21 مايو 2107. تم عقد قمة تاريخية لأول مرة فى التاريخ بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وخمسة وخمسين دولة من العالم الإسلامى فى العاصمة السعودية )الرياض( ألقى فيها ترامب كلمة مطولة تحمل من الدلالات الدينية الكثير. فقد دعا إلى التعايش بين الأديان السماوية الثلاثة، تلك العبارة التى كانت رمزًا لجولاته الثلاثة من الرياض، إلى بيت لحم وتل أبيب وتأكيد التزامه بحل القضية الفلسطينية دون أن يسميها بحل الدولتين، وأخيرًا إلى دولة الفاتيكان، كدلالة رمزية تعبر عن فحوى توجهات ترامب المستقبلية. حرص ترامب خلال كلمته فى مؤتمر الرياض على أن يسمى الإرهاب بتسميته الحقيقية كإرهاب سياسى وليس كإرهاب إسلامى. كما كان حريصًا على عدم استخدام المفردات اللغوية الغربية من الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، ما يعنى انها ليست من أولويات الأجندة الأمريكية فى الوقت الحالى، وربما كان انقلابًا ترامبيًا على الدولة الأمريكية العميقة التى تسيس هذه الشعارات من أجل تطويع الدول، وهو نهج يتماشى مع ما أعلنه ترامب أثناء حملته الانتخابية من انتهاء عصر تغير الأنظمة مثلما فعل اسلافه، وهو ما أكده خلال كلمته قائلًا: «سنسعى حيثما أمكن، إلى إجراء إصلاحات تدريجية وليس التدخل المفاجئ». تمكن ترامب خلال مؤتمر القمة الأمريكية الإسلامية من انتزاع إقرار من الدول العربية المعنية بالتوقف عن تمويل الإرهاب، وتجفيف منابعه، والعمل المشترك للقضاء على هذه الجماعات الإرهابية اينما وجدت. وقد سمى دولاً ورؤساء وملوكًا فى منطقة الشرق الأوسط باسمائها، ولم يأت قط على ذكر أى دولة من دول شمال أفريقيا والمغرب العربى. ما يعنى ضمنيًا أن الأزمة الليبية ليست من أولويات ترامب الفترة المقبلة، وربما كان إقرارًا منه بتحديد وتوزيع الأهداف الجيوسياسية فى الصراع الإقليمى بين أمريكا والدول الغربية الكبرى، بما يعنى أنه سيترك الدولة الليبية كساحة اقتتال ونزاعات دولية بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا. كما لم ينس ترامب مع حصوله على استثمارات سعودية بقيمة 550 مليار دولار، فى صفقة هى الأكبر فى تاريخ البلدين، أن يضع حركة حماس فى سلة الجماعات الإرهابية مع جماعة حزب الله اللبنانية. كما تعهد بالتصدى لإيران كدولة راعية للإرهاب تهدد أمن دول الخليج. بالطبع جاءت هذه التعهدات على عكس توجهات الرئيس الأمريكى السابق–باراك أوباما–الذى أعلن خلال مؤتمر كامب ديفيد مع ملوك الخليج فى مارس 2015، وقبلها بأيام خلال المقابلة الصحفية له مع مجلة )ذى اتلانتك(، أن دول الخليج عليها حماية نفسها، وأن أمريكا لن تحارب بالنيابة عن أحد. كما أنه اتهم السعودية تحديدًا برعاية وتمويل الإرهاب حينما أشار إلى المدارس الوهابية التى ترعاها عائلة آل سعود وتقوم بنشر نسختها الإرهابية حول العالم. هذه العبارة التى وضعت صك فك الارتباط بين الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية بنهاية عصر أوباما، والتى تزامنت مع إبرام الاتفاق النووى الإيرانى فى 14 يوليو 2015، بدأت المملكة فى إعادة صياغة الاستراتيجية الأمنية. لها ليس فقط بشن الحرب على اليمن بما سُمى بعاصفة الحزم للقضاء على الحوثيين الأذرع الطولى لطهران، ولا بتكثيف جهودها فى سوريا بإقامة تحالف استراتيجى مع قطر وتركيا سرعان ما تفكك فحسب. بل بدأت العائلة المالكة تقدم المملكة فى ثوب جديد لدول العالم من قلب القاهرة. فلم يكن الاعلان عن اتفاقية القاهرة فى أبريل من عام 2016، بترسيم الحدود البحرية فى البحر الأحمر بين الرياضوالقاهرة والتى وضعت جزيرتى تيران وصنافير ضمن الأراضى السعودية، سواء الجسر الذى ستعبر منه المملكة للتطبيع مع إسرائيل رسميًا، ما يعنى أن هناك تحالفًا سنيًا سيضم دول الخليج ومصر والمغرب بجوار إسرائيل فى مواجهة فزاعة الحلف الإيرانى، ربما تكون حلقة من الحلقات المفقودة لصفقة القرن التى أفصح عنها الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى سابقًا. وعلى ذكر التعايش بين الأديان السماوية الثلاثة، فربما يتم الاتفاق على أن تقع القدس تحت إدارة فلسطينية إسرائيلية مشتركة، لتنعم الدولتين بتدفق المليارات من السياحة الدينية المحرومة منها، كإحدى الحلقات المفقودة لصفقة القرن، فهناك ما يربو عن 4 مليارات مسلم ومسيحى يمكنهم حج الأماكن المقدسة بالقدسالشرقية، بالإضافة إلى ما يزيد عن 300 ألف يهودى فى العالم يمكن أن يزوروا القدسالغربية. ولم يتبق سوى خلق شرايين وأوردة جديدة لإسرائيل عبر تأسيس شبكة طرق برية تربط المشرق العربى بالمغرب العربى، تتيح لها الانصهار داخل الجسد العربى، وتربط مصير شعبها بالشعوب العربية تجاريًا واقتصاديا ودينيًا، لتصبح حلقة جديدة من حلقات صفقة القرن المفقودة. وتتبقى الحلقة الأهم فى هذه الصفقة وهى قضية اللاجئين الفلسطينيين. هل سيتم منحهم جنسية الدول التى يستوطنون بها؟ أم سيتم الاتفاق على العودة إلى مقترح )جيورا إيلاند( الصادر عام 2008، وقد اقترح تكوين كونفيدرالية أردنية تضم الضفة الغربيةوغزة على أن تكون العاصمة المركزية فى عمان، ربما تستقطع أجزاء من محافظة الأنبار العراقية لتنضم للأردونسطين. أم سيكون مقترح )غزة الكبرى( بضم 720 كم مربعًا من رفح المصرية حتى الشيخ زويد وجنوبا حتى معبر كرم أبوسالم!!. أيضًا لم تكن زيارة الملك سلمان لقداسة البابا تواضروس بالكاتدرائية المصرية سوى رسالة واضحة من المملكة بصفتها دولة تتعايش مع كافة الأديان السماوية، ولم تكن القرارات التى صدرت من العاهل السعودى بتقويض صلاحيات مكاتب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر داخل المملكة سوى خطوة جادة نحو إعادة صياغة مؤسسات المملكة كمؤسسات علمانية وليدة والتى سيشرف على صياغتها الأمير محمد بن سلمان الذى عين وليًا للعهد مؤخرًا تحضيرًا لتوليه عرش المملكة خلفًا لوالده الملك سلمان. كاتب جيوسياسى