تتعدد أوجه الفساد وتتعدد الأماكن التى يحل بها وبالتالى فليس قسرا على مصر، وإنما هو جرثومة تنتشر فى كل أنحاء العالم إذ أن النفس البشرية أمارة بالسوء. ولهذا قد يقع المرء فى فتنة المال الحرام ويغيب عنه أن من يكتسب مالا بطرق غير شرعية يعذب فى دنياه بأن تسلط عليه المصائب.إنها الرشوة إحدى مثالب المال الحرام ولا أدل على ذلك من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد لعن صاحبها الذى يعرض نفسه لأنواع العقوبات العاجلة والآجلة. إنها المال الحرام المعرض للتلف والزوال. وإن بقى فإن الله لا يقبل منه صدقة ولا حجا وإنما يعانى صاحبه من أتعابه. وقد يظن البعض أن هناك من حصل على الرشاوى وظل آمنا لم يمس. ولكن الله هنا يملى له حتى إذا أخذه كان الأخذ شديدا ومباغتا فى أهله وماله. قال تعالى: «وأملى لهم إن كيدى متين» (سورة القلم: 45). إنها الرشوة المرض العضال الذى قد يحل بالمرء ضعيف النفس، وهو بلاء وشر مستطير. إذا أصاب الانسان كانت له عواقبه الوخيمة على حياته، فالرشوة كارثة إذا ابتلى بها المرء حلت عليه اللعنة ويكفى أنها تقوض صفاء حياته وطمأنينة مسيرته بل قد تقضى على حياته لأنه أخذ ما ليس له حق فيه عندما قرن رد مظلمة أحد المظلومين بدفع الرشوة. ومن ثم غدا لا يرد الحق لأصحابه إلا إذا منحوه المال فى المقابل. الرشوة هى الجريمة الآثمة التى تلحق الضرر بالمجتمع والأفراد معا. ويكفى أنها تقود إلى ضياع الحقوق وفساد الذمم ولهذا حرمها الله ونهى عنها وبات كل من يقترفها آثما. ولهذا حرى بكل إنسان مراعاة الحق، وحرى بكل مسؤول أن يكون حارسا على تأدية الحق لأصحابه. ولا أدرى كيف يمكن لانسان أن يقبل على نفسه المال الحرام وهو يدرك أن الدنيا منقطعة؟. أليس هذا جديرا بأن يملى عليه أن يسارع فيقدم العمل الصالح وينأى بنفسه بعيدا عن الحرام؟ كيف يرضى لنفسه أن يسقط فى بئر الحرام عندما يقبل الرشوة والتى قد تعطى لابطال حق أو لاحقاق باطل؟ كيف يقبل الرشوة من أجل القيام بمهام وظيفته أو يقبلها للقيام بمصلحة غير مشروعة؟ أو لم يعلم أنها العار الذى يمحو البركة ويودى بصاحبه إلى التهلكة؟ لقد نهانا الله عن الحرام وأكل مال الغير بالباطل سواء أكان ذلك بالربا أو عبر الحصول على الرشوة، فمن فعلها فهو آثم وآكل للحرام. لقد نهانا الله عز وجل عن تعاطى الأسباب المحرمة فى اكتساب الأموال، فما بالك إذا جاءت الفتنة من مسؤولى القضاء. هنا تكون أعظم خطرا وأشد فتكا لأنهم ميزان العدالة، فإذا فسد الميزان اختل الاتزان، وإذا خان الوازن ضاع التوازن. ومن ثم يفتح الباب على مصراعيه لانتشار الفساد. قال تعالى: «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل» ( سورة البقرة الآية 188 ). وقال محمد صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الراشى والمرتشى». لهذا كله كانت الرشوة من كبائر الذنوب، صاحبها ملعون مطرود من رحمة الله. ومن أعطى من أصحاب الولاية الرشوة من أجل استحلال حقوق الناس وغصبها واعطائها للآخرين فإن فى ذلك تحليل لما حرم الله، أو تحريم لما أحل الله. وذلك هو الكفر بعينه لقوله تعالى: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون» ( سورة المائدة الآية 44 ).إنها الرشوة الاثم بعينه. ولا أدل على إثمها من أنها مستترة يستحلها ما علم تجريمه بالضرورة. ولهذا كلما كان الانسان متورعا عن مال غيره وعما لا يحل له كلما كان أبعد عن الحرام. وقانا الله وإياكم السقوط فى بئر الحرام.....