منهم من خان..رضي بعسل السلطان،عن تواطوء أوعن خوف وانكسار..تم تدجينهم بالوظائف والمنح والجوائز في حظيرة مؤسسات الدولة الثقافية ليسبحوا في الغداة والعشي بفضل أرباب نعمتهم،مثقفون وادباء وفنانون،طبلوا للتوريث،افتعلوا المعارك مع المعارضين،أو حتي عارضوا معارضة متفق عليها لاكتمال المشهد الديمقراطي الزائف لتجميل وجه النظام،وصموا المثقف بعار الصمت والتخاذل والتكالب علي المناصب علي حساب شرف الكلمة،لكن الشاردين من قطيع المدجنين كان حضورهم أقوي وصوتهم أعلي،رغم التهميش،رغم التزييف،رغم الحصار، فقد كتبوا بالفعل سطورهم المجيدة في كتاب الثورة،كتبوها محرضين،أو منبهين،أو مبشرين،وربما كل ذلك،وعندما اشتعل الفتيل كانوا في طليعة الموجودين في الميادبن،قالوا كلمتهم منذ سنوات بعيدة،قالها الروائي العظيم صنع الله ابراهيم يوم وقف علي المنصة رافضا قبول جائزة ملتقي القاهرة للإبداع الروائي في ختام دورته الثانية عام 2003 وقيمتها مائة الف جنيه مصري قائلا " لايراودني شك في أن كل مصري يدرك هنا في هذه القاعة حجم المأساة المحدقة بنا جميعاً ولاسيما في سياسة حكومتنا الخارجية، ولم يعد لدينا مربع واحد و لامتر لم يدنسه الأعداء، فلم يعد لدينا سوي صندوق الأكاذيب والفساد والنهب، واختفت الأبحاث العلمية والصناعة والزراعة وتفشي النهب، ومن يعترض يتعرض للسحل والضرب' داعيا الكتاب إلي تحمل مسؤولياتهم كاملة.ليطل علينا أول مشهد متكامل، بعد التغيير الوزاري في يوليو 2004، حين صاغ ثلاثمائة من المثقفين المصريين والشخصيات العامة وثيقة تأسيسية لحركة كفاية التي طالبت بتغيير سياسي حقيقي في مصر،وبإنهاء الظلم الاقتصادي والفساد،لقد ارتبطت أسماء كبيرة لامعة بحركة كفاية،مجموعة من خيرة مثقفينا ومبدعينا وأساتذة جامعاتنا،ومنهم الدكتور محمد السيد سعيد الذي واجه مبارك في أثناء معرض الكتاب عام 2005، وحذره من خطورة الاستبداد، مقدما نفسه باعتباره واحداً من مؤسسي حركة كفاية،وبدلاً من أن يحاوره مبارك حواراً جاداً ومسئولاً استخف به وبما قاله،كما كان من أعضاء الحركة الروائي الراحل ابراهيم اصلان والفنان التشكيلي عادل السيوي وشرفها مفكرنا العظيم الدكتور عبد الوهاب المسيري، لينزل العالم الجليل إلي شوارع القاهرة متظاهرا مستنهضا همة الجماهير لقول لا..لا للتوريث..لا للفساد..لم يأبه للتشويه والضرب والإهانة،فقد فهم حقا معني ان تكون حاملا للأمانة. لم تكن كفاية هي الحجر الوحيد الذي القي في المياه الراكدة، ولا يمكن إغفال الدور الذي لعبته الصحف المستقلة والحزبية،والأقلام الشريفة التي بدأت في إزاحة الستار عن أشكال الفساد وتحقيق مايمكن تسميته بحالة الغليان الذي يؤدي دون شك إلي تراكم البخار في القدر المضغوط حتي تاتي لحظة الإنفجار..استمرت الأقلام التي بايعت علي قول الحق ترشق سهامها دون مهادنة، ولعلنا نذكر ديوان الشاعر الكبير سيد حجاب الصادر عام 2009 "قبل الطوفان الجاي"،صرخ حجاب بأعلي صوته متهما كل الأنظمة العربية قائلا :جميع ولاة الأمر دنيا ودين..كافة عموم ضلالية مستأسدين..مستفردين بالأمر..متنمرين..كل اللي لابدين فوقنا ومأبدين..ياللي إنتو مش منا..ولا إنتو أصحاب فضل ولا منة بس إنتو حاكمينا وشاكمينا وظالمينا..بالجهل والعجرفة..وآيات كتب دموية متحرفة..فيها عشرميت إن ومآلمينا..ياعقول قديمة خالية م المعرفة..عديمة القيمة..ماليها إلا القديمة شفا.بينما كتب الشاعر أحمد فؤاد نجم قصيدته الشهيرة ياعريس الدولة،مبروك يا عريسنا،يا أبو شنه ورنه،يا واخدنا وراثه،أطلب واتمني،وأخرج من جنه،أدخل علي جنه،مش فارقة معانا،ولا هارية بدنا،وكتبت إيمان بكري قصيدتها الشهيرة بنحبك ياحمار"أنا مش حمّار هتخاف مني..مانا برضو حمار وأحمر منك..ما تنهق..قول أي حوار..بنقولك شيي..ما بتمشيشي....والحااا..بنقولها ما بتجيشي..ونقولك هيييسس...ما بتهيسش..ومكمل بينا المشوار..وعلشان كده إحنا إخترناك..وعلي حياتنا إستئمناك"أشعار كثيرة وروايات وقصص قصيرة ومقالات كانت تصرخ وتشعل الفتيل..ومع ذلك كان الاتهام سابق التجهيز بأن المثقفين في ثورة يناير كانوا تابعين..خرجوا وراء الثورة ولم يتقدموا الصفوف وهو ماينكره جملة وتفصيلا الشاعر شعبان يوسف مدير ورشة الزيتون،ورئيس تحرير سلسلة كتابات،مؤكدا أن عملية التوعية بشكل عام تمت عبر ابداعات روائية وشعرية قبل ثورة 25 يناير،مذكرا بأشعار سيد حجاب وبديوان "عاش النشيد" لحسن طلب التي نشرت قصائده في جريدة الدستور عام 5002، ثم صدرت في ديوان عام 6002،وفيه هاجم الشاعر مبارك بشكل مباشر مؤكدا مشاركة كتاب مثل القاص محمد المخزنجي وعلاء الأسواني في التوعية السياسية بما كانوا يكتبونه من مقالات إضافة إلي أن روايات الأسواني من الروايات التي حرضت علي النماذج الرأسمالية البشعة التي كانت جزء من النظام،كما بشرت بالثورة روايات مثل "هيلتون"لسامي كمال الدين والتي صدرت في 2010 واختتمها المؤلف بهذه الجملة" نظر الرئيس من شرفة بيته فرأي دخانا يتصاعد بقوة من ميدان عبدالمنعم رياض،ظنَّ أن مصر تشتعل بثورة شعبية فأوصد باب غرفته عليه وصمت"واشار شعبان يوسف إلي رواية اجنحة الفراشة لمحمد سلماوي وكتابات بهاء طاهر مضيفا أنه علي مستوي المشاركة كانت هناك جماعة ادباء من اجل التغيير وورشة الزيتون ودار نشر ميريت موضحا انه في اعقاب حادث كنيسة القديسين خرجت مظاهرة في ميدان طلعت حرب أدانت الداخلية بشكل مباشر بمبادرة من "أدباء من اجل التغيير " وبمشاركة جموع المثقفين ومنهم بهاء طاهر وسعيد نوح وسعيد الوكيل و د.شيرين ابو النجا ود.محمد بدوي،مؤكدا أن المثقفين والمبدعين كانوا ينخرطون دائما في المظاهرات وأصدق دليل علي ذلك أنه في قرار الإتهام في أحداث 18 و 19 يناير في عهد السادات سنة 1977 كان نصف المتهمين من الكتاب والمفكرين. أما عن صاحب كتاب "الشهاب" الدكتور حامد أبو أحمد العميد الأسبق لكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر وهو كاتب وناقد ومفكر، فقد كان من سعداء الحظ أن صدر كتابه في نهاية عام 2010 وهو سيرة ذاتية تدور حول الثلاثين سنة الأخيرة من عصر مبارك،اتهم فيها مبارك بأنه جاهل جاء بالصدفة والعنوا ن الجانبي للكتاب"ثلاثون عاما من فساد مبارك ونظامه". يتفق الدكتور حامد ابو أحمد أنه حدث تدجين للمثقفين وذلك باعتراف وزير الثقافة فاروق حسني وان غالبية المثقفين كانوا يقعون بين منطقني الرغبة والرهبة،فالراغبون يتمنون المناصب والخائفون لم تكن لديهم الشجاعة،مضيفا ان المثقفين المنشقون عن هؤلاء كانوا قلة علي رأسهم صنع الله ابراهيم وماجد يوسف وغيرهم مؤكدا أنه عندما كان بصدد نشر الكتاب حذره بعض الصدقاء من السجن أو من رفع قضايا عليه لكنه قال لهم انه مستعد لكل شيء من أجل تغيير وعي المثقفمضيفا أنه تحدث في كتابه عن تجارب كثيرة في امريكا اللاتينية وأسبانيا حيث استطاع المثقفون تغيير المجتمع وكانت لهم بالفعل اليد الطولي مؤكدا ان ثورة 25 يناير تمت بخروج شباب مصر لكن المثقفين لعبوا دورا كبيرا في إزكاء الوعي بتردي الأوضاع مؤكدا ان الجمعية الوطنية للتغيير كانت المشعل الخير من المشاعل التي أضاءت الطرلايق للثورة بعد ان سبقتها عدة حركات منها كفاية وفنانين من اجل التغيير وحركات أخري في مختلف النقابات المهنية أما الشاعرة إيمان بكري فتؤكد أنها كتب قصائدها المناهضة للنظام في الداخل وللأنظمة العربية بشكل عام وانها كانت عندما تلقي هذه القصائد خارج مصر كانت تشعر بنظرات الجمهور الخائفة عليها والمندهشة والمنبهرة لأن سيدة تكتب مثل هذا الكلام الذي يحجم عن قوله الرجال مضيفة انها عندما القت قصيدتها كلنا بنحبك ياحمار لأول مرة في معرض الكتاب،نهض نصف من كانوا بالقاعة واستمعوا وقوفا علي ابواب الخروج ،ليتمكنوا من الهروب إذا ماهاجم الأمن،واضافت إيمان انها لم تخف لأنها اتخذت قرار بهز مشاعر الناس ليفيقوا،مؤكدة ان المثقفين الذين انصاعوا للسلطة إما بالمهادنة أو بالتسلق للوصول إلي من بيدهم القرار،كانوا يضعون المثقف غير المدجن في زاوية وأنهم كانوا يقاومونه ويهمشونه،رافضة أن ينضم إلي المثقفين الذين وقفوا امام النظام ودفعوا الثمن غاليا من كانوا يعارضون كجزء من ادوات النظام لتجميل وجهه امام العالم. لقد التحم كثير من المثقفين والفنانين بشباب الميدان منذ اليوم الأول للثورة..مثقفون كانوا دائما خارج حدود التدجين..خرجوا من حيز التحريض والشحن والتبشير إلي حيز الفعل في الميدان..نافين عن المثقف اتهام جزافي بأنه كان تابعا للثورة بدلا من ان يكون مشعلا لها.