سعر الذهب اليوم.. تعرف على قيمة أعيرة 24 و22 و21    وزير الطيران: تحرير النقل الجوي الإفريقي يدعم التجارة والسياحة ويجذب الاستثمارات    ليبرمان: الأمريكيون هم من يديرون إسرائيل ولولاهم لكنا فى وضع أسوأ    هند الضاوي: إسرائيل تروج لادعاءات كاذبة لتشويه الفصائل الفلسطينية    الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين تُدين إحراق مستوطنين لمسجد قرب سلفيت    هند الضاوي: قضية إبستين تثير علامات استفهام عالمية    الصين ترفض بيان مجموعة السبع بسبب «التحريفات والتدخلات»    انطلاق مباراة البرتغال وأيرلندا في تصفيات كأس العالم    الأرصاد تكشف أخر تطورات حالة عدم الاستقرار وخريطة الأمطار الساعات المقبلة    شاهد صور المهندس المقتول على يد صديقه بسلاح نارى بالإسكندرية    حسين فهمي لراديو النيل: لم يسعفنا الوقت لنرمم فيلم هند رستم شفيقة القبطية    جواهر تعود لجمهورها بأغنية مفاجأة.. «فارس أحلامي» | شاهد    عند سماع الرعد ورؤية البرق.. هذا هو الدعاء المستحب    استقرار أسعار الحديد والأسمنت ومواد البناء في الأسواق اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025    الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض ضرائب على الطرود الصغيرة المستوردة بدءًا من مطلع 2026    الأمين العام لحزب الجبهة: موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية مصدر فخر    إسلام عفيفى يكتب: نتنياهو.. الخروج الأمريكى الآمن    مصطفى بكري: «البرلمان الجاي لازم يكون عين الشعب وسيفه مش صدى صوت للحكومة»    احتفالية مركز أبحاث طب عين شمس بمرور خمس سنوات علي إنشاءه    احذر.. جريمة الغش للحصول على بطاقة الائتمان تعرضك للحبس وغرامة مليون جنيه    مسئول أممي: لا أحد بمنأى عن مخاطر تغير المناخ.. والشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثرا    القبض على 3 متهمين بواقعة إصابة طبيب نساء بطلق ناري في قنا    المشدد 10 سنوات ل3 محامين وعاطل فى تزوير محررات رسمية بالإسكندرية    مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية يستقبل وزير الدولة بالخارجية الألمانية    كيف تدعم وزارة التعليم العالي وبنك المعرفة الأئمة والدعاة لنشر القيم الصحيحة؟    خبير اقتصادي: افتتاح المتحف الكبير وجولة السيسي وماكرون رسائل طمأنة للعالم    «بيستخبوا زي الفيران».. 5 أبراج لا تستطيع المواجهة    خناقة بعد مباراة أبو قير للأسمدة وبروكسى فى دورى القسم الثانى    كرة سلة - الأهلي يفوز على سبورتنج ويتوج بدوري المرتبط للسيدات    مفوضية الانتخابات العراقية: لا شكاوى مؤثرة على نتائج الانتخابات النيابية حتى الآن    المصري يحدد ملعبه الثاني لمباريات كأس الكونفدرالية    وزيرة التنمية المحلية: ندعم جميع المبادرات لوضع الإنسان والإبداع فى صميم الاهتمام    مش هننساك.. أسرة إسماعيل الليثى تعلق صورته مع ابنه ضاضا أمام سرادق العزاء    الإيجار القديم بالجيزة: اعرف تصنيف شقتك قبل تطبيق زيادات الإيجار    خالد الجندي: الله يباهي الملائكة بعباده المجتهدين في الطاعات(فيديو)    استقبله بالزي الصعيدي، شيخ الأزهر يلتقي بالمفكر العالمي جيفري ساكس بمنزله في الأقصر    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي تدريب الكوادر الطبية العراقية في مصر    مناقشة تطوير أداء وحدات الرعاية الأولية خلال مؤتمر السكان العالمي    الشيخ الجندي يكشف فضل انتظار الصلاة والتحضير لها(فيديو)    المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية استخدم الذكاء الاصطناعي للتخطيط وإخفاء الأدلة    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    بتهمة قتل مسنة.. السجن المشدد لعامل بقنا    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    بعد القبض على قاتل مهندس الكيمياء النووية.. مصطفى بكري: وزير الداخلية يعمل في صمت    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    أرسنال يقترب من تجديد عقد بوكايو ساكا براتب ضخم    مدير تعليم الشرابية يشيد بمبادرة "بقِيمِنا تحلو أيّامُنا"    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    4 ديسمبر.. بدء تلقي طلبات الترشح لانتخابات نقابة الأطباء البيطريين وفرعية قنا لعام 2026    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    كرة يد - تألق الخماسي المصري بفوز باريس سان جيرمان وفيزبريم في أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بطل «حطين».. انحنى له المستشرقون واتهمه «زيدان» بالحقارة


إحياء كتب الكارهين على جثة الناصر صلاح الدين
ليست القضية أن الدكتور يوسف زيدان سب قائدًا ورمزًا له فى قلوب الكثيرين مكانة عظيمة، فالقائد الناصر صلاح الدين الأيوبى لم يرتبط اسمه فقط بفيلم أخرجه يوسف شاهين، وإنما ارتبط اسمه بواحدة من أعظم المعارك التى تم خوضها باسم الدين فى التاريخ وهى معركة «حطين» التى تم فيها استرداد القدس من أيدى الصليبيين الذين خاضوا سلسلة طويلة من المعارك تمثلت فى عدة حملات بدأت بدوافع دينية وانتهت بغير ذلك.. ليست القضية أن مفكرًا هاجم بطلًا يمثل جزءً امن ذاكرة الفخر لأمة تنمحى لديها الذاكرة يومًا بعد يوم، أو أن صلاح الدين الأيوبى كزعيم وبطل حصد إنصافًا من مستشرقين كثيرين قبل أن ينصفه مؤرخون عرب.. القضية أكبر من ذلك بكثير، فهى قضية البحث العلمى وأبجدياته، وأهمها اختيار المصادر التى نأخذ عنها، فالتاريخ ليس علمًا معمليًا تحكم حقائقه التجربة، لكنه علم شفوى نتناقله عبر العصور، وهو دون شك قابل للتحريف، إضافة إلى المقولة الشهيرة «التاريخ يكتبه المنتصرون» وهى مقولة تؤكد أننا قد نجهل الكثير من الحقائق وقد نتداول الكثير من المغالطات، وهنا يأتى دور الباحث، أو المفكر، فكلاهما بينهما الكثير من السمات المشتركة، ومنها الموضوعية وفهم الظروف الاجتماعية والسياسية والإلمام بالحقب التاريخية وترتيبها والقدرة على البحث وتنظيم الفكر ثم صياغة النتائج بحياد ينأى بالباحث عن السباب والتحقير أو المدح والتفخيم، إلى غير ذلك من القواعد التى لا يمكن لباحث أو مفكر أن يكون منصفًا بدونها.
ولعلنا هنا نضع يدنا على موطن الداء فيما قاله الدكتور يوسف زيدان «صلاح الدين الأيوبى من أحقر الشخصيات فى التاريخ الإنسانى»، «صلاح الدين قام بجريمة ضد الإنسانية ضد الفاطميين وعزل الرجال عن النساء، فانقطع نسل الفاطميين فى مصر بعد توليه الحكم، وحرق مكتبة القصر الكبير التى كانت تعد فى هذا الوقت أكبر مكتبة فى العالم لدواعٍ سياسية واهية وهى محاربة الفكر الشيعي».
«طبيب صلاح الدين الخاص هو اليهودى موسى بن ميمون وهو أمهر طبيب فى التاريخ اليهودي، واليهود لديهم عبارة شهيرة، يقولون: «لن يأتى من موسى إلى موسى غير موسى»، أى من موسى النبى إلى موسى بن ميمون لم يأتِ غير موسى بن ميمون، وهو الذى أحيا الفكر اليهودى وجعل اليهودية تبقى حتى الآن».
أما مفاجأة الدكتور يوسف زيدان التاريخية الكبرى فكانت «صلاح الدين لم يحرر القدس بل عقد صلحًا مع الصليبيين، واضطر صلاح الدين يحارب فى القدس بعد أسر شقيقته لأننا نعلم ما يحدث للأسيرات فاضطر بعد طول مماطلة مع الناس أن يحاصر القدس وحصلت حرب بين الجانبين لم ينتصر فيها أحدًا، والأسقف سلمها له صلحًا على شرط إنه ما يهدوش الكنائس»
بداية وقبل الخوض فى التفاصيل علينا معرفة أن الدكتور «زيدان» خلط بمهاراة بين فترتين زمنيتين مختلفتين، فالتاريخ يؤكد أن صلاح الدين الأيوبى عاش فى الفترة من )532 - 589 ه / 1138 - 1193 م(، بينما حكم خامس سلاطين الدولة الأيوبية وهو الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك العادل عام 615ه أى بعد وفاة صلاح الدين الأيوبى بست وعشرين سنة، وحكم من 1218م إلى 1238م. وكان الملك الكامل هو من تنازل بالفعل عن بيت المقدس للصليبيين وليس صلاح الدين الأيوبى!
لقد كان الدكتور يوسف زيدان يتحدث عن سلبيات صلاح الدين الأيوبى معتبرًا أن بطولته غير حقيقية عندما زج بقصة أخرى وكأنها فى نفس سياق حكيه عن الأيوبى فقال زيدان: «بعد تسليم القدس صلحًا لصلاح الدين الأيوبى.. إيه اللى حصل بقا.. بعد فترة جاء السلطان الكامل ابن أخو صلاح الدين»، مستشهدًا بكتاب «شذرات الذهب فى أخبار من ذهب» لابن العماد الحنبلى، حيث قال المؤلف:«ثم دخلت سنة 628 ه وفيها سلم الكامل القدس للصليبيين»، فبدا الأمر وكأن صلاح الدين الأيوبى مسؤول عما أحدث الخلفاء من بعده، وهو أمر لا يمكن أن يقول به أى باحث أو مفكر منصف.
لقد انتقى «زيدان» مما كتبه المؤرخون ما يثبت وجهة نظره لكنه دون شك أغفل ما كتبه آخرون أبرأوا صلاح الدين الأيوبى تمامًا من حرق مكتبة القصر الكبير المسماة بمكتبة دار الحكمة، بل إن منهم من أكد أن المكتبة لم تُحرق نهائيًا فى عصره، ويذكر التاريخ أن مصر تعرضت لما يسمى بالشدة المستنصرية وهى الشدة التى حدثت أثناء حكم الخليفة «المستنصر» الذى حكم فى الفترة «420-487ه/ 1029م-1094م» وهى المجاعة التى أكل الناس فيها بعضهم وأكلوا الكلاب والميتة - وقيل إنه فى عام 461ه/ 1068م تعرضت المكتبة إلى النهب والسلب والتلف والضياع إثر الخلاف الذى نشب بين الجنود السودانيين والأتراك فى مصر، وأحرق العابثون الكثير من محتوياتها، وهناك من يذكر أن بعضهم قد جعل من جلودها نعالًا له. وزاد فى الطين بلّة، انتشار الأوبئة والطاعون، ولم يبق من هذه الدار سوى مئة ألف كتاب، يوم دخل صلاح الدين الأيوبى القاهرة بعد قرن تقريبًا من تلك الوقائع. ولم يسلم ما تبقى أيضًا، فبسبب انتشار القحط والمجاعة فى مصر مرة أخرى بين عامى 1348-1349م، راح بعضهم يعرض مجلدًا كاملًا للمقايضة على رغيف خبز، واختلف مؤرخون فى أن صلاح الدين الأيوبى فى فترة حكمه عرض كتبًا من تلك المكتبة للبيع أو أهداها إلى أقاربه، «وهى رواية أخرى للتاريخ» قد تبدو منطقية حيث كان الأيوبى «سنيًا» وهو من حوَّل الأزهر إلى المذهب الأشعرى، وهو من أوقف صيغة «حى على خير العمل» فى الأذان، لتنتهى فى عهده الدولة الفاطمية التى جاءت إلى مصر بالتشيع، وقد تعرض الأيوبى لخيانات ومؤامرات من الفاطميين، ويقول المقريزى فى «السلوك»: «وفيها – أى سنة 569ه - اجتمع طائفة من أهل القاهرة على إقامة رجل من أولاد العاضد – آخر خليفة فاطمى بمصر – وأن يفتكوا بصلاح الدين وكاتبوا الفرنج» يقصد طلبوا دعم الفرنجة.
ويقول المقريزى أيضًا عن هجوم الفرنجة على مصر بسبب تلك المكاتبة:«نزل أسطول الفرنج بصقلية على ثغر الإسكندرية لأربع بقين من ذى الحجة بغتة، وكان الذى جهز هذا الأسطول غاليالم بن رجار متملك صقلية ولى بعد أبيه فى سنة 560ه».
قصة صلاح الدين الأيوبى مع إنهاء الدولة الفاطمية والقضاء على التشيع فى مصر، تركت ضغينة فى نفوس بعض ممن يعتنقون المذهب الشيعى، حتى إن أشهر كتب المؤرخين فى العصر الحديث وهو كتاب المؤرخ اللبنانى حسن الأمين ابن المرجع الشيعى محسن الأمين، ذكر أنّ صلاح الدين بعد معركة حطين وقّع صلحًا مع الصليبيين ومنحهم بموجبه الساحل الممتد من حيفا حتى صور. مع أنه كان بإمكانه متابعة القتال والتخلّص منهم نهائيًا، وهذا ما لم يفعله صلاح الدين بحسب «الأمين»، بل لجأ إلى تقسيم الممالك التى سيطر عليها بين قادة جنده وعائلته والمقربين منه، الذين ما لبثوا أن استعانوا بالصليبيين ضد بعضهم البعض بعد وفاة صلاح الدين، مما مهّد للصليبيين إعادة الاستيلاء على القدس مرة ثانية، بل على عكا وبيت لحم والناصرة وغيرها من المدن وأخّر تحرير البلاد الإسلامية مئة عام. وقد أثار كتاب «الأمين» وقت صدوره غضبًا شديدًا وانهالت الردود والتفنيدات التى تؤكد عدم صحة ما جاء به، واتهمه البعض بالطائفية إضافة إلى اتهامات أخرى، وتضمن الكتاب إلصاقًا لكل النقائص بصلاح الدين الأيوبى، ولم تخرج المقولات التى رددها الدكتور يوسف زيدان عما جاء فى هذا الكتاب، ليصبح علينا أن نهيل التراب على معركة حطين وأن نغفل أقوال مستشرقين بحثوا كثيرًا فى حقيقة هذا القائد، بل قدم معاصرون له من «أعدائه» رؤيتهم التى لا تخلو من إعجاب وتقدير، فهل حقا دخل صلاح الدين الأيوبى المعركة «فقط» لأجل أخته التى تم أسرها؟! وهل لم ينتصر فى حطين وإنما أخذها صلحًا؟!
لسنا هنا بصدد تقييم فيلم سينمائى له ما له وعليه ما عليه من انتقادات لرؤية المخرج يوسف شاهين التى حولت عيسى العوام إلى مسيحى أو حوَّلت صلاح الدين الأيوبى إلى طبيب أو جعلت قصة حب تنشأ بين لويزا الفارسة الصليبية وعيسى العوام، فالسينما التى شوهت الكثير من الوقائع التاريخية فى أفلامها، ليست وسيلة للحكم على التاريخ، ويكفى أن نذكر ما جاء فى كتاب وول ديورانت «قصة الحضارة» عن أن أسر أخت صلاح الدين المشهورة ب«ست الشام» تم خرقًا لهدنة، ويقول ديورانت عن ريجيلند أمير شاتيلو: «وكثيرًا ما خرق اتفاق الهدنة المعقود بين الملك اللاتينى وصلاح الدين، وأعلن عزمه على أن يغزو بلاد العرب، ويهدم قبر النبى فى المدينة، ويدك أبنية الكعبة فى مكة. وأبحرت قوته الصغيرة المؤلفة من الفرسان المغامرين فى البحر الأحمر واتجهت نحو المدينة، ولكن سرية مصرية باغتتها وقتلتها عن آخرها إلا عددًا قليلًا فروا مع ريجينلد، وبعض الأسرى الذين سيقوا إلى مكة».
ويضيف ديورانت: «كان صلاح الدين فى هذه الأثناء قد قنع بشن الغارات الصغيرة على فلسطين؛ فلما رأى ما فعله ريجيلند ثارت حميته الدينية، فأخذ ينظم من جديد جيشه الذى فتح به دمشق، والتقى بقوات المملكة اللاتينية فى معركة غير حاسمة عند مرج ابن عامر ذى الشهرة التاريخية سنة 1183، ثم هاجم ريجيلند عند الكرك بعد بضعة أشهر من ذلك الوقت، ولكنه لم يستطع دخول القلعة الحصينة. وفى عام 1185 وقَّع مع المملكة اللاتينية هدنة تدوم أربع سنين؛ ولكن ريجلند ملَّ فترة السلم الطويلة، فاعترض فى عام 1186 للمسلمين، ونهب كثيرًا من متاعها وأسر عددًا من أفرادها، ومنهم أخت صلاح الدين وثارت ثائرة صلاح، فأعلن الجهاد».
وهنا يؤكد وول ديورانت أن حمية صلاح الدين دفعته لتكوين جيش فتح به دمشق بالفعل، وأن عدم قدرته على فتح القلعة الحصينة هو ما دفعه لقبول هدنة خرقها ريجيلند بوحشية بأن قتل الحجيج وأسر ضمن من أسر أخت صلاح الدين. فكيف يقال إن أسر أخت صلاح الدين هو المبرر الوحيد لإعادة تنظيم الصفوف واعتبار الهدنة كأن لم تكن!!
إن ما جاء فى معظم كتب المستشرقين عن صلاح الدين الأيوبى يؤكد الانبهار بتلك الشخصية التى رآها بعضهم أسطورية تتميز بالرومانسية والكرم والنبل والشجاعة، وحين يتحدث المستشرقون عن موقعة حطين فإنهم لا يقولون إن المعركة لم تُحسم لأحد الطرفين كما قال «زيدان»، أو إن الصلح الذى عُرِض على صلاح الدين الأيوبى لم يكن استسلامًا من الصليبيين بعد أن سحقتهم المعارك وتم أسر أمرائهم، فعلى الرغم من النظرة المنحازة التى يفرضها دين هؤلاء المستشرقين وهو ما قد يدفع لعدم الإنصاف، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بانتصار صلاح الدين تبرز بعض التطابقات فى الرواية، فرينيه كروسيه اعتبر معركة حطين كارثة، وأن تحرك صلاح الدين كان عبارة عن اقتناص للمدن الفرنجية على حد قوله، أما زايوروف فيقول: «كان انتصار صلاح الدين فى حطين مقدمة للنجاحات التى أحرزها المسلمون فيما بعد».
وفى الحديث عن مواقف صلاح الدين التى أعقبت النصر يقول رينيه كروسيه: «ولقد سمح صلاح الدين بأريحية كريمة تنم على روح الفروسية العالية لسكان القدس من المسيحيين بمغادرة المدينة المقدسة، والجلاء عنها بحرية وسلام، كما أنه رفض رفضًا قاطعًا تهديم كنيسة القبر المقدس».
أما زابورف فيقول: «برهن صلاح الدين أنه رجل دولة حكيم، فعامل القدس وسكانها معاملة أرقّ وأخف بكثير مما عاملهم الغزاة الصليبيون حين انتزعوا المدينة من حكم مصر قبل ذلك بنحو مئة عام»، )نحن هنا بصدد وصف الأعداء وهو وصف لا يمكن تسميته بالحقارة(.
وفى كتاب فرنسى صدر عام 2008 بعنوان «صلاح الدين» من تأليف الكاتبة والباحثة آن مارى إدي، تعتبر المؤلفة أن صلاح الدين الأيوبى قد صنع التاريخ بتوحد صفوف المسلمين، وتضيف أنه حرر القدس من الغزاة الصليبيين وألحق هزيمة نكراء بالدول اللاتينية فى الشرق. وتعتبر المؤلفة أيضًا أن القائد صلاح الدين الأيوبى الذى عاش ما بين 1138 و1193 قد فرض نفسه فى حياته كواحد من أعظم قادة ما أسمته «إسلام الانتصارات»، وأسهبت «آن مارى ادي» فى سرد تفاصيل معركة حطين الشهيرة التى زعزعت العالم المسيحى وصنعت لصلاح الدين الايوبى المجد فى صفحات التاريخ، فتقول: «ظلت ساحة القتال فى معركة حطين «1187» طويلًا مزروعة بجثث القتلى الصليبيين والبقايا الآدمية التى جفت مع مرور الأيام. أما صلاح الدين الأيوبى فقد شيد نصبًا تذكاريًا لتخليد تلك المعركة وقد أسماه «قبة النصر».
وممن ذكروا معركة حطين من معاصرى صلاح الدين الأيوبى ابن شداد، وأسامة بن منقذ، واستند إلى تدوينهم معظم المؤرخين العرب القدامى كابن الأثير، والطبرى ويقول أبو شامة فى كتابه «أزهار الروضتين فى أخبار الدولتين»، القاهرة 1287ه واصفًا ما خلَّفته حطين من قتلى للصليبيين: «فمن شاهد القتلى قال ما هناك أسير، ومن عاين الأسرى قال ما هناك قتيل». ويصف ابن الأثير حنكة اختيار موقع المعركة وما أصاب الفرنجة من عطش حيث حرص صلاح الدين على أن يقف رجاله بحيث يحولون بين الفرنج والوصول إلى ماء بحيرة طبرية فى وقت «اشتد بهم العطش». ثم أمر صلاح الدين بإشعال النار والأعشاب والأشواك التى تكسو الهضبة، فيقول: «وكانت الريح على الفرنج، فحملت حر النار والدخان إليهم، فاجتمع عليهم العطش، وحر الزمان، وحر النار، والدخان وحر القتال».
وعلى الرغم من أننا لسنا بصدد النقل عن مؤرخ واحد، إلا أنه من غير الموضوعى أن نستند إلى روايات يفسد مصداقيتها هوى أصحابها، ويكفى أن نؤكد أن كلمة حق أريد بها باطل فى القول بأن ابن ميمون «اليهودى» هو الطبيب الوحيد لصلاح الدين الأيوبى، ففى دراسة بعنوان الطب والمستشفيات فى عصر صلاح الدين الأيوبى للدكتور محمود الحاج قاسم محمد، الذى شغل منصب نقيب الأطباء فرع نينوى بالموصل يؤكد «الحاج» أن صلاح الدين الأيوبى هو من أكثر الحكام فى زمانه اهتمامًا بالعلم والعلماء وبناء المدارس والمساجد والمستشفيات حتى ليعجب الدارس لموضوع الطب والأطباء فى عصره، ومنهم طبيب العيون حكيم الزمان عبد المنعم الجليانى، وأبو زكريا يحيى البياسى، وأبو منصور النصرانى، وابن ميمون، وغيرهم من الأطباء، نصارى ومسلمون ويهود. ولن ننساق وراء مقولة إسلام ابن ميمون أو غيره، لكننا دون شك سنرى أن الدولة الإسلامية كانت دولة تسامح يتعايش فيها أصحاب كل الديانات فيؤمن من يؤمن ويظل على عقيدته من يظل ويقرب المجتهدون البارزون دون تمييز عقائدى.
قد يزعم البعض أن ضرب الثوابت لا يهم المفكرين لأن دورهم هو البحث والتنوير، وهؤلاء لا يجدون غضاضة فى تقليب صفحات طُويَّت منذ قرون وتم الرد على كل ما جاء بها من مزاعم، وهو أمر وإن كان الأعداء يفرحون به لأنه يهدم رموزًا مرَّغت بأنوفهم تراب ساحات المعارك ويقضى على القدوة والمثل العليا لشعوب باتت تعيش ضنك المعرفة وقسوة الهزائم النفسية قبل الاقتصادية، وبقدر ما تشغلنا تلك المعارك عن أمور أهم، إلا أنه ربما يكون فى تلك المعارك خير وحيد .. هو أن نعيد قراءة التاريخ لنعرف كيف كان الأبطال وكيف تُصنع الانتصارات والهزائم أيضًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.