قليلون هم من يحملون صفات المترجم الكبير طلعت الشايب «رحمه الله»، هذا الرجل الذى يمكن أن تجلس إلى جواره فى مناسبة فلا تشعر إلا بتلك السكينة التى يضفيها على المكان، ذلك الخلق الدمث والصوت الهادئ والتواضع الجم لمبدع من طراز خاص، جعل من فعل الترجمة إبداعًا موازيًا.. اسمه على الكتاب يعنى أنك ستقرأ لمترجم واعٍ اختار بدقة ما يترجمه لك؛ لأنه ببساطة مترجم له مشروع فكرى ودور وطنى، إضافة إلى أنك ستقرأ أفضل ما يمكن أن يقدمه مترجم لنص أصبح أمانة بين يدى مترجمه الذى يتأكد تفوقه بما يقدمه للقارئ، ليس فقط من ترجمة دقيقة للنص، ولكن أيضًا بتمكنُّه من جعل ذلك النص معبرًا عن روح كاتبه. وعلى غزارة إنتاجه، يظل طلعت الشايب حالة خاصة؛ لأنه ممن كانت لهم إسهامات وطنية بارزة مع جيش مصر فى وقت كانت مصر فى أمس الحاجة إلى مترجمين للغة الروسية بعد هزيمة يونية 1967، وقد استمر «الشايب» بالقوات المسلحة حتى 1975 مشاركًا بحربى الاستنزاف وأكتوبر 1973، وعمل مترجمًا لتلك اللغة فى أجهزة: القيادة العامة المصرية، رئاسة الأركان، إدارة المدرعات، هيئة التدريب، هيئة العمليات، مترجمًا أكثر من كتاب عسكرى من الروسية إلى العربية وهى كتب موجودة للآن فى أكاديمية الدفاع وكلية القادة والأركان، منها: المعركة الحديثة، معركة الأسلحة المشتركة، كتاب رماية المدرعات. وعلى مدار رحلته فى عالم الترجمة ترك الشايب رصيدًا مميزًا من كتب مهمة تنوعت مادتها بين السياسية والإبداعية والفكرية، منها: الحرب الباردة الثقافية، صدام الحضارات، عاريًا أمام الآلهة، الاستشراق الأمريكى، بقايا اليوم، قضية المثقفين، أصوات الضمير «قصائد»، وأخيرًا «الأبيض المتوسط»، وليس خافيًا أن رؤيته السياسية لما يجب أن ينقله مترجم لقارئه كانت متجلية فى اختياراته. لقد مثَّل طلعت الشايب كل ما يمكن أن يكون عليه المثقف الحقيقى الوطنى الفاعل الذى لم يتوقف عن العطاء حتى اللحظة الأخيرة؛ حيث اختار الموت الرجل وهو يؤدى دوره الذى ظل متمسكًا بأدائه حتى الرمق الأخير، وهو العطاء الفكرى والتنويرى، فلقى الشايب وجه ربه أثناء محاضرته فى إحدى الندوات بصالون أدبى بدمياط، ذلك المشهد على ما سببه للجميع من صدمة قاسية بدا وكأنه لحظة تتويج ختامى.. أن يرحل وسط محبيه محاطًا بكل تلك المشاعر الدافئة.. يرحل وهو يُثرى الآخرين بعطاء المعرفة، ثروته الحقيقية. طلعت الشايب .. طيب القلب رفيع الخلق.. انضم إلى كوكبة الراحلين الذين أوجعوا.. لكنه علامة كبرى وسط علامات قليلة باقية.