إلى متى سنظل ندور فى دوائر مغلقة ما بين اتهامات واتهامات مضادة؟! نسمع أنفسنا فنطرب لها.. ولا يسمعنا الآخر فيكيل لنا الاتهامات.. وبالتالى لا تغيير إلى الإمام يذكر! ولا تحول جذرى نلمسه فى مواجهة داء العصر والأوان ألا وهو الإرهاب.. ونخص بالذكر الإرهاب الدينى.. أو ما يسمى الإسلام السياسى.. ذاك الإعصار أو تسونامى بشرى وهو نابع من الفكر المتطرف أو المتعصب.. يكفر الآخر، ويبيح دمه.. نعم يسعى إلى هدم الحضارات والمدينة والعمران.. ليرجع بنا إلى أحراش التاريخ القديم، وحظائره البالية! ولعل حادثة الكنيسة البطرسية المروعة التى وقعت فى 11/12.. وذهب ضحيتها 26 قتيلا.. وما يقرب من 50 مصابًا.. هو الحدث الجلل لذاك الإرهاب. الأمر الذى يُدينه كل صاحب فطرة إنسانية سليمة.. بصرف النظر عن الدين أو الملة أو المذهب أو العرق أو العقيدة.. لكن هل يا ترى سيكون آخر الأحداث المروعة والأليمة؟ إن المدقق فى قراءة الواقع الراهن.. متأتية الإجابة بالنفى القاطع.. بعيدًا عن حقول التشاؤم أو التفاؤل التى صارت تنصب شباكها لعقول المصريين كافة كى تتوه فى جنباتها! بعد أن تراجعت العقلانية والرشادة وصارت كالعملات القديمة.. ليس لها أسواق واسعة.. ولا مريدين كثر! فى حين تفوقت وتقدمت عليها الخزعبلات والغيبيات وتسويق الخرافة والتشدد والتكفير على أنه لغة العصر الإسلامى !! والذى ينشب حرابه فى الأعناق دون ذنب يذكر أو جريمة ترتكب، انظر ما يفعله داعش والقاعدة ومن قبل ومن بعد الإخوان المسلمون!! إن من يقرأ قانون البلاد الذى أقرته الغالبية العظمى من الشعب المصرى سيصاب بخيبة أمل بين المقارنة بين ما يحدث وما جاء به الدستور فى المادة 53 حيث تنص «المواطنون متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة ولا يتميز بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو أى سبب آخر». فأين هذه المساواة الواقعة والأفكار العادلة مما يحدث على أرضنا وتحت سمائنا من أعمال إرهاب؟! ظننا أنها فارقتنا أو فى سبيلها بعد الجهود الشاقة والتضحيات الجسام التى يقوم بها الجيش مع الشرطة على أرض سيناء والتى بشرنا الخبراء والمتحدثون الرسميون بأنها فى سبيلها إلى الزوال!! لكن إذ بنا فى الأسبوع الماضى.. تنفجر فى عيوننا.. بل فى قلوبنا ثلاثة تفجيرات إرهابية مروعة.. أقساها وأكثر ترويعًا حادثة الكنيسة البطرسية.. ذلك لأنها تضرب العصب العارى فى مصر.. والعروة الوثقى بين أبنائه مسلمين ومسيحيين.. التى تنطلى على الشعب المصرى وقاومها بشدة وسحقها فى عهد الاستعمار البريطانى.. عندما أراد «كرومر» المندوب السامى أن يزرع الفتنة بين مسيحىً مصر ومسلميها فأردته مهزومًا مطرودًا من مصر.. لكن قبل أن يغادر الأرض الطيبة اعترف بأنه لم يستطع أن يفرق بين المسيحى والمسلم المصرى! نعم كلنا مصريون كما يؤكدها الرئيس «عبدالفتاح السيسى».. لكن هل الذى يعيد إنتاج الفكر الاستعمارى القديم وقد يكون اليوم متحالفًا مع الجديد منه، بل ينفذ أجندته.. هل يؤمن بتلك الوحدة الدامجة للنسيج المصرى؟! بالقطع لا.. ومن هنا ينبغى أن نعترف بأن معظم الجهود المضنية والمحمودة للأمن والشرطة تنصب على مواجهة ومحاربة الإرهابيين أكثر بكثير من كونها تواجه فكر الإرهاب.. وعقله وثقافته.. وتحاول أن تقتلعه من الجذور.. لأنه باختصار الفكر لا يُوَاجه سوى بفكر مضاد وكاشف، وعلى سبيل المثال كم هى الكتب التى خرجت لنا تحمل اسمًا لمثقف كبير تحاول أن ترد على تلك الكتب التكفيرية ابتدًء من كتب سيد قطب فى الخمسينيات، إلى كتب الدواعش والسلفيين.. التى تباع على الأرصفة، وتحتشد بها ساحات معارض الكتب لوقت قريب! لذلك ينبغى ألا نتعجب لأنه عبر عقود ولت.. انتشر فى أرض الكنانة الفكر المتطرف والمتشدد.. أو فكر الكراهية والانتقام.. حتى إنهم استخدموه لقتل الرئيس «السادات» الذى أخرجهم من السجون الإخوان المسلمون والذى قيل عنه «أنه أخرج العفريت من القمم» ثم اندار عليه وقتله فى يوم عيد النصر 6 أكتوبر عام 1981! وإلى من لا يعرف.. أو يحاول أن يتجاهل الحقائق الدامغة.. أن فكر الإرهاب قائم بالأساس على ثقافة الكراهية والازدراء.. كراهية الثقافة التي تبنى العقول وتنيرها ثقافة الحرية والتعدد والتسامح والتى تنشد العدل.. فدع مائة زهرة تتفتح على سبيل المثال.. شعار ممجوج ومحرم.. لأنهم وحدهم من يملكون الحقيقة المطلقة.. ودونهم كفار وأذلاء.. إنهم يكفرون المسلم غير المنتمى لهم.. فما بالك بالمواطن المصرى المسيحى.. فهو بالنسبة لهم «من أهل الذمة» أى ذمى!! فأين هذا من المادة السابقة من الدستور.. أى حق المواطنة؟! وإذا ما مددنا الخيط على استقامته.. فى فكر الإرهاب الدينى وثقافة الكراهية والتى صارت ككرة النار يتقاذفها الفرقاء!! لم تصبح حكرًا على المتعصب والمتشدد فى جماعات الإسلام السياسى المتنوعة والمتشعبة فحسب.. بل انتقلت العدوى إلى المتطرف والمتشدد المسيحى أيضًا.. ومن هنا تنبع ضرورة وأهمية وجدوى المواجهة الفكرية بالأساس لكافة فصائل التطرف والتشدد.. وهو ما تبغى معه أن نعيد للعقل والعقلانة الاعتبار.. وأن نسمح للحريات أن تتغلغل فى مسام المجتمع المدنى بشبابه قبل شيخوخه دون معوقات.. وأن ننشط الذاكرة الجمعية البصرية والسمعية على الأعمال الفكرية والفنية التي تمجد العقل وتأخذ بالأسباب وتعرى ذاك الفكر الانهزامى والمتخلف.. لكن الخطوة الأساسية رهينة بإقامة العدل الثقافى وربوع مصر وريفها قبل مدنها وهى ليست منفصلة عن إقامة العدل الاجتماعى الذى يستشعر الفقراء قبل الأغنياء.. إن العدل بفرعيه هو القادر على تجفيف منابع الإرهاب.. نعم هى الخطوة الأولى التي تدفع بالمفكرين إلى المقارعة الفكرية.. أو العصف الذهنى الذى به تتقدم الأمم وتزيل عنها غبار السنين.. وغباوات الحاضر وأصنامه ومعوقاته!