رسالة الفدائية «صابحة» ناقلة خرائط تمركزات العدو على صدر طفلها الرضيع قبل وفاتها بأيام: ربنا يقويك يا ريس ويحفظ جيش مصر    إزالة بعض خيام الطرق الصوفية بطنطا بسبب شكوى المواطنين من الإزعاج    مؤسس مقاطعة السمك ببورسعيد ل"كل الزوايا": تأثير المبادرة وصل 25 محافظة    الزراعة ل«مساء dmc»: المنافذ توفر السلع بأسعار مخفضة للمواطنين    «إكسترا نيوز» ترصد جهود جهاز تنمية المشروعات بمناسبة احتفالات عيد تحرير سيناء    اعرف الآن".. التوقيت الصيفي وعدد ساعات اليوم    استقرار أسعار الدولار اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    أستاذ اقتصاد: سيناء تستحوذ على النصيب الأكبر من الاستثمار ب400 مليار جنيه    استقالة متحدثة لخارجية أمريكا اعتراضا على سياسة بايدن تجاه غزة    ادخال 21 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة عبر بوابة معبر رفح البري    في اليوم ال203.. الاحتلال الإسرائيلي يواصل أعمال الوحشية ضد سكان غزة    موعد مباراة الهلال والفتح والقنوات الناقلة في الدوري السعودي    رمضان صبحي: كنت حاسس إن التأهل من مجموعات إفريقيا سهل.. ومقدرش أنصح الأهلي    «الأرصاد» عن طقس اليوم: انخفاض في درجات الحرارة بسبب تأثر مصر بمنخفض جوي    رسالة من كريم فهمي ل هشام ماجد في عيد ميلاده    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    فلسطيني يشتكي من الطقس الحار: الخيام تمتص أشعة الشمس وتشوي من يجلس بداخلها    طيران الاحتلال يشن غارات على حزب الله في كفرشوبا    حكاية الإنتربول مع القضية 1820.. مأساة طفل شبرا وجريمة سرقة الأعضاء بتخطيط من مراهق    التوقيت الصيفي في مصر.. اعرف مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024    إشادة برلمانية وحزبية بكلمة السيسي في ذكرى تحرير سيناء.. حددت ثوابت مصر تجاه القضية الفلسطينية.. ويؤكدون : رفض مخطط التهجير ..والقوات المسلحة جاهزة لحماية الأمن القومى    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 26- 4- 2024 والقنوات الناقلة    صحة القليوبية تنظم قافلة طبية بقرية الجبل الأصفر بالخانكة    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة بمليارات الدولارات إلى كييف    "تايمز أوف إسرائيل": تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن 40 رهينة    أول تعليق من رمضان صبحي بعد أزمة المنشطات    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    أبرزهم رانيا يوسف وحمزة العيلي وياسمينا العبد.. نجوم الفن في حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير (صور)    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    بعد سد النهضة.. أستاذ موارد مائية يكشف حجم الأمطار المتدفقة على منابع النيل    وزير الخارجية الصيني يلتقي بلينكن في العاصمة بكين    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    «جريمة عابرة للحدود».. نص تحقيقات النيابة مع المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    خالد جلال يكشف تشكيل الأهلي المثالي أمام مازيمبي    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    سيد معوض يكشف عن مفاجأة في تشكيل الأهلي أمام مازيمبي    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    سيد معوض يكشف عن رؤيته لمباراة الأهلي ومازيمبي الكونغولي.. ويتوقع تشكيلة كولر    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    الشروق تكشف قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بطل «حطين».. انحنى له المستشرقون واتهمه «زيدان» بالحقارة


إحياء كتب الكارهين على جثة الناصر صلاح الدين
ليست القضية أن الدكتور يوسف زيدان سب قائدًا ورمزًا له فى قلوب الكثيرين مكانة عظيمة، فالقائد الناصر صلاح الدين الأيوبى لم يرتبط اسمه فقط بفيلم أخرجه يوسف شاهين، وإنما ارتبط اسمه بواحدة من أعظم المعارك التى تم خوضها باسم الدين فى التاريخ وهى معركة «حطين» التى تم فيها استرداد القدس من أيدى الصليبيين الذين خاضوا سلسلة طويلة من المعارك تمثلت فى عدة حملات بدأت بدوافع دينية وانتهت بغير ذلك.. ليست القضية أن مفكرًا هاجم بطلًا يمثل جزءً امن ذاكرة الفخر لأمة تنمحى لديها الذاكرة يومًا بعد يوم، أو أن صلاح الدين الأيوبى كزعيم وبطل حصد إنصافًا من مستشرقين كثيرين قبل أن ينصفه مؤرخون عرب.. القضية أكبر من ذلك بكثير، فهى قضية البحث العلمى وأبجدياته، وأهمها اختيار المصادر التى نأخذ عنها، فالتاريخ ليس علمًا معمليًا تحكم حقائقه التجربة، لكنه علم شفوى نتناقله عبر العصور، وهو دون شك قابل للتحريف، إضافة إلى المقولة الشهيرة «التاريخ يكتبه المنتصرون» وهى مقولة تؤكد أننا قد نجهل الكثير من الحقائق وقد نتداول الكثير من المغالطات، وهنا يأتى دور الباحث، أو المفكر، فكلاهما بينهما الكثير من السمات المشتركة، ومنها الموضوعية وفهم الظروف الاجتماعية والسياسية والإلمام بالحقب التاريخية وترتيبها والقدرة على البحث وتنظيم الفكر ثم صياغة النتائج بحياد ينأى بالباحث عن السباب والتحقير أو المدح والتفخيم، إلى غير ذلك من القواعد التى لا يمكن لباحث أو مفكر أن يكون منصفًا بدونها.
ولعلنا هنا نضع يدنا على موطن الداء فيما قاله الدكتور يوسف زيدان «صلاح الدين الأيوبى من أحقر الشخصيات فى التاريخ الإنسانى»، «صلاح الدين قام بجريمة ضد الإنسانية ضد الفاطميين وعزل الرجال عن النساء، فانقطع نسل الفاطميين فى مصر بعد توليه الحكم، وحرق مكتبة القصر الكبير التى كانت تعد فى هذا الوقت أكبر مكتبة فى العالم لدواعٍ سياسية واهية وهى محاربة الفكر الشيعي».
«طبيب صلاح الدين الخاص هو اليهودى موسى بن ميمون وهو أمهر طبيب فى التاريخ اليهودي، واليهود لديهم عبارة شهيرة، يقولون: «لن يأتى من موسى إلى موسى غير موسى»، أى من موسى النبى إلى موسى بن ميمون لم يأتِ غير موسى بن ميمون، وهو الذى أحيا الفكر اليهودى وجعل اليهودية تبقى حتى الآن».
أما مفاجأة الدكتور يوسف زيدان التاريخية الكبرى فكانت «صلاح الدين لم يحرر القدس بل عقد صلحًا مع الصليبيين، واضطر صلاح الدين يحارب فى القدس بعد أسر شقيقته لأننا نعلم ما يحدث للأسيرات فاضطر بعد طول مماطلة مع الناس أن يحاصر القدس وحصلت حرب بين الجانبين لم ينتصر فيها أحدًا، والأسقف سلمها له صلحًا على شرط إنه ما يهدوش الكنائس»
بداية وقبل الخوض فى التفاصيل علينا معرفة أن الدكتور «زيدان» خلط بمهاراة بين فترتين زمنيتين مختلفتين، فالتاريخ يؤكد أن صلاح الدين الأيوبى عاش فى الفترة من )532 - 589 ه / 1138 - 1193 م(، بينما حكم خامس سلاطين الدولة الأيوبية وهو الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك العادل عام 615ه أى بعد وفاة صلاح الدين الأيوبى بست وعشرين سنة، وحكم من 1218م إلى 1238م. وكان الملك الكامل هو من تنازل بالفعل عن بيت المقدس للصليبيين وليس صلاح الدين الأيوبى!
لقد كان الدكتور يوسف زيدان يتحدث عن سلبيات صلاح الدين الأيوبى معتبرًا أن بطولته غير حقيقية عندما زج بقصة أخرى وكأنها فى نفس سياق حكيه عن الأيوبى فقال زيدان: «بعد تسليم القدس صلحًا لصلاح الدين الأيوبى.. إيه اللى حصل بقا.. بعد فترة جاء السلطان الكامل ابن أخو صلاح الدين»، مستشهدًا بكتاب «شذرات الذهب فى أخبار من ذهب» لابن العماد الحنبلى، حيث قال المؤلف:«ثم دخلت سنة 628 ه وفيها سلم الكامل القدس للصليبيين»، فبدا الأمر وكأن صلاح الدين الأيوبى مسؤول عما أحدث الخلفاء من بعده، وهو أمر لا يمكن أن يقول به أى باحث أو مفكر منصف.
لقد انتقى «زيدان» مما كتبه المؤرخون ما يثبت وجهة نظره لكنه دون شك أغفل ما كتبه آخرون أبرأوا صلاح الدين الأيوبى تمامًا من حرق مكتبة القصر الكبير المسماة بمكتبة دار الحكمة، بل إن منهم من أكد أن المكتبة لم تُحرق نهائيًا فى عصره، ويذكر التاريخ أن مصر تعرضت لما يسمى بالشدة المستنصرية وهى الشدة التى حدثت أثناء حكم الخليفة «المستنصر» الذى حكم فى الفترة «420-487ه/ 1029م-1094م» وهى المجاعة التى أكل الناس فيها بعضهم وأكلوا الكلاب والميتة - وقيل إنه فى عام 461ه/ 1068م تعرضت المكتبة إلى النهب والسلب والتلف والضياع إثر الخلاف الذى نشب بين الجنود السودانيين والأتراك فى مصر، وأحرق العابثون الكثير من محتوياتها، وهناك من يذكر أن بعضهم قد جعل من جلودها نعالًا له. وزاد فى الطين بلّة، انتشار الأوبئة والطاعون، ولم يبق من هذه الدار سوى مئة ألف كتاب، يوم دخل صلاح الدين الأيوبى القاهرة بعد قرن تقريبًا من تلك الوقائع. ولم يسلم ما تبقى أيضًا، فبسبب انتشار القحط والمجاعة فى مصر مرة أخرى بين عامى 1348-1349م، راح بعضهم يعرض مجلدًا كاملًا للمقايضة على رغيف خبز، واختلف مؤرخون فى أن صلاح الدين الأيوبى فى فترة حكمه عرض كتبًا من تلك المكتبة للبيع أو أهداها إلى أقاربه، «وهى رواية أخرى للتاريخ» قد تبدو منطقية حيث كان الأيوبى «سنيًا» وهو من حوَّل الأزهر إلى المذهب الأشعرى، وهو من أوقف صيغة «حى على خير العمل» فى الأذان، لتنتهى فى عهده الدولة الفاطمية التى جاءت إلى مصر بالتشيع، وقد تعرض الأيوبى لخيانات ومؤامرات من الفاطميين، ويقول المقريزى فى «السلوك»: «وفيها – أى سنة 569ه - اجتمع طائفة من أهل القاهرة على إقامة رجل من أولاد العاضد – آخر خليفة فاطمى بمصر – وأن يفتكوا بصلاح الدين وكاتبوا الفرنج» يقصد طلبوا دعم الفرنجة.
ويقول المقريزى أيضًا عن هجوم الفرنجة على مصر بسبب تلك المكاتبة:«نزل أسطول الفرنج بصقلية على ثغر الإسكندرية لأربع بقين من ذى الحجة بغتة، وكان الذى جهز هذا الأسطول غاليالم بن رجار متملك صقلية ولى بعد أبيه فى سنة 560ه».
قصة صلاح الدين الأيوبى مع إنهاء الدولة الفاطمية والقضاء على التشيع فى مصر، تركت ضغينة فى نفوس بعض ممن يعتنقون المذهب الشيعى، حتى إن أشهر كتب المؤرخين فى العصر الحديث وهو كتاب المؤرخ اللبنانى حسن الأمين ابن المرجع الشيعى محسن الأمين، ذكر أنّ صلاح الدين بعد معركة حطين وقّع صلحًا مع الصليبيين ومنحهم بموجبه الساحل الممتد من حيفا حتى صور. مع أنه كان بإمكانه متابعة القتال والتخلّص منهم نهائيًا، وهذا ما لم يفعله صلاح الدين بحسب «الأمين»، بل لجأ إلى تقسيم الممالك التى سيطر عليها بين قادة جنده وعائلته والمقربين منه، الذين ما لبثوا أن استعانوا بالصليبيين ضد بعضهم البعض بعد وفاة صلاح الدين، مما مهّد للصليبيين إعادة الاستيلاء على القدس مرة ثانية، بل على عكا وبيت لحم والناصرة وغيرها من المدن وأخّر تحرير البلاد الإسلامية مئة عام. وقد أثار كتاب «الأمين» وقت صدوره غضبًا شديدًا وانهالت الردود والتفنيدات التى تؤكد عدم صحة ما جاء به، واتهمه البعض بالطائفية إضافة إلى اتهامات أخرى، وتضمن الكتاب إلصاقًا لكل النقائص بصلاح الدين الأيوبى، ولم تخرج المقولات التى رددها الدكتور يوسف زيدان عما جاء فى هذا الكتاب، ليصبح علينا أن نهيل التراب على معركة حطين وأن نغفل أقوال مستشرقين بحثوا كثيرًا فى حقيقة هذا القائد، بل قدم معاصرون له من «أعدائه» رؤيتهم التى لا تخلو من إعجاب وتقدير، فهل حقا دخل صلاح الدين الأيوبى المعركة «فقط» لأجل أخته التى تم أسرها؟! وهل لم ينتصر فى حطين وإنما أخذها صلحًا؟!
لسنا هنا بصدد تقييم فيلم سينمائى له ما له وعليه ما عليه من انتقادات لرؤية المخرج يوسف شاهين التى حولت عيسى العوام إلى مسيحى أو حوَّلت صلاح الدين الأيوبى إلى طبيب أو جعلت قصة حب تنشأ بين لويزا الفارسة الصليبية وعيسى العوام، فالسينما التى شوهت الكثير من الوقائع التاريخية فى أفلامها، ليست وسيلة للحكم على التاريخ، ويكفى أن نذكر ما جاء فى كتاب وول ديورانت «قصة الحضارة» عن أن أسر أخت صلاح الدين المشهورة ب«ست الشام» تم خرقًا لهدنة، ويقول ديورانت عن ريجيلند أمير شاتيلو: «وكثيرًا ما خرق اتفاق الهدنة المعقود بين الملك اللاتينى وصلاح الدين، وأعلن عزمه على أن يغزو بلاد العرب، ويهدم قبر النبى فى المدينة، ويدك أبنية الكعبة فى مكة. وأبحرت قوته الصغيرة المؤلفة من الفرسان المغامرين فى البحر الأحمر واتجهت نحو المدينة، ولكن سرية مصرية باغتتها وقتلتها عن آخرها إلا عددًا قليلًا فروا مع ريجينلد، وبعض الأسرى الذين سيقوا إلى مكة».
ويضيف ديورانت: «كان صلاح الدين فى هذه الأثناء قد قنع بشن الغارات الصغيرة على فلسطين؛ فلما رأى ما فعله ريجيلند ثارت حميته الدينية، فأخذ ينظم من جديد جيشه الذى فتح به دمشق، والتقى بقوات المملكة اللاتينية فى معركة غير حاسمة عند مرج ابن عامر ذى الشهرة التاريخية سنة 1183، ثم هاجم ريجيلند عند الكرك بعد بضعة أشهر من ذلك الوقت، ولكنه لم يستطع دخول القلعة الحصينة. وفى عام 1185 وقَّع مع المملكة اللاتينية هدنة تدوم أربع سنين؛ ولكن ريجلند ملَّ فترة السلم الطويلة، فاعترض فى عام 1186 للمسلمين، ونهب كثيرًا من متاعها وأسر عددًا من أفرادها، ومنهم أخت صلاح الدين وثارت ثائرة صلاح، فأعلن الجهاد».
وهنا يؤكد وول ديورانت أن حمية صلاح الدين دفعته لتكوين جيش فتح به دمشق بالفعل، وأن عدم قدرته على فتح القلعة الحصينة هو ما دفعه لقبول هدنة خرقها ريجيلند بوحشية بأن قتل الحجيج وأسر ضمن من أسر أخت صلاح الدين. فكيف يقال إن أسر أخت صلاح الدين هو المبرر الوحيد لإعادة تنظيم الصفوف واعتبار الهدنة كأن لم تكن!!
إن ما جاء فى معظم كتب المستشرقين عن صلاح الدين الأيوبى يؤكد الانبهار بتلك الشخصية التى رآها بعضهم أسطورية تتميز بالرومانسية والكرم والنبل والشجاعة، وحين يتحدث المستشرقون عن موقعة حطين فإنهم لا يقولون إن المعركة لم تُحسم لأحد الطرفين كما قال «زيدان»، أو إن الصلح الذى عُرِض على صلاح الدين الأيوبى لم يكن استسلامًا من الصليبيين بعد أن سحقتهم المعارك وتم أسر أمرائهم، فعلى الرغم من النظرة المنحازة التى يفرضها دين هؤلاء المستشرقين وهو ما قد يدفع لعدم الإنصاف، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بانتصار صلاح الدين تبرز بعض التطابقات فى الرواية، فرينيه كروسيه اعتبر معركة حطين كارثة، وأن تحرك صلاح الدين كان عبارة عن اقتناص للمدن الفرنجية على حد قوله، أما زايوروف فيقول: «كان انتصار صلاح الدين فى حطين مقدمة للنجاحات التى أحرزها المسلمون فيما بعد».
وفى الحديث عن مواقف صلاح الدين التى أعقبت النصر يقول رينيه كروسيه: «ولقد سمح صلاح الدين بأريحية كريمة تنم على روح الفروسية العالية لسكان القدس من المسيحيين بمغادرة المدينة المقدسة، والجلاء عنها بحرية وسلام، كما أنه رفض رفضًا قاطعًا تهديم كنيسة القبر المقدس».
أما زابورف فيقول: «برهن صلاح الدين أنه رجل دولة حكيم، فعامل القدس وسكانها معاملة أرقّ وأخف بكثير مما عاملهم الغزاة الصليبيون حين انتزعوا المدينة من حكم مصر قبل ذلك بنحو مئة عام»، )نحن هنا بصدد وصف الأعداء وهو وصف لا يمكن تسميته بالحقارة(.
وفى كتاب فرنسى صدر عام 2008 بعنوان «صلاح الدين» من تأليف الكاتبة والباحثة آن مارى إدي، تعتبر المؤلفة أن صلاح الدين الأيوبى قد صنع التاريخ بتوحد صفوف المسلمين، وتضيف أنه حرر القدس من الغزاة الصليبيين وألحق هزيمة نكراء بالدول اللاتينية فى الشرق. وتعتبر المؤلفة أيضًا أن القائد صلاح الدين الأيوبى الذى عاش ما بين 1138 و1193 قد فرض نفسه فى حياته كواحد من أعظم قادة ما أسمته «إسلام الانتصارات»، وأسهبت «آن مارى ادي» فى سرد تفاصيل معركة حطين الشهيرة التى زعزعت العالم المسيحى وصنعت لصلاح الدين الايوبى المجد فى صفحات التاريخ، فتقول: «ظلت ساحة القتال فى معركة حطين «1187» طويلًا مزروعة بجثث القتلى الصليبيين والبقايا الآدمية التى جفت مع مرور الأيام. أما صلاح الدين الأيوبى فقد شيد نصبًا تذكاريًا لتخليد تلك المعركة وقد أسماه «قبة النصر».
وممن ذكروا معركة حطين من معاصرى صلاح الدين الأيوبى ابن شداد، وأسامة بن منقذ، واستند إلى تدوينهم معظم المؤرخين العرب القدامى كابن الأثير، والطبرى ويقول أبو شامة فى كتابه «أزهار الروضتين فى أخبار الدولتين»، القاهرة 1287ه واصفًا ما خلَّفته حطين من قتلى للصليبيين: «فمن شاهد القتلى قال ما هناك أسير، ومن عاين الأسرى قال ما هناك قتيل». ويصف ابن الأثير حنكة اختيار موقع المعركة وما أصاب الفرنجة من عطش حيث حرص صلاح الدين على أن يقف رجاله بحيث يحولون بين الفرنج والوصول إلى ماء بحيرة طبرية فى وقت «اشتد بهم العطش». ثم أمر صلاح الدين بإشعال النار والأعشاب والأشواك التى تكسو الهضبة، فيقول: «وكانت الريح على الفرنج، فحملت حر النار والدخان إليهم، فاجتمع عليهم العطش، وحر الزمان، وحر النار، والدخان وحر القتال».
وعلى الرغم من أننا لسنا بصدد النقل عن مؤرخ واحد، إلا أنه من غير الموضوعى أن نستند إلى روايات يفسد مصداقيتها هوى أصحابها، ويكفى أن نؤكد أن كلمة حق أريد بها باطل فى القول بأن ابن ميمون «اليهودى» هو الطبيب الوحيد لصلاح الدين الأيوبى، ففى دراسة بعنوان الطب والمستشفيات فى عصر صلاح الدين الأيوبى للدكتور محمود الحاج قاسم محمد، الذى شغل منصب نقيب الأطباء فرع نينوى بالموصل يؤكد «الحاج» أن صلاح الدين الأيوبى هو من أكثر الحكام فى زمانه اهتمامًا بالعلم والعلماء وبناء المدارس والمساجد والمستشفيات حتى ليعجب الدارس لموضوع الطب والأطباء فى عصره، ومنهم طبيب العيون حكيم الزمان عبد المنعم الجليانى، وأبو زكريا يحيى البياسى، وأبو منصور النصرانى، وابن ميمون، وغيرهم من الأطباء، نصارى ومسلمون ويهود. ولن ننساق وراء مقولة إسلام ابن ميمون أو غيره، لكننا دون شك سنرى أن الدولة الإسلامية كانت دولة تسامح يتعايش فيها أصحاب كل الديانات فيؤمن من يؤمن ويظل على عقيدته من يظل ويقرب المجتهدون البارزون دون تمييز عقائدى.
قد يزعم البعض أن ضرب الثوابت لا يهم المفكرين لأن دورهم هو البحث والتنوير، وهؤلاء لا يجدون غضاضة فى تقليب صفحات طُويَّت منذ قرون وتم الرد على كل ما جاء بها من مزاعم، وهو أمر وإن كان الأعداء يفرحون به لأنه يهدم رموزًا مرَّغت بأنوفهم تراب ساحات المعارك ويقضى على القدوة والمثل العليا لشعوب باتت تعيش ضنك المعرفة وقسوة الهزائم النفسية قبل الاقتصادية، وبقدر ما تشغلنا تلك المعارك عن أمور أهم، إلا أنه ربما يكون فى تلك المعارك خير وحيد .. هو أن نعيد قراءة التاريخ لنعرف كيف كان الأبطال وكيف تُصنع الانتصارات والهزائم أيضًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.