استوقفني خلال الاسبوع الماضي مشهدان أثارا حولهما كثيرا من التعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي، وكان لطريقة عرضهما إيماءات توحي بحالة اليسر التى يعيش فيها غالبية المواطنين، وهي بالطبع صورة اعتقد انها بعيدة كل البعد عن حقيقة الاحوال المعيشية لكثير من الأسر، وربما أساءت تلك الصورة السلبية نبرة من عدم التعاطف مع الشكوى المتكررة من الارتفاع الجنوني فى أسعار السلع الغذائية. المشهد الأول هو مشهد الطوابير التى اكتظت بها صالات معظم فروع البنوك الوطنية خلال الاسبوعين الماضيين لشراء الشهادات ذات العائد المرتفع التى أعلن عنها البنك المركزي. والمشهد الثاني حدث أول أمس الجمعة ،حيث الزحام الشديد على كبرى المحلات التجارية و»المولات»للاستفادة من الخصومات الكبيرة التى أعلن عنها أصحاب هذه المحال خلال ما يسمي بالجمعة الاسود أو البلاك فريداي. التعليقات التى صورت المشهدين دارت جميعا حول فكرة أساسية وهى أن هذا الشعب لا يستحق التعاطف معه، باعتبار أن «فلوسه تحت البلاطة»،وأن شكواه من ضغوط الحياة ليس لها أساس من الصحة، وبالطبع فإن هذه النظرة السطحية للأمور لن تورثنا سوى مزيد من المشكلات، بل وتصدر لمراكز صنع القرار صورة ليست دقيقة لحال المجتمع، وهو ما يدفعها الى اتخاذ مزيد من الاجراءات التى تكبل محدودى الدخل بأعباء لم تعد قدراتهم الاقتصادية تتحملها بأى حال من الاحوال. أصحاب المشهدين لا يعبرون عن القطاع الأعظم من المطحونين، وهم شريحة لا تمثل 1 ٪ من المجتمع،ومع ذلك هم ليسوا أغنياء ولكنهم يصارعون شأن باقى الفئات من أجل البقاء فى ظل أنواء الاسعار العاصفة،وهو ما لمسته بنفسي من خلال أطراف الحديث التى تجاذبتها مع الواقفين فى طوابير البنوك لشراء الشهادات ذات العائد ال20 ٪، فمعظم هؤلاء من العجائز واصحاب المعاشات الذين وضعوا مستحقاتهم من نهاية الخدمة فى شهادات ذات عائد يضيفونه على قيمة المعاش،وهى كلها جنيهات معدودات بالكاد تقيهم شر الحاجة والعوز بعد عمر من الكفاح. أما المشهد الثاني الذى صور التزاحم على المحلات بأنه قوة شرائية عالية،فهو مشهد لا يبعث الا على الحزن لما وصل إليه حالنا،فهؤلاء معظمهم من الطبقة المتوسطة التى كانت تستطيع شراء احتياجاتها من الملابس ذات الجودة العالية والماركات الشهيرة،قبل دخول الموسم بأسابيع،ولكن ولأن الحال تدهور بالجميع وأصابت الهزات الاقتصادية وتوابعها معظم الجيوب،فلم يعد حال الأسر يسمح بهذه الرفاهية، فاضطروا لانتظار موسم التخفيضات لشراء ما يحتاجون هم وابناؤهم وخصوصا وأن أسعار الملابس خاصة الشتوية مبالغ فيها الى حد كبير. جنون الاسعار الذى أصاب كل شىء، أفقد الكثيرين قدراتهم الشرائية،وبالتالي تهافتوا على تنزيلات معظمها وهمية،فقد رأيت بعيني منذ أيام فى احد المحلات الشهيرة ،العاملون بالمحل وهم ينزعون الاسعار القديمة ويستبدلون بها أسعارا جديدة، وعندما سألت العاملات قلن لى ان تعليمات من إدارة المحل صدرت لهن بزيادة الاسعار بنسبة 30%، فماذا يفعل المواطن الذى ضاقت به السبل وترك فريسة لجشع التجار..؟