هكذا يسمي من يعتقدون بقدرة الجان علي الإضرار بالإنسان أصحاب التصرفات الغريبة أو الانفعالات في غير وقتها أو من يصابون بلحظات من الجنون غير المبرر،لكننا في كثير من الأحيان نكتشف أن المتهم بأنه ملبوس هو الأنضج،أو ربما يحمل عبء معرفة تشقيه،أو عاطفة مشبوبة ترهق حواسه يدفع ثمنها من جسده وأعصابه،ويبدو أن ماحدث في العباسية يندرج تحت وصف اللبس،لكنه ليس فقط لبس بالحب كما هو حال عشاق هذا الوطن المشبوبة عواطفهم. بمنطق أصحاب الفكر الرصين اشتعلت مصر في وقت لا ينبغي لها أن تشتعل فيه،11 شابا اغتالتهم يد البلطجة،ومايقرب من 250 معتقلا،أما حصاد الجمعة الحزينة فلا أحد يعرفه حتي الآن، كل هذا الهم في كل بيت،كل هذا الحزن في قلوب الأباء والأمهات،كل هذا الغضب والسخط في نفوس أهالي العباسية،كل هذا الإحساس بالظلم في نفوس المعتصمين،كل هذا الانقسام الشعبي حول ماحدث هناك،كل هذا التحول في التعامل الرسمي مع المعتصمين،كل تلك الشائعات والأكاذيب!خلطة اللبس والالتباس السحرية مكتملة إذن،بينما يردد أهل الحكمة تساؤلهم الاستنكاري،لماذا ونحن علي اعتاب انتخابات ترسي دعائم الديمقراطية،وتعيد الاستقرار،إلي وطن افتقد الأمن وعاني الأزمات علي مدار مايقرب من عام ونصف؟ قبل ساعات من بزوغ شمس نهار الجمعة الدامية،هناك في العباسية،لم يكن لقائي بالمعتصمين لقاء بأولاد أبو اسماعيل كما روج الإعلام،كانت كل التيارات هناك،كما أكد الشباب في شهاداتهم أمام مجلس الشعب،كان السؤال الذي وجهته إليهم:لماذا تعتصمون بجوار وزارة الدفاع؟تصريحات المجلس العسكري بالأمس،حملت تهديدا لكم بأن الاقتراب "مافيهوش هزار"،فتحت حافظتها وأرتني الصورة..لاشيء أقسي من أن تحمل صورة التقطت لوجه حبيب بعد أن فارقته الحياة..بملابسها السوداء وعينيها الحزينتين حدثتني عن موت أخيها أول شهيد اغتاله البلطجية مساء الثلاثاء من نفس الأسبوع،عفوا نطقت اسمه:أسامة ياحبيبي سقط بطلق ناري في الرأس،توسلنا لهم ليفتحوا الحاجز لعبور سيارات الإسعاف لكنهم رفضوا.أسامة الذي شهد كل وقائع الثورة بدءا من 25 يناير وأصيب بطلق ناري في ذراعه في جمعة الغضب،وأصيب في يده بطلق،وخرطوش في ظهر ساقه بينما كان يفتدي بنفسه فتاة أثناء عبورها الطريق في محمد محمود!! تركتها في المستشفي الصغير الميداني مصرة علي أن تكون يدا للمداواة!كان للجميع نفس الهدف،يرددون نفس المعني بأساليب مختلفة:اعترضنا بكل الوسائل،ولم يسمعنا أحد فقررنا الاقتراب لعلهم يسمعون،نعم نخشي تزوير الانتخابات نعم نخشي من دستور تفصله لنا الأهواء،أصحاب منطق هم،اختلفنا أو اتفقنا معهم..لكنهم دون شك،تعرضوا للخديعة. من ضربوا وقتلوا أبناء العباسية ضربوهم في نفس الوقت،ذهب من العباسية ثلاثة أشهرهم رأفت رضا الشهير بقطة وهو شاب متعلم مهذب لا علاقة له بالاعتصامات،كما ذهب الثوري أسامة،في مجزرة لفقت لكل الأطراف،تم بالفعل تنفيذ حرب الشوارع التي أكد عليها مرارا من لا يستحقون لقب بلطجي ليس لأنه لقب محترم ولكن لأنه أقل بكثير مما هم عليه فعلا لكنها هذه المرة لم تكن ضد المتظاهرين فقط فقد أيقن من يخططون أن المجرمين الذين يدفعون بهم لايمثلون قوة ناجزة كافية للإجهازعلي الثوار،كانوا بحاجة لغضب أهل العباسية،لنيران الألم لفقد الأبناء لتشتعل الفتنة وتتحول العباسية إلي خصم شديد لهؤلاء المعتصمين. لقد جعلوا الطرف الثالث جزء لا يتجزأ من اللعبة،وقاعدة أصيلة في مخطط تخريب الثورة،هذا بالطبع بالإضافة إلي كل الوسائل المنهجية التي اتبعت منذ التنحي وحتي هذه اللحظة،والعباسية مثل التحرير إذا وطأتها أقدام أصحاب المصالح وأحباب النظام الذين يقولون للدنيا ان مصر منقسمة علي نفسها،كانت بردا وسلاما،وإذا وطأتها أقدام الثوار كانت نارا ودمارا،والثوار في أي ميدان من الميادين يواجهون زبانية النظام وربائب أقسام شرطته،كلنا نعلم هويتهم فوجوههم مدموغة بخاتم نسرهم،وقدراتهم السويرمانية عظيمة،فهم يطلقون الرصاص في وضح النهار ويصورهم المعتصمون وينشرون صورهم في كل مكان دون أن يمسهم أحد بسوء،فهم فيما يبدو من الجان!!. أين القتلة الذين اختفوا في الحواري الضيقة يذبحون الفارين من أهوال يوم القيامة في الجمعة الحزينة؟أما السؤال الذي لن نمل تكراره:لماذا لم يقبض علي بلطجي واحد منذ بدء الثورة وحتي اليوم؟! الملبوسون بالثورة والحب وحتي الملبوسين بحب أبو اسماعيل،دفعوا ودفع كل بيت في مصر ثمنا باهظا لاقترابهم من وزارة الدفاع،أما الملبوسون بشهوة القتل والدم الذين يتلبسون جسد جميل لوطن حزين،فما زالوا يحلقون في فضاءات الأرض ونحن لا نملك إلا أن نحيا علي أمل ان تفتح عليهم أبواب الجحيم.