كان جالساً في احد فنادق دولة قبرص، يحتسي كوباً من الشاي وبيده جريدة يقرأها فدخل عليه اثنين قاما بقتله في عملية اغتيال تسببت في ألم وحزن الشعب المصري، لموت «فارس الرومانسية.. يوسف السباعي»، وبسببها قطعت العلاقات المصرية القبرصية وقتها. وفي ذكرى اغتياله رصدت «الفجر» ملامح من حياة «يوسف السباعي» ورحلة إبداعه التي بدأت من شبرا وانتهت باغتياله في «قبرص». «السباعي».. الابن والأب ولد السباعي في 10 يونيو عام 1917 بمنطقة شبرا، وسط عائلة مثقفة، فوالده «محمد السباعي» الذي كان متعمقا في الآداب العربية شعرها ونثرها، والفلسفات الأوروبية الحديثة لإتقانه اللغة الإنجليزية، فكان كاتباً ومترجماً، لذلك تربى «السباعي» في جو عائلي مثقف ساعده على نبوغه الأدبي فقد حفظ السباعي أشعار عمر الخيام التي ترجمها والده من الإنجليزية للعربية. كانت حالة أسرة السباعي بسيطة «على قد الحال» حيث كان يضطر إلى أن يمشي من أقاصي شبرا إلى العتبة على قدميه. وكان السباعي أكبر أخوته وهم «محمود وأحمد»، وفي الرابعة عشرة من عمره عندما توفي والده، وبسبب حب الأب الزائد لأبنائه تعرض السباعي لحالة نفسية واضطراب حيث توقع أن يعود والده بين لحظة وأخرى، ولهذا كان السباعي محبا للحياة يريد أن يعيش بسبب واحد هو ألا يقع ابنه «إسماعيل» في تجربة موت الوالد، وتزوج من ابنة عمه «طه السباعي» الوزير وقتها، ورزق منها بإبنته «بيسه» وابنه «إسماعيل».
«السباعي» الطالب المتميّز «يوسف السباعي» لم يلتحق في مرحلة التوجيهية «الثانوية» بالقسم الأدبي ، وإنما التحق بالقسم العلمي، وفي مدرسة «شبرا الثانوية» كان السباعي طالباً متميزاً فكان يجيد الرسم وبدأ يعد مجلة يكتبها ويرسمها وتحولت المجلة إلى مجلة للمدرسة بعد أن أعجبت إدارة المدرسة بمجلة التلميذ «يوسف محمد السباعي» وأصبحت تصدر باسم «مجلة مدرسة شبرا الثانوية» ونشر بها أول قصة يكتبها بعنوان «فوق الأنواء» عام 1934 وكان عمره 17 عاما ولإعجابه بها أعاد نشرها فيما بعد في مجموعته القصصية «أطياف» 1946.
«السباعي».. ضابط وروائي ووزير
تدرّج السباعي في الكثير من المناصب والوظائف من بينها عسكري ومنها مدني، ورغم تعددهم إلا أنه لم يترك هوايته وهي الكتابة فكان أشهر الروائيين الرومانسيين الذي لم يختلف عليه الروائيين حتى الآن، فتخرج السباعي في الكلية الحربية عام1937، وتولي بعدها عدد من المناصب العسكرية منها التدريس في الكلية الحربية عام 1940، ثم عمل بالتدريس في الكلية الحربية بسلاح الفرسان، وأصبح مدرساً للتاريخ العسكري بها عام 1943، ثم اختير مديراً للمتحف الحربي عام 1949، وتدرج في المناصب حتى وصل إلى رتبة عميد. بعدها اختير بعدها سكرتيرا للمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عام 1956، ثم سكرتيرا لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية عام 1957، ثم اتجه للصحافة وأصبح نقيب للصحفيين 1977. ورأس السباعي تحرير عدد من المجلات منها «الرسالة الجديدة، وآخر ساعة والمصور، الأهرام»، وكان له 21 مجموعة قصصية قدمت بعضها في السينما والتليفزيون من أشهرها «رد قلبى وبين الأطلال و السقا مات ونحن لا نزرع الشوك». ثم عيّنه الرئيس السابق أنور السادات وزيرا للثقافة وظل يشغل منصبه إلى أن اغتيل في قبرص في فبراير عام 1978 بسبب تأييده لمبادرة السادات بعقد سلام مع إسرائيل منذ سافر إلى القدس عام 1977.
«السباعي» وعلاقته بالرؤساء
كان للسباعي مكانة كبيرة لدى رؤساء مصر الذين عاصرهم ومنهم «جمال عبد الناصر» و «أنور السادات»، فتلك المكانة ظهرت في علاقته مع عبد الناصر حين فكر «إحسان عبد القدوس» في إنشاء «المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعي»، فطلب من «السباعي» أن يحصل على موافقة «جمال عبد الناصر» خشية اعتراضه إذا تقدم إحسان بالاقتراح وذلك بسبب بعض الحساسيات بينهما.
وبالفعل وضع يوسف السباعي الاقتراح أمام عبد الناصر الذي وافق على أن يكون «السباعي» السكرتير العام ولا مانع أن يكون إحسان عضوا في مجلس الإدارة، وصدر قرار جمهوري بإنشاء المجلس عام 1956 وأن يعين «توفيق الحكيم» عضوا متفرغا للمجلس بمثابة الرئيس وأن يكون يوسف السباعي سكرتيرا عاما في يده كل الأمور.
وعن مكانته لدى الرئيس «السادات» فقد عيّنه الرئيس الراحل وزيراً للثقافة الذي ظل شاغره حتى أُغتيل، كما أن حادثة اغتياله أدت لقرار رئاسي بقطع العلاقات المصرية القبرصية.
اغتيال «السباعي» وقطع العلاقات «المصرية القبرصية» أغتيل السباعي في قبرص في صباح يوم 18 فبراير عام 1978، عن عمر ناهز ال60 عاماً أثناء قراءته إحدى المجلات بعد حضوره مؤتمراً آسيوياً أفريقياً بإحدى الفنادق هناك، حيث قتله رجلان في عملية أثرت على العلاقات «المصرية القبرصية» وأدت بمصر لقطع علاقاتها مع قبرص.
حيث قامت وحدة عسكرية مصرية خاصة بالهبوط في مطار لارنكا الدولي للقبض على القاتلين دون إعلام السلطات القبرصية، حيث احتجز القاتلان بعد اغتياله نحو ثلاثين من أعضاء الوفود المشاركين في مؤتمر التضامن كرهائن واحتجزوهم في كافيتيريا الفندق مهددين باستخدام القنابل اليدوية في قتل الرهائن ما لم تستجب السلطات القبرصية لطلبهما بنقلهما جوا إلى خارج البلاد، واستجابت السلطات القبرصية لطلب القاتلين وتقرر إقلاعهما على طائرة قبرصية من طراز «DC8» للسفر خارج قبرص من مطار لارنكا، ودارت معركة بين القوة الخاصة المصرية والجيش القبرصي أدت إلى مقتل عدة أفراد من القوة المصرية وجرح العديد من الطرفين، واتهمت لاحقا منظمة أبو نضال بالجريمة.