تمر هذه الأيام ذكرى ميلاد "فارس الرومانسية" الكاتب الكبير يوسف السباعي. ولد يوسف محمد محمد عبد الوهاب السباعي في 17 يونيو 1917، كان والده "محمد السباعي" متعمقا في الآداب العربية شعرها ونثرها ومتعمقا في الفلسفات الأوروبية الحديثة يساعدها إتقانه اللغة الإنجليزية. السباعي الأب ترجم كتاب "الأبطال وعبادة البطولة" لتوماس كارلايل، وكتب في مجلة (البيان) للشيخ عبد الرحمن البرقوقي. كان "محمد السباعي" الكاتب والمترجم يرسل ابنه الصبي "يوسف" بأصول المقالات إلى المطابع ليتم جمعها، أو صفها، ثم يذهب الصبي يوسف ليعود بها ليتم تصحيحها وبعدها الطباعة لتصدر للناس. حفظ "يوسف" أشعار عمر الخيام التي ترجمها والده من الإنجليزية. وفي أخريات حياته كتب قصة "الفيلسوف"، ولكن الموت لم يمهله فتوفى وترك القصة لم تكتمل، وأكمل القصة "يوسف السباعي" وطبعت عام 1957 بتقديم للدكتور "طه حسين" وعاش في أجوائها "يوسف". القصة جرت في حي السيدة زينب، وأحداثها في العقود الأولى من القرن العشرين، وحسن أفندي مدرس اللغة الإنجليزية في مدرسة أهلية هو "الفيلسوف" وصور محمد السباعي أزمة حسن أفندي العاطفية تصويرا حيا. كان "يوسف" أكبر إخوته في الرابعة عشرة من عمره عندما، إختطف الموت أباه الذي امتلأت نفسه بحبه وفاخر أقرانه به وعاش على اسمه الذي ملأ الدنيا ، ولم يصدق أن أباه قد مات. وتخيل أن والده غائب وسوف يعود إليه ليكمل الطريق معه، وظل عاما كاملا في حالة نفسية مضطربة يتوقع أن يعود أبوه بين لحظة وأخرى، ولهذا كان "يوسف" محبا للحياة يريد أن يعيش بسبب واحد هو ألا يقع ابنه "إسماعيل" في تجرب موت الوالد. بعد أن اجتاز السباعي المرحلة الثانوية وعلى الرغم من عشقه للأدب إلا أنه أختار دراسة بعيدة كل البعد عن ميوله الأدبية، حيث التحق بالكلية الحربية . التحق يوسف السباعي بالكلية الحربية في نوفمبر عام 1935 وترقى إلى درجة الجاويش، وهو في السنة الثالثة وبعد تخرجه من الحربية تم تعيينه في سلاح الصواري وأصبح قائدًا لفرقة من فرق الفروسية. بدأ السباعي منذ منتصف الأربعينات في التركيز على الأدب وليؤكد وجوده كقاص، فقد نشر عدد من المجموعات القصصية وأعقبها بكتابة عدد من الروايات، كان السباعي في تلك الأثناء يجمع ما بين عالم الأدب والحياة العسكرية، حيث كان له الفضل في إنشاء سلاح المدرعات. وقد بدأ السباعي مسيرته في العمل العام بإنشاء نادي القصة ثم تولى مجلس إدارة ورئاسة تحرير عدد من المجلات والصحف منها "روز اليوسف، وآخر ساعة، ودار الهلال، والأهرام". وفي عام 1977 أصبح يوسف السباعي نقيبا للصحفيين كما تولى السباعي وزارة الثقافة المصرية. تدرج السباعي في العديد من الوظائف والمناصب، ولم تبعده هذه المناصب والأعمال التي كلف بها عن عشقه الأول للأدب حيث سار الاثنان جنباً إلى جنب في حياة السباعي. كان يوسف مؤمناً بأن للأدب دور كبير للتمهيد للسلام في مختلف العصور ، ولم يكتب من خلال نظرية فنية أو سياسية ولو خير من بين مناصبه التي تولاها وبين الإبداع الأدبي لأختار الكتابة، كما فعل طوال حياته. جمع بين النشاط العسكري والنشاط الأدبي، وكان على حد تعبير، الدكتور محمد مندور لم يقبع في برج عاجي وإنما نزل إلى السوق. لم تكن له (شلة) ثنائية أو ثلاثية، كما كان عليه الحال على أيام والده ، كانت هناك ثلاثية "محمد السباعي وعباس حافظ وحسين شفيق المصري"؛ وهذه استمرت لأنها لم تتعرض لصراعات فيما بينهم. ومن الصعب أن نقول أن يوسف السباعي كانت له معارك، فقد قال "يوسف إدريس" منافسه في انتخابات نقابة الصحفيين، إن "يوسف" كان يلقاه مرحبا فاتحا ذراعيه. المعارك فرضت عليه من مخالفيه السياسيين والمذهبيين، فقال "عبد الرحمن الشرقاوي" إنه بعد هزيمة 5 يونيو عام 1967، في أحد إجتماعات إتحاد الكتاب العرب، وقف مندوب أحد الوفود يطلب عزل يوسف السباعي، وعلى الفور أعلن يوسف إستقالته وإنسحب إلى حجرته وجاء مندوبو الوفود جميعا في مقدمتهم ممثل الحزب الشيوعي، وقال: "هذا العضو الذي طالب بعزل يوسف السباعي مفصول من الحزب، وقد سلم وثائق الحزب للمخابرات المركزية الأمريكية"، وعاد يوسف وعادت الوفود إلى الإجتماع لتطرد هذا العضو الذي أثار الزوبعة. وفي إجتماع الكتاب الآسيويين الإفريقيين في سبتمبر عام 1973، كان الإجتماع في (ألما آتا) في الإتحاد السوفيتي وحوالوا عزله فطرح الثقة بنفسه وفاز بأغلبية ساحقة. لم يكن يفرض المعارك على الآخرين، كان يسبح في الحياة كما يسبح (سبع البحر) على حد تعبير طاهر الطناحي في عالم البحر الواسع الملئ بالقصص والأساطير وعجائب الحيوان وصراع الطبيعة للإنسان. اغتيل يوسف السباعي في قبرص في صباح يوم 18 فبراير عام 1978 عن عمر ناهز ال60 عاماً أثناء قراءته إحدى المجلات بعد حضوره مؤتمراً آسيوياً أفريقياً بإحدى الفنادق هناك. قتله رجلان في عملية أثرت على العلاقات "المصرية – القبرصية" وأدت بمصر لقطع علاقاتها مع قبرص، وذلك بعد قيام وحدة عسكرية مصرية خاصة بالهبوط في مطار لارنكا الدولي للقبض علي القاتلين دون إعلام السلطات القبرصية، حيث احتجز القاتلان بعد اغتياله نحو ثلاثين من أعضاء الوفود المشاركين في مؤتمر التضامن كرهائن واحتجزوهم في كافيتيريا الفندق، مهددين باستخدام القنابل اليدوية في قتل الرهائن ما لم تستجب السلطات القبرصية لطلبهما بنقلهما جوا إلى خارج البلاد، واستجابت السلطات القبرصية لطلب القاتلين وتقرر إقلاعهما على طائرة قبرصية من طراز (DC8) للسفر خارج قبرص من مطار لارنكا، ودارت معركة بين القوة الخاصة المصرية والجيش القبرصي، أدت إلى مقتل عدة أفراد من القوة المصرية وجرح العديد من الطرفين. حصل السباعي على عدد من التكريمات والجوائز منها: جائزة الدولة التقديرية في الآداب، وسام الاستحقاق الإيطالي من طبقة فارس، وفي عام 1970 حصل على جائزة لينين للسلام، ومنح وسام الجمهورية من الطبقة الأولي من جمهورية مصر العربية، وفي عام 1976م فاز بجائزة وزارة الثقافة والإرشاد القومي عن أحسن قصة لفيلمي " رد قلبي" و"جميلة الجزائرية"، وأحسن حوار لفيلم رد قلبي وأحسن سيناريو لفيلم "الليلة الأخيرة" .