن التجربة تتكرر مرة أخري بصورة أكثر فجاجة في الإمساك بمقاليد الاقتصاد، وفتح الأبواب وإغلاقها أمام مَن يريدون.. قد يري البعض أن هناك 'مبالغة' في الأمر، وظلماً في المقارنة بين أحمد عز وبين الشاطر ومالك، ولكن عدم الشفافية والخلط ما بين اقتصاد الدولة واقتصاد 'الجماعة'، هو السبب في تكوين الصورة الذهنية عن هذه التجاوزات لدي جمهور واسع من المواطنين، ويغذي ذلك وقائع علي الأرض يعايشها الناس ويتعاملون معها. وإلي جوار ذلك أصبح كثيرون يعتقدون أن مشروع الإخوان الأول هو 'تصفية الحسابات، وأخونة الدولة والسيطرة علي مفاصلها' بعد أن أدركوا أن هذا هو وحده الذي يضمن بقاءهم واستمرارهم في حكم البلاد، وأن كل من يعترض أو يرفض فسيلقي الجزاء، مواطناً كان أو مسئولاً!! وراح الناس في كل مكان يقارنون بين ممارسات النظام السابق واستبداده، وبين هيمنة 'الجماعة' ومحاولة فرض جبروتها علي الجميع، وهو أمر بالتأكيد سيقود إلي مزيد من التداعيات، إن لم يحدث فصل كامل بين الرئيس وبين 'الجماعة'، وأن يدرك الرئيس أنه أصبح الآن مسئولاً عن كل المصريين وليس مسئولاً فقط عن جماعة الإخوان المسلمين. إنني أتمني علي الرئيس محمد مرسي أن يشكل لجنة محايدة تجري استقصاء في الشارع عن شعبية جماعته في الوقت الراهن، مقارنة بفترة الانتخابات البرلمانية، وأظن أنه سيجد فارقاً كبيراً يمتد من الأرياف إلي الحضر ومن البسطاء إلي كبار المتعلمين والمثقفين، إن صمت الرئيس علي هذه التجاوزات، وهذا الخلط ما بين مسئوليات الدولة وإدارة 'الجماعة' لها يجعله في نظر الجميع موافقاً عليها ويتحمل وزرها، وهو أمر من شأنه أن يؤثر علي رصيده بين ناخبيه، وأن يحدث انفصاماً كبيراً ما بين السلطة والجماهير، فيعم السخط والغضب والفوضي بين الناس. ويجب أن يفهم الجميع أن الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير لم يعُد هو الشعب الصامت الذي ينتظر الأحداث، الناس 'فاقت' وتمردت علي الواقع الأليم، ولم تعُد تهتم كثيراً بعصا السلطة أو الميليشيات أو غيرها من القوي التي تسعي إلي قمعها وإعادتها إلي بيت الطاعة من جديد!! لقد كان مبارك يدرك أنه مسيطر علي كل شيء، وأن الشعب لن يثور أبداً، وأن كل ما تردده المعارضة هي أكاذيب لن تؤدي إلي نتيجة، فإذا بالأحداث تصدمه وتخل بتوازنه، فيسقط هو ونظامه في غمضة عين، أرجو أن يعي من يعنيهم الأمر هذا الدرس جيداً!!