أيام قليلة تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية التى ستجرى دورتها الأولى فى الثالث والعشرين من الشهر الجارى، وستشكل هذه الأيام المتبقية لحظات فارقة وهامة فى تحديد واتجاهات وميول الناخب الفرنسى نحو مرشح بذاته داخل عملية انتخابية معقدة وغريبة هذه المرة وغير متوقعة عن سابقتها، فمن خلال التغيرات فى الأنظمة السياسية والاجتماعية فى أمريكا والغرب والتمرد على الأحزاب التقليدية لصالح الأحزاب اليمينية المتطرفة التى تدعو للشعبوية والدفاع عن الهوية وسط تفاقم مشكلات الهجرة والمهاجرين والبطالة ومشكلة الإرهاب والتطرف الذى يضرب العالم بل ومع آثار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربى ووصول الرئيس الأمريكى ترامب لسدة الحكم عبر انتخابات كانت مثيرة للجدل، مع كل ذلك وغيره من الأسباب فإن فرنسا على غرار تلك البلدان قد ضربتها رياح التغيير والتمرد ورفع شعار التصدى للتطرف وهو ما يتضح فى توجهات المرشحين البالغ عددهم 11 مرشحًا أبرزهم وأوسعهم حظا وشعبية وفق الأفكار والبرامج الانتخابية القريبة من آمال وواقع الفرنسيين مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبين المتوقع حصولها وفق آخر استطلاعات للرأى بالدورة الأولى على نسبة 23% يليها مباشرة بنفس النسبة أو أقل إيمانويل ماكرون المرشح المستقل والمثير للجدل ومؤسس حركة إلى الأمام الذى يؤيده الاقتصاديون وبغضا من قيادات الأحزاب الفرنسية، ثم جاك لوك ميلنشون اليسارى الراديكالى وبرنامجه الاقتصادى غير الواقعى الموجه للطبقة الوسطى بنسبة 20% متساويا مع رئيس الوزراء الأسبق فرانسوا فيون مرشح الحزب الجمهورى الذى تراجعت شعبيته فى الأشهر الأخيرة بسبب التهم المنسوبة إليه بسبب ملف الوظائف الوهمية لعائلته وغيرها من القضايا التى تؤثر على النزاهة الانتخابية، ثم خامسا مرشح الحزب الاشتراكى بنوا هامون الذى تراجعت شعبيته بسبب انقسام وتراجع شعبية الحزب الاشتراكى إلى ما نسبته 13%. وضمن الأسباب التى جعلت اللعنة تحل على الانتخابات الفرنسية وتفسح المجال لمرشحين جدد هو قرار تخلى الرئيس هولاند عن ترشحه لولاية ثانية وذلك بعد دراسته عن قرب للحالة السياسية والاجتماعية للحزب الاشتراكى أثناء فترة حكمه وشعوره بتخلى رجاله من حوله، إضافة إلى التعتيم الإعلامى المتعمد على انجازاته وذلك بسبب علاقاته الودية ببعض الدول ومنها انفتاحه على تونس، ثم مصر التى أمدها بالأسلحة النوعية وشارك فى تدشين حفل قناتها، وسعيه لإقامة مؤتمر دولى للسلام لحل القضية الفلسطينية وغيرها من الأمور التى أغضبت اللوبيات القوية داخل فرنسا وخارجها وجعلتها تعمل ضده فى الخفاء مع عمل بعض المؤسسات وقيادات الأحزاب من داخل الغرف المغلقة ومن داخل الإليزيه, وبرغم الانجازات الكثيرة التى تحققت فى عهده وقربه من كل الأحداث ومشاركته فى كل المؤتمرات بالمحافل الدولية من أجل فرنسا إلا أنه تعرض لمؤامرة كانت سببًا رئيسًا فى تراجع شعبيته، لتصيب لعنة تنحيه للترشح كل الذين خانوه ولتفسح تلك الخطوة بقدوم مرشحين متشددين ويمثلون بأفكارهم التقدمية المتطرفة خطرًا على المبادئ والقيم والمكتسبات الفرنسية فى مجال الحقوق والحريات وهو ما دفعه هذه الأيام للخروج عن صمته وحياديته وإعلانه الوقوف ولو مع ماكرون أو هامون للحيلولة أمام وصول المتطرفين إلى الحكم، وتبقى التكهنات غامضة وغير معروفة بسبب الحظوظ الموفورة لأربعة من المرشحين تعرض بعضهم إلى محاولة الاغتيال وسط الإرهاب الذى يضرب فرنسا عن غيرها وآخرها مقتل أحد رجال الشرطة بالشانزلزيه، مما يجعل ملف الإرهاب أولوية عند مرشحى الرئاسة ليصبح شعار محاربته لصالح مرشحى اليمين المتطرف, وبرغم كل الاستطلاعات التى تؤكد وصول مارين لوبين مع ماكرون أو ميلنشون إلى الدورة الثانية إلا أنها تبقى مجرد تكهنات أمام تلك الانتخابات المثيرة والمعقدة هذه المرة.