ماكين يرغب في تحويل الجمعيات الأهلية إلى ميليشيات مسلحة ومجموعات قتالية القانون الجديد يفرض على الجمعيات ممارسة أنشطتها التنموية والاجتماعية بشفافية مجموعات مصالح تقود الحملة وأطراف إقليمية تدفع مليارات الدولارات لإحراج القاهرة اكتشف السيناتور الأمريكي، جون ماكين (80 عاما) أن لديه ورما سرطانيا بالمخ.. مستشفى "مايو كلينك" بولاية أريزونا"، أكد إصابته ب"جليوبلاستوما"، لكن الرجل يشغل نفسه بملف قطع المعونة الأمريكية عن مصر أكثر من بحثه عن علاج لمرضه العضال.. يوظف موقعه في لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ، لهذه المهمة. منذ زيارته الشهيرة ل"مكتب إرشاد الإخوان" عام 2012 تغيرت لهجته كثيرا تجاه مصر، هو يعاديها منذ البداية.. زادت حدته بوضوح بعد 30 يونية 2013، فأصبح يقود جبهة "تعقب مصر".. ماكين، غاضب من مصر، وكأنه مفروضا على القاهرة أن "تستشيره وإدارته الأمريكية أولا، قبل التصديق على القانون قانون "الجمعيات الأهلية" الجديد، كون القانون لا يتوافق مع "مخططه المشبوه". يفرض على الجمعيات ممارسة أنشطتها "الحقيقية" بشفافية.. أليست "الأعمال التنموية والاجتماعية" الهدف الأهم ل"المجتمع المدني"؟.. ماكين (وشركاه) يرغبون في أن تصبح الجمعيات ميليشيات مسلحة، ومجموعات قتالية تواجه الحكومة، وتفرض إرادتها على المؤسسات الوطنية.. ماكين، يتناسى الدور التخريبي ل"الجمعيات، والمؤسسات، والمنظمات الممولة" التى صنعاها واشنطن وفق توظيف تآمري لملف حقوق الإنسان. تتبدى نتائجه المأساوية فى العراق وسوريا وليبيا واليمن. ولأن مصر (كما دول العالم) ضد هذه التوجهات الأمريكية المشبوهة، فقد جاء قانون الجمعيات الجديد لينظم عملها التقليدي المتعارف عليه، ويعاقب المتجاوزين، لذا أعادت واشنطن ملف المعونة إلى واجهة المشهد. بدأت الأزمة الحالية عندما نقلت وكالة "رويترز" عما وصفته ب"مصدرين مطلعين" أن الولاياتالمتحدة قررت حرمان مصر من مساعدات قيمتها 95.7 مليون دولار، وتأجيل صرف 195 مليون دولار أخرى، احتجاجا على إقرار قانون الجمعيات الأهلية، إلى جانب تقرير (يدعو للسخرية) نشرته صحيفة "واشنطن بوست" يفيد بأن مصر لديها علاقات بكوريا الشمالية. وتوظف مؤسساتها التشريعية (لاسيما مجلس النواب الأمريكى) للضغط على مصر بملف المعونة (العسكرية.. الاقتصادية) عبر المطالبة بإعادة النظر فى تشريع تحصل بموجبه القاهرة (وفقا لاتفاق يعود لما بعد توقيع معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية عام 1979) على مساعدات عسكرية بقيمة مليار و300 مليون دولار (فى هيئة استشارات، ومعدات عسكرية من شركات سلاح أمريكية) ومساعدات اقتصادية تقدر بنحو 250 مليون دولار سنويا، (تذهب جميعها لتمويل مشاريع اقتصادية وصحية وتعليمية بإشراف الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.. وما أدراكم ما الوكالة ودورها المشبوه فى العالم كله). وتعد مصر خامس دولة فى قائمة الدول التى تحصل على معونات مقدمه من الإدارة الأمريكية، حيث تأتى إسرائيل في الترتيب الأول (3.075 مليار دولار) يليها أفغانستان 2.327 مليار دولار.. باكستان 2.152 مليار دولار.. العراق 1.683 مليار دولار) ثم مصر التى تحصل على ما قيمته 1.557 مليار دولار مساعدات اقتصادية وعسكرية. يحق لواشنطنوالقاهرة (طبقا لاتفاقية التعاون الدولي والاقتصادي الموقعة بينهما عام 1978) الاتفاق سنوياً على تحديد المبالغ المرصودة لتنفيذ مشروعات تنموية وبنية أساسية فى مصر، وتحديد الجهات الرسمية التى تتلقى تلك الأموال، وهو ما قامت به واشنطن من طرف واحد، عندما منحت حوالي 95% من الأموال التى أنفقتها منظمات حقوقية (متهمة باختراق الأمن القومى المصرى)، من قيمة المساعدات الأمريكية المخصصة لمصر، دون علم القاهرة! وفى عام 1978، حيث أعلن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جيمي كارتر، تقديم معونة اقتصادية. وتمثل المعونات الأمريكية لمصر 57% من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية، من الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهما من الدول، كما أن مبلغ المعونة لا يتجاوز 2% من إجمالي الدخل القومي المصري. وتحولت أموال المعونة الأمريكية منذ عام 1982 إلى منح لا ترد، غير أن برنامج المساعدات الاقتصادية (كانت قيمته تبلغ 815 مليون دولار) راح يتراجع منذ عام 1999، عندما قررت واشنطن تخفيض مساعداتها بواقع 40 مليون دولار سنوياً، حتى وصلت المساعدات التى تحصل عليها مصر إلى 250 مليون دولار. منذ البداية، رصدت واشنطن المعونة الاقتصادية لتدمير الاقتصاد المصري، عبر الانتقال به من مرحلة الإنتاج الوطني إلى مربع الاستهلاك الذى يعتمد فى الأساس على حصيلة السلع والبضائع المستوردة، وفتح الأسواق المصرية أمام الصناعات التجميعية، والتوكيلات الأجنبية التى لا تضيف قيمة مضافة للاقتصاد المصري، بل تصب فى صالح التوكيل نفسه، ورجل الأعمال المحلى الذى يعمل لصالحه. جماعات الضغط المعادية للقاهرة داخل الإدارة الأمريكية، المستفيدة في الوقت نفسه من تحريك هذا الملف الشائك (لواشنطن نفسها، قبل القاهرة) تأتمر بأوامر جماعات ضغط (Pressure Group/ lobby) فى الداخل الأمريكي، وأطراف أخرى إقليمية (تدفع مليارات الدولارات لمجموعات مصالح، وشركات علاقات عامة) حيث يتناغم الجميع لفرض مزيد من الضغوط على القاهرة، من أجل إحراجها سياسيا، قبل أى تأثير اقتصادي. يتبدى التوظيف السياسي لملف المعونة فى العديد من الملفات الفاضحة لواشنطن (الدفاع عن رجال أعمال فاسدين، محسوبين على مصالح واشنطن فى مصر.. نشطاء يدافعون عن حقوق الشواذ.. حقوقيون يروجون لمنظومة القيم الأمريكية...) وسط مساع لوضع تشريع جديد يحدد مصير المساعدات المقدمة لمصر، وما إذا كانت ستتوقف أم ستستمر؟! يحدث هذا مع كل إدارة أمريكية جاءت للحكم منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضى (عقب سقوط الاتحاد السوفيتي، وبداية الأحادية الأمريكية)، قبل أن تتوحش واشنطن على المنطقة، منذ شروعها فى تطبيق مؤامرة الشرق الأوسط الكبير (إسرائيل الكبرى، وسط ممالك ودويلات فى حجم أصغرها فى حجم قطر، وأكبرها فى حجم تونس)، وهو ما تبين للجميع خلال إدارتي جورج دبليو بوش، والرئيس السابق، باراك أوباما. بعد ثورة 30 يونية 2013 تلقى الكونجرس الأمريكى (صاحب قرار الموافقة على منح المساعدات الخارجية) مشروعى قانون بزعم إضفاء مزيد من الشفافية على برامج المساعدات المقدمة لمصر، وسط ضغوط من مشرعين أمريكيين فى مجلسى النواب والشيوخ على الإدارات والوكالات الحكومية الأمريكية المعنية بتقديم المساعدات الخارجية، تطالب بإعادة النظر فى برنامج المعونة الأمريكية (المساعدات الاقتصادية والعسكرية للقاهرة). رحلة طويلة من الشد والجذب بين القاهرةوواشنطن، تلت خلع الرئيس الأسبق محمد مرسي، بإرادة شعبية.. راحت خلالها إدارة أوباما تختبر مدى صلابة الدولة المصرية ومؤسساتها الوطنية أمام الحملة الضارية التى شاركت فيها دول إقليمية (تتصدرها قطر) وأخرى على أطراف الإقليم (تقودها تركيا) تم خلالها وضع مليارات الدولارات تحت تصرف جماعة الإخوان، كى توجهها كما تشاء (بمعرفة العواصم المذكورة) لشراء وسائل إعلام ومؤسسات حقوقية دولية وسياسيين معروفين بمواقفهم المدفوعة مقدما. آنذاك، لم تتوقف الضغوط الأمريكية عند حد المعونة (الاقتصادية، العسكرية) لكن جماعات الضغط المرتبطة بالإدارة الأمريكية حاولت إجهاض صفقة السلاح المصرية- الفرنسية (الفرقاطة فريم/ تحيا مصر، ومقاتلات رافال متعددة المهام، ولاحقا حاملة المروحيات المستيرال/ جمال عبد الناصر، وأنور السادات) حيث راحت واشنطن تستخدم نفوذها فى الضغط على باريس، لكن التناغم المؤسساتى المصرى (القيادة العامة للقوات المسلحة، وأجهزة المعلومات) إلى جانب حلفاء القاهرة الإقليميين (المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات) لعب دورًا مهمًّا فى إجهاض التحركات الأمريكية. وعبرت واشنطن عن موقفها الغاضب (بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان)، بتعليق صفقة سبق الاتفاق عليها مع مصر (20 طائرة مقاتلة من طراز F16.. 125 دبابة حديثة من طراز M1-A1.. 20 صاروخ هاربون) لكن عندما تبدى لواشنطن أن القاهرة أقوى من خصومها، تم الإفراج عن دفعة من طائرات الآباتشي، كانت ضمن عملية صيانة دورية فى واشنطن، وإتمام صفقة عسكرية مؤجلة. وردت مصر على التعنت الأمريكي بتوقيع صفقة عسكرية مع روسيا تتضمن توريد أسلحة ومعدات عسكرية (مقاتلات، ومروحيات، وأنظمة صواريخ وأسلحة أخرى) قيمتها أكثر من ثلاثة مليارات دولار، تشمل مقاتلات MiG-29M/M2 ، وأنظمة دفاع جوي من عدة أنواع، وطائرات مروحية من طراز Mi- 35، وأنظمة مضادة للسفن، ومجموعة متنوعة من الذخيرة والأسلحة الخفيفة...". لكن فى المعركة على أشدها، بين واشنطنوالقاهرة، خرجت التصريحات الدبلوماسية الأمريكية (على لسان المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، جين ساكي، آنذاك) لتؤكد أن "مصر دولة ذات سيادة ولها علاقات مع الدول الأخرى كما هو الحال مع واشنطن.. وأن هناك علاقات أمنية تربط مصر والولاياتالمتحدة وبالتالى لا يوجد ما يثير أى قلق لواشنطن". اقتصاديا، تعد المساعدات الأمريكية (خاصة العسكرية) بمثابة طوق نجاة لمجمع الصناعات العسكرية الأمريكي، ومن ثم تستفيد منها واشنطن أكثر من القاهرة، حيث تخصص المعونة لشراء التزامات مصرية من مصانع الأسلحة الأمريكية، مقابل منافع أخرى يتصدرها عبور المعدات العسكرية الأمريكية بقناة السويس، لاسيما منح تصاريح عبور على وجه السرعة لبوارج الحربية الأمريكية". أيضا، تشير إحصاءات إلى أن 80% من المساعدات الأمريكية لمصر تستفيد منها واشنطن بالأساس، عبر التعاون الإجبارى مع العديد من الشركات الأمريكية التى استفادت من الاتفاق فى تصريف منتجاتها ذات الأسعار المرتفعة والكفاءة المنخفضة عالميا، فى مصر، وأنه بفضل هذه المساعدات أصبحت واشنطن المستثمر الأول فى قطاعات الإنتاج والخدمات المصرية، دون أثر واضح على الاقتصاد المصرى. تدرك واشنطن أن ورقة المساعدات الاقتصادية والعسكرية المقدمة لمصر لم تعد ذات جدوى فى التأثير على القرار السياسى فى مصر، وأن دعوات بعض أعضاء الكونجرس لتخفيض المعونة لا تمثل توجها عاما للإدارة الأمريكية، وإنما تأتى فى إطار مقترحات لضغط النفقات جراء الأزمة الاقتصادية التى تعانيها أمريكا. عسكريا، كانت القيادة العامة للقوات المسلحة حصيفة منذ البداية، عندما راحت تنوع مصادر التسليح، بعد تقدير موقف حذر من ضغوط واشنطن عبر استخدام البيروقراطية الأمريكية في التهديد بملف المعونة، ومنذ توقيع الاتفاق لم يتم الاعتماد على المعونة بشكل رئيسي، وأنه لو تم الاعتماد عليها على هذا النحو لما وصل ترتيب القوات المسلحة المصرية للترتيب العاشر بين الجيوش الكبرى في العالم.